مع تعدد الرؤى والاتجاهات الفكرية نجد أنفسنا ملزمين بإعادة تنظيم علاقاتنا، حتى تنسجم مع المحيط الفكري من طموحات وثقافات وأطروحات، كل واحد منا يمتلك الرغبة في الانتصار واثبات الذات، فهي حاجة ملحة في عالم تكثر فيه النزاعات والاختلافات، والتعصب الشديد للأفكار والأطروحات، حتى لو كان ذلك على حساب علاقاتنا الاجتماعية والمهنية. هل هي معركة نخوضها فيما بيننا، الغاية منها الانتصار وهزيمة الآخر؟
هل هناك استياء أو عداوة تجاه من نحاور؟ مع تعدد أطراف الحوار سواء في العائلة أو العمل أو محيط الأصدقاء، أو أي محيط يجمعنا مع الآخرين، نجد أنفسنا تنزع نحو إثبات أفكارنا، وندخل في دائرة صراع لا طائل ولا جدوى منها، وكأنها حلبة صراع لا تخلف غير الدمار في الطرفين.
من يؤسس لهذا النوع من الحوار هو عقلية المتحاورين أنفسهم، ما الذي يعوق الحوار الهادف بين المتحاورين، ما الذي يعرقل تعرفنا على روعة وأفكار كل شخص والطاقة التي يتحلى بها.
في كل واحد منا طاقة إبداعية لا تظهر لنا عندما ننظر بعين النزاع والخصام، بدل أن تفرض رأيك، لماذا لا تعيد النظر في طرح صيغ جديدة من التعامل وبث الأفكار.
كثيراً ما ننظر إلى أفكارنا بأنها نواميس ثابتة لا تقبل النقاش، وهي الأفضل فيما أنتجته العقول البشرية! فتتحول ذواتنا إلى مظهر من مظاهر الأنا الفردية تلك النظرة العقيمة غير المنتجة، بل المحطمة لجوهرنا وطاقاتنا، عندما تتلاقى أفكارنا مع أفكار الغير، يكون حكمنا المسبق عليها بأنها دون المستوى الذي يؤهلها للارتقاء في مصاف أفكارنا، وبالتالي نرفضها بشكل آلي من غير فهم ولا إنصاف.
احترامنا لمنشئ الأفكار يجنبنا الاصطدام بها، ويخرجنا من دائرة الأنا الفردية التي تحطمنا، تغير أفكارنا والتي مفادها بأن العالم كل مدين لنا وأننا مصدر كل فكرة في هذا العالم، أنه عمى فكري لا يؤدي إلا إلى السقوط في الهاوية.
ما الأمور التي تبعدنا عن أفكار الآخرين؟ التعالي وتجنب الإصغاء هما معضلتان تبعدنا عن الجوانب الإبداعية الجميلة والطاقات الكامنة، في الأطراف التي نتصارع معها، لماذا لا يكون هذا الصراع هو البحث عن المشتركات ونبذ العصبية والاستعلاء على الآخر، لو حاولنا مجرد محاولة لتبسيط هذا النزاع والتخفيف من حدته من خلال تفعيل الإصغاء، لحققنا الكثير على مستوى العلاقات.
عندما تلتقي أفكارنا مع أفكار الغير، فإننا نسمح لها بالتلاقح المنتج للأفكار البناءة، وعلينا أن نبتعد في حواراتنا عن كل ما يفسد علاقاتنا مثل الشخصنة بتحويل النزاع إلى أمر شخصي، وأن نتعلم الإصغاء بشكل جيد ونبتعد عن اللوم، ولا ندافع عن الدائرة ونجعل الحديث يدور حولها.
كل منا يعلم بأننا نعيش في عالم متقلص أصبح فيه التواصل فيما بيننا أسرع وأسهل من ذي قبل، وعلينا أن نبحث عما يقرب بيننا سواء كنا زملاء في العمل أو في الحياة، يجب أن ندرك أن مساحة الثقافات واسعة وكبيرة، ولكننا نستطيع أن نقرب بينها من خلال تفعيل الحوار الهادف والإيجابي، ولزام علينا أن ننشئ خريطة طريق للوصول إلى جزيرة التعارف والتعاون فيما بيننا، قال تعالى: «وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ» (الأنفال: 46). إذا أدركنا ذلك فقد هيأنا الأرضية المثلى، ونكون أكثر قدرة على الابتعاد عن الجانب الهابط من التفاعلات الإنسانية، وهو صراع مخرب غير منتج، وسنجد الطاقة داخل النزاع ونحول التضاد إلى إبداع.
محمد يوسف العرادي
العدد 5319 - الخميس 30 مارس 2017م الموافق 02 رجب 1438هـ