العدد 5263 - الخميس 02 فبراير 2017م الموافق 05 جمادى الأولى 1438هـ

الإرهاب في عصر العولمة

هذا الإرهاب المنتشر عالميا هذا اليوم يظهر في عصر العولمة، حيث لا تجد ملاذا آمنا في العالم يحميك منه. هذا مقال نشرته الصحيفة البريطانية المحافظة «ديلي تلغراف» الموافق 20 ديسمبر/ كانون الأول2016، بقلم «رفالكو بانتوسي»، سلط الأضواء على انتشار الارهاب في العالم بصورة مرعبة وفي عصر العولمة، وخصوصا على 4 حوادث مؤلمة حدثت عالميا هي اغتيال السفير الروسي في أنقرة، وشاحنة تصدم حشدا في سوق بمناسبة عيد الميلاد في برلين راح ضحيتها 12 شخصا، وإطلاق نار في مسجد، وتجريم محاولة القتل الجماعي للمسلمين في نيويورك وغيرها. لقد استلهمني تعبيره «في عصر العولمة لن تجد ملاذا آمنا يقيك من الإرهاب» كأنه يريد أن يقول كله هذا نتيجة «النظام العولمي»، ولما ترمي إليه الرأسمالية المتوحشة والامبريالية العالمية.

أود أن انطلق من عنوان هذا المقال، لأطرح تعريفا لهذا المفهوم الحديث وتداعياته جيوسياسيا واقتصاديا وأمنيا على العالم، هناك مصطلح في المفهوم السياسي والاقتصادي «Internationality/Universality» معناه عالمي، ثم جاء المصطلح الحديث «globalization»، ويعتبر هذا المصطلح من المصطلحات الغامضة لم يحدد معناه بدقة على رغم الدراسات المستفيضة، ويقتصر تعريف على انه نظام عالمي جديد يقوم على الإبداع العملي والتقني والتكنولوجي وثورة الاتصالات حتى يصبح العالم كله قرية كونية صغيرة.

ومن أهم مؤسسات العولمة وأبرزها البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي يهيمنان على الدول الضعيفة والفقيرة ماليا واقتصاديا بأمر من أميركا وحلفائها الدول الأوروبية لعولمة مصر. في نوفمبر 2016 أقر صندوق النقد الدولي قرضا بقيمة 12 مليار دولار لمصر.

في اكتوبر 2016، نشرت صحيفة «الايكونوميست» مقالا لمناهضي العولمة، تحت عنوان «لماذا هم على خطأ؟». يقول المنتقدون ان العولمة تعود بالنفع فقط لنخب وتضر الفقراء أكثر، وتؤكد الصحيفة أن هناك بونا شاسعا بين من يراها ذات فائدة وآخر يراها عكس ذلك، وبالتالي فإن فكرة العولمة هي حيلة وخدعة تعود بالفائدة على الشركات الرأسمالية والأغنياء وتضر بالفقراء في تداعياتها المالية والسياسية.

في الحقيقة ان العولمة تذيب الفوارق الدينية والثقافية والوطنية لتحقيق قوة واحدة تحكم الأرض، فهي تسعى لإلغاء جميع الفروق بين المجتمعات، فلا يكون هناك انتماء لأي وطنٍ أو دين أو ثقافة، بل يتحد كله معاً ويتم تذويبه في بوتقة واحدة... وطن بلا حدود، قرية واحدة، ثقافة ومعلومات واحدة.

عند التدقيق نجد أن جميع نظريات وتطبيقات العولمة تنبع من فلسفتها القائمة على تقسيم العالم إلى قسمين: عالم الدول المتخلفة ذات المعدلات العالية في الأمية والفقر والمرض.

وعالم القوى الكبرى ذو الشركات العملاقة ورؤوس الأموال الضخمة والمؤسسات العالمية.

ومن ثم فإن العولمة تعمل على تذويب العالم الضعيف الفقير لصالح العالم القوي الغني تذويباً لا مثيل له وغير مسبوق، ومن هنا يتضح أن العولمة ليست نظاماً حياتياً أو اقتصادياً يسهل تحت مظلته عولمة الخبرات والتقنيات ونقل البضائع والخدمات والمعلومات، وإن كانت هذه الأمور من الوسائل التي تشجعها وتنميها لإيصالنا الى نظام فكري علمي مدروس ومخطط له يهدف للهيمنة والسيطرة من قبل المؤثرين المنتصرين على كوكب الأرض في العصر الحديث.

لذا يمكن القول ان العولمة بالمفهوم المعاصر تعني: (الأمركة)، وهي كما هو مشاهد مكشوفة ليست مجرد سيطرة وهيمنة وتحكم بالسياسة والاقتصاد فحسب، ولكنها أبعد من ذلك بكثير، فهي تمتد لتطال ثقافات الشعوب والهوية والقومية والوطنية وترمي إلى تعميم أنموذج من السلوك وأنماط أو منظومات من القيم وطرائق العيش والتدبير، وهي بالتالي تحمل ثقافة (غربية أميركية) تغزو بها ثقافات مجتمعات أخرى، ولا يخلو ذلك من توجه استعماري جديد يتركز على احتلال العقل والتفكير وجعله يعمل وفق أهداف الغازي ومصالح الأميركان ومن ورائهم الاتحاد الاوروبي و إسرائيل.

سألت صحيفة بريطانية أحد الساسة البريطانيين «لماذا بريطانيا ستعود إلى شرق السويس من جديد بعد خروجها منه قبل عدة عقود؟» قال: «لعولمة مصالحنا الاقتصادية والسياسية» . يقول أسعد السحمراني استاذ العقائد والاديان في جامعة الامام الاوزاعي بلبنان: «ان العولمة مصطلح غير واضح المعالم، دخل القاموس السياسي وريثا لمصطلح النظام العالمي الجديد، الذي ظهر بعد سقوط الانظمة الشيوعية في شرق أوروبا، فإن هذه العولمة لاتزال مفاهيمها ضبابية والرؤية فيها غير واضحة عند أصحابها أنفسهم. ومن دعاة العولمة الفيلسوف السياسي الأميركي فرانسيس فوكوياما في كتابه نهاية التاريخ وآخر الانسان، «إن الديمقراطيَّة الليبراليَّة بقِيَمها عن الحرية، الفردية، المساواة، السيادة الشعبية، ومبادئ الليبرالية الاقتصادية، تُشَكِّلُ مرحلة نهاية التطور الأيديولوجي للإنسان، وبالتالي عولمة الديمقراطية الليبرالية كصيغةٍ نهائيةٍ للحكومة البشرية».

ويتابع السحمراني «بعدما غدت الولايات المتحدة القوة العظمى المهيمنة على العالم، بدأت السعي الى صوغ العالم على هواها، ووفق مقتضيات مصالحها».

علوي الخباز

العدد 5263 - الخميس 02 فبراير 2017م الموافق 05 جمادى الأولى 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً