العدد 5299 - الجمعة 10 مارس 2017م الموافق 11 جمادى الآخرة 1438هـ

قراءة في كتاب «أنت دليلك لفلسفة حياة ملهمة»

أسد أم خروف؟ حسناً لا تمتعض لو خُيرت أن تكون أحدهما وليس شيئاً آخر، ولا تعتقد لوهلة أنك في كتاب «كليلة ودمنة» ولكنك ستعي التلميح أخيراً.

ما بين وصية الأسد والخروف لك الخيار، نادى الأسد شبله الصغير وبدأ بتلاوة بعض الوصايا التي ستساعده في الحياة ومواجهة الصعاب فقال له: اسمع يا بني، نحن الأسود نعيش مرفوعي الرأس وتهابنا جميع الحيوانات، وفرائسنا هي أهدافنا، نحن نمتلك قدرات هائلة، نحن لا نأكل إلا اللحم الطري وأما الجيف للضعاف، ونحن لا نتلذذ بالأكل فلذتنا ومتعتنا الحقيقية هي في بذل الجهد.

وبالمقابل نادى الخروف ابنه الصغير ليوصيه فقال له: اسمع يا بني، نحن الخراف ننساق وراء الآخرين لنحمي أنفسنا بين القطيع، وننتظر حتى يسمحوا لنا بأن نرعى في الحقل لنأكل، فانظر لعصا الراعي وانتظر علوها كي تنطلق للأكل، ولا ترفع صوتك على أحد وتوقف عن الأكل عندما تؤمر، وإن واجهتك الذئاب فاهرب تاركاً لها المرعى، فعش خروفاً مسالماً تحيا سليماً، وقل نعم وسمعاً وطاعة، طالما إنك تعلف.

ما قبل الخاتمة تختزل هاتان الوصيتان فصلاً من فصول لعبة الحياة بين سبيلين، إما أن يكون الإنسان مخيراً كالأسد حينما يجيد الانطلاق والتحدي والسعي بقوة لحماية أهدافه من الآخرين، أو أن يكون مسيراً كالخروف يعيش طيلة عمره مسيراً تحت رحمة الراعي وتائهاً بين القطيع، خاضعاً مذعناً للظروف وبلا تخطيط. إذاً كل ما في الأمر هو دعوة لأن تواجه تحديات الحياة بشراسة ولا استسلام لتكون منجزاً ومبدعاً، فهل زال امتعاضك؟ أسداً أم خروفاً؟

كتاب «أنت دليلك لفلسفة حياة ملهمة» هو محاولة لفهم الحياة وبعض تفاصيلها من خلال النظر في عمق أحداثها ومجرياتها بما يمكن الإنسان أن يحيا بسعادة واستقرار. للمؤلف محمد المؤذن، وهو باحث متخصص ومدرب مستشار في علم النفس والتنمية البشرية، حاصل على ماجستير في علم النفس، له مجموعة من المؤلفات في المجال نفسه.

يرى الكاتب في المقدمة أن هذا الكتاب بمثابة دستور في الحياة يمكن حمله والاستفادة منه في مختلف جوانب الحياة، والرجوع إليه في حال حدوث أية مشكلة أو صعوبة، مع أنه قد صرح في الخاتمة بأنه مليء بالمعارف العامة التي يتوجب تعلمها لكن الأهم هو تطبيقها، فلا ترجُ فائدة من هذا الكتاب في حال لم تطبق.

يتبنى الكاتب فكرة أنك مسئول عن حياتك بشكل كامل من الغلاف إلى الغلاف، فأنت مسئول عن حياتك ومصيرك، ولا عزاء للمصابين بمتلازمة الأعذار الذين يهدرون طاقاتهم في سرد الأعذار عند أي إخفاق أو مشكلة. فالكتاب منهج في الحياة تضمن قصصاً ومقولات وعبراً وخبرات متنوعة، يجول بك في محطات مهمة من الحياة عبر خمسة فصول، فالفصل الأول يأخذك في رحلة مع الحياة ليعلمك كيف ينبغي أن تعيش وتفكر وتتصرف وتنجح، بينما بالفصل الثاني ينتقل معك في فصل العمل لتتعلم كيف تكون محترفاً، ومنجزاً ومبدعاً وقائداً فتحصل على الرضا الوظيفي من أجل أن تكون سعيداً، وأما في الفصل الثالث فيدخل في بيتك ويتطرق لدور كل فرد، وفي الفصل الرابع فهو مخصص لكيفية مواجهة الظروف الصعبة والحوادث والمواقف، وأخيراً فصل الحياة وهو الأخير والذي يسعى فيه ليحدث فيها تحولاً باهراً من خلال استثمار عقلك.

«لماذا تعيش حياة اعتيادية، بينما يمكنك أن تعيش حياة استثنائية» مقولة لتوني روبنز، ترشدك إلى أنك المسيطر على عقلك وأفكارك المختزنة فيه وهو بداية الطريق نحو السيطرة على هذا العقل، فكن استثنائياً بتحقيق أهدافك وكل ما تطمح به ولا تكن نسخة مكررة للآخرين.

يقول الكاتب إن الأشخاص الناجحين ينظرون إلى تجارب الفشل على أنها تحديات وفرص ثمينة للتطور والانطلاق للأمام، فهم يذكرون أنفسهم بأهدافهم في كل لحظة من دون توقف، ويضيف أن الإنسان ليس مخلوقاً للخضوع للظروف، فإنما هو وجد على هذه الأرض ليصنع الظروف ويتحكم بها، فالإنسان يمتلك القرار ليكون سعيداً أم حزيناً، قوياً أو ضعيفاً.

يلقي المؤذن الضوء على نقطتين مهمتين بالعمل، وهما التعاون والتنافس، فعلاقة التعاون هي علاقة تشاركية تكاملية، لأنها تقوم على مبدأ أن الكل رابح ولا أحد يكون خاسراً، بينما التنافس علاقة يسودها الحماس السلبي وتدخل في جو دائم من القلق والتوتر، وانطلاقاً من مبدأ التشاركية والتنافسية فالكاتب يعدك بالعظمة لأن عقلك سيدعم بعقول ناجحة أخرى.

يحاول الكاتب أن يبجل نوعية من الضغوط، ويعطيها حلة تتوافق مع شدتها، فليست كل الضغوط سلبية فهناك بعض الفوائد لها أحياناً، فالضغط الخلاق ذو فائدة، فهو يدفعك لأن تبحث عن حلول إبداعية، بينما الضغط المحفز يدفعك لإنجاز مهمة ما بسبب ضيق الوقت، هذه الضغوط هي نفسها التي تدمر عقل البعض وتجعل حياتهم بائسة ومربكة لأنها تفوق مستوى قدراتهم بضبطها والتحكم بها، إذاً هي دعوة لفهم الضغوط ورؤيتها من جانبها الفاتن.

مع أن كتب تطوير الذات تدور وتصب في المضمون نفسه لكنك تجد نفسك أمام هذا الكتاب بوصفاته البسيطة السلسلة التي تغزو عقلك بلا استئذان وتؤمن بما طرحه الكاتب بلا تردد. لم يستند إلى بضع مراجع، بل استعان بمجموعة هائلة من الكتب، 22 مرجعاً عربياً، و12 مرجعاً أجنبياً، والذي يبدو جلياً فيه الكتاب زاخراً بالمواقف، الخبرات والقصص، والذي يتصادم مع فكرة بعض المثقفين الذي يميطون اللثام عن حقيقة كتب التنمية البشرية التي من الممكن تأليفها في 48 ساعة من خلال القص واللصق من رواد مؤلفي كتب التنمية البشرية.

حنان فردان

العدد 5299 - الجمعة 10 مارس 2017م الموافق 11 جمادى الآخرة 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً