العدد 4649 - السبت 30 مايو 2015م الموافق 12 شعبان 1436هـ

الولايات المتحدة لا تكترث بمصير أصدقائها

هاني الريس comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي بحريني

منذ نهاية الغزو الأميركي لفيتنام في 7 يونيو/ حزيران 1975 الذي خلف وراءه الكثير من الكوارث البشرية والاقتصادية والمعنوية والنفسية، التي استنزفت حياة الشعبين الفيتنامي والأميركي على حد سواء، حيث فاقت خسائر الغزو، وكذلك المواجهة الثورية المتصدية له بالسلاح، كل ما هو معقول بالنسبة إلى ما تمخضت عنه نتائج الحرب وكل تداعياتها المعروفة، حيث خسر الجانب الفيتنامي أكثر من مليوني قتيل، وثلاثة ملايين جريح، وقرابة 12 مليون لاجيء ومشرّد، إضافةً إلى أعداد الأسرى الآخرين الذين تمت تصفيتهم على أيدي الجنود الأميركان في معسكرات الأسر ومواقع الحرب.

ومن الجانب الأميركي بلغت الخسائر أكثر من 57 ألف قتيل، وقرابة 153303 جرحى، و587 أسير من بين المدنيين والعسكريين. وظلت مختلف وسائل الإعلام الأميركية تتناول بشكل يومي، وعلى مدى سنوات، جميع الأهوال التي تعرّض لها الفيتناميون والأميركيون، إبان مراحل الحرب الطويلة وما بعدها، وكشفت عن فضائح كثيرة ومعيبة، وممارسات بالغة الوحشية قامت بها القوات المسلحة الأميركية ضد الثوار الفيتناميين والمواطنين العزّل.

وفي تلك الفترة المتخمة بالآلام والأوجاع والمصائب الكارثية، أصدر الكاتب الفيتنامي جيد نغوك كوانغ هين الذي عاصر تلك الحرب الدامية في فيتنام، عندما كانت الولايات المتحدة تخوض الحرب الطاحنة في جنوب البلاد... أصدر كتاباً موثقاً بالصور والوقائع تحت عنوان «تغير رياح الجنوب»، سجّل فيه جميع مشاهداته عن أهوال الحرب، والمخاطر الكبيرة التي تتعرض لها الدول أو الشعوب الصغيرة، التي يكون مصيرها مرتبطاً بقوه عظمى.

ويسرد كوانغ هين في كتابه قصصاً حول أهوال الحرب، والعذابات الشديدة والقاسية التي تعرض لها المواطنون الفيتناميون على أيدي الجنود الأميركان وفي معسكرات إعادة التأهيل والتعليم الوحشية التي أقامتها السلطات الفيتنامية في نهاية الحرب، وشملت أعداداً هائلة من الأشخاص الذين ارتبطت حياتهم بالأميركان في الشق الجنوبي من فيتنام. ويقول إن الولايات المتحدة الأميركية، بعد توقيع معاهدة الهدنة مع فيتنام، وانسحاب كامل قواتها من البلاد، تخلّت بشكل واضح، عن حماية مئات الآلاف من الفيتناميين، الذين وقفوا إلى جانبها طوال فترة الحرب، وتركتهم لمصائرهم، ضاربةً بعرض الحائط كل التضحيات التي كانوا قد بذلوها من أجلها.

وأما الصحافي الأميركي فيليب غورفيتش الذي قام بمراجعة كتاب جيد نغوك كوانغ هين، فقد قال إن «معظم الكتابات والتحليلات الأميركية، التي تناولت مواضيع الحرب، أظهرت الفيتناميين على أنهم فقط لاعبون ثانويون في التراجيديا الأميركية، سواءً كانوا ضحايا أم أشرار».

ويضيف غورفيتش: «لقد أصبحت طروحات الولايات المتحدة حول فيتنام في نهاية الأمر، طروحات حول الولايات المتحدة نفسها، التي كانت تعكس سياساتها الخاصة أكثر من كونها انعكاساً لما تعتقد به حول الفيتناميين وأوضاعهم، والدليل على ذلك أن كل هذه الطروحات استمرت في شكلٍ من أشكال العظمة والغرور والأنانية المفرطة، دون النظر إلى الفيتناميين الذين تواروا خلف الستار الحديدي». ويتابع قائلاً: «لقد أصبح الجدل الأهم في الولايات المتحدة، يدور حول من يتحمل المسئولية أكثر من الاعتبار مما حدث للفيتناميين، الذين وعدتهم الولايات المتحدة بتوفير الحماية لهم».

ولم يقتصر أمر تغاضي الولايات المتحدة عن الوفاء بوعودها والتزاماتها تجاه كل من وقف إلى جانبها موقف الجد في فيتنام، خلال تلك الفترة الصعبة والقاسية، بل أنها أيضاً تجاهلت حياة ومستقبل عشرات الآلاف من المواطنين الكوبيين، الذين خدعتهم بشعارات الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، وأغرتهم ببريق الأموال، ثم تخلت عن أبناء جلدتهم، طمعاً في الحصول على بعض المنافع الأميركية، فبعد أن كانت ترحّب بهم خلال حقبة الحرب الباردة، قبل انهيار المنظومة الشيوعية العالمية، أصبحوا بعد ذلك في نظرها مجرد أرقام، ولم تعد تكترث أبداً بمشاكلهم ومعاناتهم في حياة التشرد والهجرة.

وفي السنوات الأخيرة رآى العالم برمته، كيف تخلّت الولايات المتحدة عن أهم حلفائها وأصدقائها والجماعات المرتبطة معها في مختلف البلدان، التي خسرت فيها معاركها السياسية أو العسكرية، وتضرّرت فيها بعض أو كل امتيازاتها ومصالحها الاقتصادية الخاصة. ومثال على ذلك، حكام بعض الدول، التي فتحت أبوابها على مصاريعها لاستقبال كافة الفرص والمشاريع السياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية الأميركية، مثل شاه إيران المخلوع محمد رضا بهلوي، الذي ظل بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، خارج البلاد تائهاً، طريداً مشرّداً، باحثاً عن ملجأ، ورفضت الإدارة الأميركية حتى قبول منحه طلب اللجوء السياسي أو الإنساني على ترابها.

ومن بعده جاء الدور على رؤساء الدول العربية المخلوعين، محمد حسني مبارك وعلي عبدالله صالح وزين العابدين بن علي، وغيرهم من الزعماء والحكام الآخرين المعزولين والمنبوذين من قبل شعوبهم، في مختلف أنحاء العالم، الذين لم يترددوا عن تقديم صكوك الولاء والطاعة للولايات المتحدة، ثم تنكّرت لخدماتهم وعطاءاتهم وتضحياتهم المخلصة من أجل تنفيذ سياساتها، في أحلك الظروف القاسية التي واجهتهم.

ويمكن النظر إلى كل ما تقدم، باعتباره إشارة واضحة وصريحة، لجميع الدول والشعوب الصغيرة التي مازلت تعقد الآمال والتمنيات الكبيرة على تحالفاتها وارتباطاتها السياسية والعسكرية والمعنوية الوثيقة جداً بالولايات المتحدة الأميركية العظمى.

إقرأ أيضا لـ "هاني الريس"

العدد 4649 - السبت 30 مايو 2015م الموافق 12 شعبان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 2:21 ص

      الولايات المتحدة

      نعم بالطبع هذا هو حال الولايات المتحدة الامريكية عندما تشعر بان مشروعها انتهى او قارب الانتها تنسحب بسرعه وتتخلى عن صديقها مهما كان ولا تكترث الى مصيره مهما كان وتتملق لغيرة وهكذا هو الحال .

    • زائر 2 زائر 1 | 8:12 ص

      علي عبدالله صالح

      لكن علي عبدالله صالح ماصاده شي وها كو الحين يخزن القات في گبال صنعاء

اقرأ ايضاً