قراءة الفنجان أو الكف ليست بالظاهرة الجديدة في مجتمعنا العربي، فبيوت العرافين مازالت تعج بالزبائن إلى يومنا هذا، تارة يقلبون أوراق التاروت، وتارة يكشفون عن رموز الفنجان وخبايا خطوط الكف، وعلى الرغم من معرفتهم بالحكم الشرعي لهذه الأمور، إلا إن الكشف عن ما يخبئه القدر هو ما يدفع الكثيرين لمحاولة إشباع فضولهم بأي طريقة كانت.
ولكن أن يقرأ لك فنجانك أشهر العرافين عربياً وأنت في منزلك عبر تطبيق تحمله في ثوان فهو ما لم يتوقعه أحد، ومن لم يكشف فاله من قبل فاليوم قد فعل، كيف لا وإن قراءة الفنجان والكف أصبحت بكبسة زر. تتفاوت أسعار القراءة الواحدة بين الخمسة دولارات وتصل إلى 250 دولاراً وبعضها يقدمها مجاناً، فالرد يأتي إلكترونياً أو على هيئة تسجيل صوتي من العراف نفسه، وبعض التطبيقات الأجنبية تقدم خدمة الرد بالفيديو أو المحادثة المباشرة صوتاً وصورة.
علم قديم متوارث
ترى زينب غريب بأن علم قراءة الكف هو علم قديم جاء من الثقافة التركية وتوارثته الأجيال، وهي ضد من يصنف هذا العلم كبدعة أو خرافة، فتقول: «منذ زمن وأنا أحب تعلم كل شيء جديد في هذا المجال، وتنبهني العرافة عن أشخاص أو مرض أو عن أشياء سألقاها؛ اعتماداً على الرمز المتشكل في «الكوب»، ولكن يجب على من يخوض هذا الدرب ألا يؤمن به لدرجة الجنون حتى لا يتأذى».
جهاز تنصت داخل التطبيق
وقالت كوثر جاسم: «بدأت بقراءة الفنجان يومياً تقريبا ومنذ سنتين، وفي بادئ الأمر كانت تحدث بعض التطابقات بين القراءة والواقع لدرجة أذهلت زوجين وشك في وجود نظام تنصت في هذا التطبيق، لكن في النهاية تبقى مجرد صدفة ربما».
وتضيف «لا أفكر في تجربة تطبيقات أخرى تجبرني على دفع مبالغ قبال قراءة فنجان قهوة، فأنا أستخدم أحد التطبيقات المجانية، وعلى أية حال فإنني أؤمن بأنها مجرد تسلية حالها كحال قراءة الأبراج اليومية، إن كانت إيجابية رحبت بها واعتبرتها فألاً حسناً، وإن كانت سلبية تجاهلتها وكلي يقين أنني أنا من من يصنع أحداثه ويرسم حاضره ومستقبله بجهده نتيجة أعماله وسلوكه».
خصوصية التطبيقات
ذكرت ولاء هاني «لا أنكر اننا فضوليون لمعرفة الغيب وهذا أحيانا ضرر لنا، وأصبحنا نبحث عن الأمل في قعر الفنجان، وأذكر ان مرة قالت العرافة بأني سأستلم مقدارا من المال وصدفة كان يوم استلامي راتبي».
ورأت هدى الشهابي، بأن الخصوصية هي ما يميز هذه التطبيقات مقارنة بقارئات الفنجان محلياً، واتفقت ولاء هاني معها في أنهن لايؤمن بهذا العلم كثيراً، ولكن لا يمانعن التجربة بغرض التسلية.
من الفنجان إلى غرفة العمليات
وأكد حسين حماد بأنه لا يحبذ هذه البرامج شخصياً، ولكن قراءة الفنجان ارتبطت في ذهنه بواقعة طريفة لاتنسى فقال: «تحب فتيات العائلة قراءة الفنجان بين الحين والآخر، وفي مرة قرأن لجدتي وأخبرتها العرافة بأنها ستصاب بأذى ولكنها ستكون صبورة، وبعد عدة أشهر نقلت إلى المستشفى نتيجة كسر في الحوض، وقبل دخولها غرفة العمليات سألتها أمي عبر الهاتف عن سبب الحادث، فقالت: لقد ضمرتها في قلبي منذ عدة أشهر، وها أنا أصبت بأذى كما قالت العرافة».
وعبر حماد عن شعوره بالدهشة، فلم يتوقع أن جدته ستحمل هذه الكلمة في قلبها شهورا عدة، وقال ممازحاً بأنه يحمد الله بأنها قالت لها ستكونين صبورة، بالفعل صبرت والحمد لله ها هي تتحسسن شيئاً فشيئاً.
معارضون تماماً
تقول ولاء أحمد: «سبق وأن قرأت الفنجان من قبل ولكني لا أصدقها على أية حال، وأصنف مستخدمي هذه البرامج إلى قسمين، فالذي يستمتع بها هو أمر عادي جداً، وأما من يصدق فأعتقد بأنه يفكر بسطحية وقلة وعي، فقد انتشرت التطبيقات في البداية للاستمتاع أو الفضول، إلا إنها بدأت تنتشر بشكل جدي أكثر، دوري هو تقديم النصيحة وهم يمتلكون عقلاً ليختاروا الصحيح من الخاطئ».
وأضاف ناصر محمد «قراءة الكف أمر مضحك وتافه بالنسبة لي، فالمستقبل هو شيء تؤمن به، ولايعقل ان أحداً يحدد مسارات مستقبلي عني، وأعتقد ان الأمر كله هو إيمان نفسي يخلقه العرافون في نفوس زبائنهم، وشخصياً سأمانع لو وجدت هذه التطبيقات منتشرة بين أهلي، فهو أمر لا أحب لأحد الوقوع فيه».
وفي السياق ذاته قالت حوراء السيد: «أرى أن قراءة الفنجان بدعة محرمة لأن فيها ادعاء بالغيب ولا يعلم الغيب إلا الله وحده، وانتشار هذه البرامج ماهو إلا ظاهرة أتمنى أن تكون قصيرة الأجل، فلا يجب بذل الوقت وإضاعته في أمور تافهة كهذه».
قراءة الفنجان موضة
الأستاذة المساعدة في جامعة البحرين بقسم علم اجتماع موزة الدوي، بينت أن قراءة الفنجان ماهي إلا موضه أنتجتها مشاكل في العوامل النفسية والاجتماعية، وإن الشللية ورفاق السوء يلعبون دوراً خطيراً في تفشي هذه الظاهرة، فيأتون من باب حب الاطلاع والفضول والتي قد تؤدي إلى إدمان لاحقاً، وإنتشار هذه التطبيقات يعبر عن مشكلة خطيرة لانشغال الناس عن الأمور المهمة التي يجب التركيز عليها، وعلينا وعلى المعنيين بذلك التصدي لهذه الظاهرة.
قراءة الفنجان محرمة بإجماع الفقهاء
من جانبه، أكد الشيخ إبراهيم حمزة بأن «طبيعة الإنسان يحب أن يعرف مستقبله لأنه مجهول بالنسبة إليه، وانتشار هذه الظاهرة يعبر عن الجهل بالأحكام الشرعية وقصور في الوعي بها، ولا أتصور أن قراء الفناجين الذين يدعون بأن إلهامهم رباني صادقون، فلا يمكن أن يكون متصلاً بالله في شيء يخالف الشريعة».
وأضاف «قد أجمع الفقهاء بحرمة هذه الفعل، فلا يجوز لأحد أن يعمل على ما يوليه قراء الفناجين استنادا إلى قوله تعالى (قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله)، وأنصحهم بأن يأخذوا بالأسباب وأن يتوكلوا على الله، وأن يبتعدوا عن هذه التطبيقات فهي لا تقدم شيئاً».
إذاً قراءة الفنجان هي ظاهرة جدلية منذ زمن، وعلى المرء ألا يأخذ بها بشكل جدي، فلن يكون هناك من هو أعلم بأحوالك غير الله، فالمستقبل بيدك ومكتوب من قبل آلاف السنين على أية حال.
العدد 5376 - الجمعة 26 مايو 2017م الموافق 29 شعبان 1438هـ
ممتاز جداً ياريت نهتم لطرح مثل هالمواضيع ، مقال ممتاز ويتكلم بواقع
مقااال جدا رائع وجميل