العدد 4645 - الثلثاء 26 مايو 2015م الموافق 08 شعبان 1436هـ

فضائل التغيير

محمد حسن العرادي comments [at] alwasatnews.com

كثيرون يعلنون بالفم الملآن أنهم ينتظرون انتصاراً بيناً يثبت بأن المواقف التي اتخذوها كانت صائبة، وكثيرون يزعمون بأن هذا الانتصار سيأتي عاجلاً أو آجلاً، وأنهم مستعدون للتضحية سنوات وسنوات من أعمارهم من أجل أن يأتي ذلك التغيير الذي ينشدونه. لكن أغلب هؤلاء وحتى أصحاب الصوت المرتفع منهم، حين يختلون مع أنفسهم ويفكّرون بهدوء وصدق، يتمنّون أن تنتهي أغلب المعارك التي يخوضونها بالتسوية وبأقل الخسائر.

ودون ريب فإن للانتصارات والهزائم أثماناً باهظة ومكلفة، ليس من السهل تحملها أو تقبلها دائماً برحابة صدر ، خصوصاً من قبل الشعوب الصغيرة التي توثر فيها الخسائر حتى لو كانت قليلةً جداً، لذلك نرى أن معظم الذين يخوضون الحروب والمعارك وحتى النزاعات، يتمنون لو أتيحت لهم الفرصة لإدارة هذه المعارك والحروب والنزاعات بطريقة أخرى وبكلفة أقل، لكن الزمن يكون قد مرّ ومضى، وهو لا يعود للوراء أبداً مهما كانت الرؤية واضحة أو قد اتضحت الآن.

في محطات الخيال العلمي نجد الكثير من الأفلام التي تتحدث عن اختراع آلة الزمن التي تجعل العبور للمستقبل ممكناً، وحين يعود العابرون للمستقبل إلى الحاضر يبدأون في التخطيط لهذا المستقبل الذي اكتشفوا أنه قد يكون كارثياً، وقد يستطيع البعض منهم تغيير مستقبله فعلاً، حتى دون الحاجة للدخول في آلة الزمن، فعندما يستقرئ المرء واقعه ويقوم بدراسة خطواته وتجاربه، سيتمكن من معرفة النتائج التي سيصل إليها، وعليه فإنه يستطيع من خلال تغيير خطواته أن يغيّر مستقبله والنتائج التي سيتحصل عليها.

وإذا كانت آلة الزمن يمكن لها أن توفر معرفة واستكشاف للمستقبل فتتيح لنا الفرصة في تغييره، فإن من المؤكد والمتيقن بشكل قاطع أن لا أحد يستطيع تغيير الماضي، فنحن لم نر أبداً آلة للزمن تعود للوراء وتسمح لصاحبها بتغيير ما فات، كما أن المرء لا يستطيع من خلال مراجعة نفسه تغيير الخطوات التي اتخذها في الماضي بهدف تغيير هذا الماضي، وصدق من قال: (اللي فات مات).

لكن ذلك لا يعني عدم القدرة على الاستفادة من الماضي في سبيل عدم العودة له، ومن أجل عدم الوقوع في ذات الأخطاء التي وقع فيها هذا الإنسان أو ذلك الحزب أو الشعب أو الأمة، كما أن بالإمكان الاستفادة من مراجعة تجارب الآخرين أيضاً، فلا نقع في ذات الأخطاء التي وقعوا فيها وبالتالي نتحاشى الوصول إلى النتائج التي وصلوا إليها إن كانت كارثية أو سلبية.

وفي الوقت ذاته، فإن مراجعة تجارب الآخرين قد تتيح لنا قدراً بل كنوزاً من المعرفة والقدرة على الاستفادة من هذه التجارب إيجابياً، وليس بالضروة سلبياً، فأيما تجارب ناجحة في ظروف مماثلة للظروف التي نحيا، يمكن أن تهيّئ لنا فرصاً للإستفادة منها لبناء مستقبل أكثر أمناً ونجاحاً.

وأحسب أننا في هذه الجزيرة الصغيرة نستطيع استقراء المستقبل، ليس من خلال آلة الزمن ولا هم يحزنون، بل من خلال مراجعة تجاربنا وتجارب من حولنا من الأمم والشعوب. لقد مضى على تاريخنا الحديث الذي يمكن تأريخه منذ انطلاق قطار التعليم الرسمي في العام 1919 مروراً باكتشاف النفط في العام 1932، ما يناهز المئة عام، لكننا طوال هذه الأعوام كنا ولانزال ندور في حلقة مفرغة، ونظن أننا بذلك نحسن صنعاً.

لقد مر هذا القرن من الزمان أو يوشك على المرور بعد 4 سنين، ونحن في معارك كر وفر بمعدل معركة كبيرة كل عقد من الزمن، البعض منا أطلق على هذه المعارك ثورات، وبعضنا أسماها انتفاضات، والبعض الآخر يحلو له أن يسميها هبات جماهيرية، وغيرها من التسميات التي تدغدغ عواطف العامة وتحفّزهم للاستمرار في نفس السلوك ونفس الممارسة.

والغريب هو أننا نعتقد بأننا عندما نمارس نفس السلوك والخطوات سنخرج بنتائج مختلفة، وهكذا نعيد إنتاج ثوراتنا وانتفاضاتنا وهباتنا الجماهيرية، وفي كل واحدة من هذه المحطات نقدم قرابين التضحيات والشهداء والجرحى والمعتقلين والمطاردين والمبعدين والمنفيين عن الأوطان من أجل تحقيق حلم أو وهم لم تكتمل ملامحه بعد، ولا نعرف كيف ومتى سنصل إليه.

بعض من يقرأ هذه المقالة سيقول، وما الذي يحشرك في الأمر، لماذا تريد أن تصادر حلمنا وحقنا في الأمل بمستقبل أفضل، مستقبل نحكم فيه أنفسنا بأنفسنا ونتمتع فيه بالديمقراطية الكاملة الصلاحيات والدوائر العادلة وحتى تداول السلطة.

وقد تكون هذه الأحلام حقاً أصيلاً، لكنني هنا فقط أقول إن تجاربنا طوال مئة عام مضت لم تحقق ذلك، ليس لعيبٍ في هذه المطالب والطموحات بالضرورة، لكن ربما لوجود أخطاء في أماكن أخرى.

إنني أدّعي بأن كل هذه الثورات والانتفاضات والهبات الجماهيرية قد شهدت محاولات للتوثيق، وأصدرت في سبيل ذلك العديد من الكتب والمقالات التي سطرت التضحيات ووثّقت أسماء القادة والشهداء والمعتقلين والجرحى وغيرهم، لكنني لم أطّلع حتى الآن على كتب او مراجع عمدت إلى انتقاد ومراجعة هذه التجارب المريرة سواء كانت على شكل كتب أو أبحاث، أو مقالات اهتمت بالتفتيش عن مكامن الخلل التي أدّت إلى فشل كل هذه التجارب قاطبة.

وأزعم هنا أننا نحتاج إلى التوقف من أجل إعادة دراسة هذه التجارب وتقييمها بموضوعية، فحين نفشل في الوصول إلى الاهداف التي طالبنا بها منذ أكثر من مئة عام، فإن ذلك لا يمكن أن يكون بسبب القمع وحده، أو بسبب شراسة النظام وحقده، هناك على الضفة الأخرى أخطاء مزعجة تختبئ داخل الزوايا الضيقة وقد تكون أخطاء بارزة وواضحة لكننا نتغافل عنها. علينا أن نعمل على البحث عن هذه الأخطاء وتصحيحها أيضاً، ولا يجب أن تأخذنا العزة بالإثم، كما لا يجب أن ندّعي الكمال، فالكمال لله وحده.

لقد آن الأوان لإعادة النظر في المطالب، في الأدوات، في الأساليب، في القيادات، في التكتيكات، في التنظيمات، في التحالفات، في الطموحات وفي كثير من الأشياء حولنا. وربما نستطيع تغيير المستقبل بتضحيات أقل لو أعدنا تدوير الزوايا، وطالبنا بحقنا في المشاركة في بناء وطننا بصورة مختلفة.

إقرأ أيضا لـ "محمد حسن العرادي"

العدد 4645 - الثلثاء 26 مايو 2015م الموافق 08 شعبان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 4:11 ص

      الانتقاد أسهل المشاركات

      لعل انتقاد الآخرين في عموم سلوكياتهم هي صفة إنسانيةض تكاد تكون عامة بين البشر وهي الممارسة الأسهل والتي لا تراعي جهداً ولا عطاءً بل حتى ولا تضحيات، والأصعب هو اقتراح الحلول العملية المبتكرة والفاعلة والقابلة للتنفيذ. وهذا تماماً ما خلصنا إليه من مقال الكاتب الكريم، والذي لم يلتفت إلى أن ما يجري في البحرين هو حراك واحد بأشكال مختلفة فالنزول إلى الشارع أسلوب للتعبير عندماييأس الناس من الحوار والتفاوض، والحراك مستمر ولم ينقطع منذ مئة عام ولكنه يراوح بين النزول إلى الشارع وبين المواجهة عبر النقابيات

    • زائر 4 زائر 3 | 4:27 ص

      توصيف

      المقال يوصف الأمور ولا يضع الحلول والبدائل والاقتراحات كأنه يقول إن الطريق للحل مسدود لماذا؟ ؟؟

    • زائر 5 زائر 3 | 5:02 ص

      النظر من الشرفة

      استاذ محمد حسن .مقال ينظر من الشرفة الى الامور فيرى ما لايراه المحتجون ومن يقودهم لكن عيبه انه من الشرفة اي من متفرج هذا جانب اما الجانب الآخر فهو ان المقال يخطىء الانتفاضات المتعاقبة ولكنه لم يبحث في اخطاء ................ولم يحمله اي نوع من المسئولية .فالاسهل هو الطلب من المعارضة اعادة النظر في مطالبها وتكتيكاتها واستراتيجياتها انها الطوفة الهبيطة بالنسبة للكاتب اما الحكم حسب المقال فلم يخطئ وليس مطلويا منه ان يعيد النظر في طريقته في الحكم منطوق المقال هو تنازلواعنمطالبكم وعودوا الى بيوتكم. يوسف مكي

    • زائر 6 زائر 3 | 9:05 ص

      نعم الطريق للحل شائك لأنه تحول بين جمعيات دينية مذهبية مضادة لبعض

      وختزلة أزمة الوطن بين شيوخ الدين الذين لايمكن حتى أن يلتقيا فكيف يسير أن في طريق واحد حتى يصل الجميع إلى بر الأمان هذا من المستحيل الحل المصالحة الوطنية والمصالحتي وترك ما يختلف فيه وتكوين جمعيات للجميع

    • زائر 2 | 2:58 ص

      الواقعية السياسية

      مشكلة المعارضة حين تود أن تتكلم عن الواقعية السياسية أنها تخشى من مزايدة باقي حلفائها أو أن تخسر الشارع...
      لا يمكن أن تكون معارض و قيادة و تخشى من قارورة ماء صحة...

    • زائر 1 | 12:25 ص

      مقال جميل ويصب في المساهمات العديدة التي تريد إخراج الوطن من ماهو فيه

      من أزمة خانقة إصابة الجميع وضربة السلم والنسيج الاجتماعي في مقتل وحتى الأمان الذي يفتخر فيه المواطنين يتارجح ولاكن نشاهد مصائب غيرنا ونحمد الله سبحانه وتعالى الحل ليس الدوران حول المشكلة والمطالب بحد ذاتها يمكن الاتفاق على أغلبها بين المواطنين صلب الأزمة هو أبعاد معتقداتنا المخيفة لبعضنا

اقرأ ايضاً