في مقهى صغير في وسط العاصمة، بمقاعده الخشبية التي تذكرنا بحقبة الخمسينيات حينما كان آباؤنا وأجدادنا لا يملكون تلفزيوناً في البيت، فكيف بهاتف محمول، أو «واتساب»؛ بل كانوا يجتمعون في هذه المقاهي لوحدة الكلمة والمصير، وللتصدي عما كانوا يعانونه... فالمقاهي للتلاقي والتنفيس وللاستمتاع بمشاهدة مباراة القمة الإسبانية كما يعبر عنها بـ «الكلاسيكو»، التي جمعتنا مع أصدقائي المتقاعدين، حيث جلسنا نتابع القناة المصرية وهي تبث قبل المباراة مقتطفات من هنا وهناك عن التظاهرات في الوطن العربي، ما لفت نظري هو تحليل المذيع عن عالم الفيزياء الألماني ألبرت أينشتاين قائلاً: «من الجنون تكرار التجربة نفسها وانتظار نتائج مختلفة»، هذا والمذيع يسترسل في كلامه لقد اهتز نظام «السادات» بعنف يومي 17 و18 يناير/ كانون الثاني العام 1977، بخروج مظاهرات ضخمة عرفت بـ «انتفاضة الخبز»، ولم تثنِ الشباب المصري زوّار الفجر الليلية ولا العصر ولا قمعهم، وكما قال آينشتاين حيث قام حسني مبارك بوضع البيض في سلة واحدة بتكرار تجربة السادات نفسها فسقط أيضاً نظامه في انتفاضة يوم جمعة الغضب أي في يناير أيضاً (28 يناير 2011)، بالقرب منا جلس رجلان كما يبدوان من سمات وجوهما أنهما سيتعاركان في هذه الليلة المتلبدة بغيوم تخفي خلفها برقاً ورعداً ومطراً، فجأة انبرى أحدهما بشماغ أحمر رافعاً علم فريقه البرشلوني ثم جلس، فحمدنا الله وأثنينا عليه وبدأت المباراة وكلانا «برشليون» ما عدا صاحبنا «ريالي» لحظات وإذا برعد قوي وبرق صاعق صعقت من كان في المقهى ختمها الريال بهدفين على البرشلوني، فوقفنا مذهولين مصعوقين من أداء فريقنا أم من السماء!

ووقف ذاك الرجل الريالي فرحاً مسروراً بنشوة الفوز، رافعاً علم فريقه، وبدأت المشاحنات بينه، وبقيت على الحياد، وأنا عين على نهاية المباراة، وعين على العراك، هذا والوقت قد أزلف وبقيت دقائق على آذان الفجر ونحن على هذه الحالة بين صراخ واشتباك بين الأيدي وعمو «فرج» يهدد بغلق التلفاز والقهوة إن لم يتوقف العراك والفوضى، فجأة وإذا بمركبة خاصة تركن فما كان مني إلا أن تسللت هارباً من زوار الفجر ومن فرط أهوائي، نادماً على ما فعلت في ليال شهر رجب العظيم، نادماً على فساد أخلاقي، بدلاً من مناجاتي عند ربي في هذا الشهر، أكون سبباً للعراك والضرب على كرة لا تنفعني شيئاً بل تضرني أكثر!

مهدي خليل