أنا هنا أتحدث بالنيابة عن ابني واتحدث بعدما ضاقت بي السبل وأنا أجد فلذة كبدي يضيع مستقبلة وتتبدد معه أحلامه وطموحاته بسبب انسداد أفق العثور على الوظيفة في الأمد القريب التي انقشعت أمام ناظره، ووجدت أنه لابد من إثارة هذه السطور التي توجز حياة ابني الذي يعتبر ضمن مجموعة طلاب قد التحقوا ببرنامج تمكين في دراسة هندسة الطيران في العام 2010 لدى شركة «باس» وكان ابني مع بقية زملائه يحدوهم الأمل أثناء الدراسة بأنهم بمجرد أن يتخرجوا من مقاعدة الدراسة سيكون نصيبهم وحظهم وافراً ومستقبلهم زاهراً في شغل الوظيفة الجاهزة والمضمونة والآمنة غير أن الأيام قد أثبتت لهم عكس كل التوقعات، فبعد تخرج ابني ظل يذوق شبح البطالة مع مجموعة من زملائه الطلاب، فلا وظيفة قد يرتجى أن يشغلها في الوقت القريب ولا طاقاته من الممكن أو المؤمل أن يتم استثمارها بالصورة الجيدة بل وتأهيلها بالشكل الأمثل مع قضائهم لفترة تدريب مكثفة فيما بات وضعهم على حاله مراوحاً منذ فترة الالتحاق 2010 حتى وقت التخرج في العام 2014 إلى العام الجاري (2017) أي ما يقارب 3 سنوات وهم يعيشون حال الفراغ مع أحلام تلاشت، وباتت الحياة الخاصة به رهينة واقع بئيس يحاصره (...) ناهيك عن الأفكار التي تداهمه بين الفينة والأخرى وعمّا ينتظره من مصير ومستقبل مجهول لا يعرف إلى أين قد يستقر به الحال سوى فراغ محاط به من كل حدب وصوب، حتى أثرت تلك الحالة على اتزانه النفسي وتطورت حالته إلى ما هو أسوأ وأصبح ابني شخصاً ملازماً على زيارة الطبيب النفسي يسرد على مسامعه أحلامه التي رسمها لذاته ولنفسه قبل أن تستقر به الأمور في نهاية الطريق ويجد نفسه فريسة لهذا الفراغ القاتل لجل طموحه والخشية من أن تتفاقم أموره إلى مرحلة لا يحمد عقباها وإلى مستوى لم نكن نظن للحظة واحدة أن مصيره سينتهي به المطاف في التداوي داخل المستشفى النفسي فبدلاً من أن يكون مكانه في طائرة يحلق بها في الأجواء ليجد نفسه بعد التخرج لأسف شديد عاطلاً أمام جملة الطموحات التي تبلورت معه في ذهنه وسعى دوماً إلى تحقيقها على أرض الواقع، ناهيك عن مرونته أثناء الدراسة في تخطي وتجاوز لكل عقبة قد نصبت وتعترض مسيرة دراسته لهندسة الطيران إلا أن الواقع جاء مخالفاً لكل أحلامه بل يجري عكس وضد رغبته، فرأى أن مستقبله بعد التخرج كان صادماً لنفسه ولطاقاته وأكثر قتامة وسوداوية حتى باتت جل طاقاته مهدرة ومعطلة وحماسه المتقد باب ميتاً ومبدداً فيما أفكاره مشتتة وحالته النفسية سيئة، ومن هنا أرسل كولي أمر قدم الكثير لأجل ابنه ورؤيته يشب على الطموح والأمل ليتحول بين ليلة وضحاها فلذة كبده ضحية الضياع بفعل ظروف أوقعته حبيساً لها وهي تجري عكس كل أحلامه ويتحول إلى إنسان فريسة للوحدة والغربة عن عالمه الذي يعيشه ولا أجد كأب من ملاذ أمن أشكو له واقع وحال ابني سوى التضرع لنزول الرحمة من رب العالمين... يا ترى سؤالي موجه إليكم أيها القراء من يتحمل مسئولية ما وقع على ابني؟ ومن يتحمل مسئولية ما نتج عنه من حصول بوادر اضطراب في حالته النفسية وتوقع تفاقمها إلى الأسوأ وتحويله من إنسان يمتلئ طموحاً وشغوفاً إلى إنسان خامل كسول يعتزل الحياة بكل صنوفها المتنوعة مفضلاً الوحدة مع نفسه ومتقوقعاً داخل ذاته لترميه الأفكار يمنة وشمالاً... رسالتي أبعث بها إلى كبار المسئولين في الدولة وإلى صناع القرار... أليس ما بلغت إليه حالة ابني وتوجد مثله حالات أخر مماثلة هو هضم لطاقاتهم المتقدة في أوج عنفوانها وعطائها؟... أليس المستوى الذي وصل إليه نحن من ساهمنا في حصوله؟ لماذا جعلتموه يسعى ويثق ويطرق أبواب الدراسة ويعقبها باباً تلو باب لكنه في نهاية الطريق يتبين له أن الواقع عكس لكل رغباته بل ضد طموحه الذي قتل ووئد في بداية ولادته... فآخر رجائي وأملي من وراء هذه السطور هو أن ينال ابني مع مجموعة أخرى من الطلاب الذين درسوا هندسة الطيران الوظيفة الشاغرة التي تتماشى مع تخصصهم في الطيران بالسرعة الممكنة قبل أن يصل بهم المطاف إلى مرحلة ميؤوس منها ولكم كل الشكر التقدير.
(الاسم والعنوان لدى المحرر)
العدد 5304 - الأربعاء 15 مارس 2017م الموافق 16 جمادى الآخرة 1438هـ
ولا بيوظفونكم بعد
نصيحة دورو لكم شغل ودرسو تخصص غير