بالنسبة إلى «دليل تاين آوت» لأفلام القرن العشرين، يحتل الفيلم الذي حققه ديفيد لين عن «لورانس العرب» (1962) المركز السادس في اختيارات النقاد، لأعظم مئة فيلم حققت في تاريخ السينما. أما بالنسبة إلى قراء ذلك الدليل فإنه يحتل المركز السادس عشر. وبالنسبة إلى مجلة «سايت اند ساوند» السينمائية العريقة، فإن الفيلم نفسه يحتل المركز الرابع، في استفتاء اجرته بين مئات المخرجين والنقاد. صحيح ان النقاد لم يعطوه في الاستفتاء نفسه أية مرتبة بين الأفلام العشرة الأولى، لكن المخرجين بوأوه ذلك المركز الرابع (بعد «المواطن كين» لأرسون ويلز، و«العراب» لفرانسيس فورد كوبولا، و«ثمانية ونصف» لفدريكو فللييني). ومهما يكن من الأمر فان «لورانس العرب» لم يكن في حاجة إلى تلك الاختيارات حتى يفرض حضوره في تاريخ السينما. فهو منذ عرضه عالميا في العام 1962، نال عدة جوائز أوسكار في العام التالي، ومن بينها «أوسكار أفضل فيلم»، احتل مكانته بين أبرز الأفلام التاريخية وأهم الأفلام الحربية، ناهيك عن اعتباره واحدا من أفضل الأفلام التي تناولت «سيرة فرد» على مدار تاريخ هذا الفن.
ولكن، في المقابل، لا يشغل «لورانس العرب» أية مرتبة بين الأفلام المتحدثة عن «الجاسوسية»، ذلك أن الفيلم استنكف عن تقديم لورانس كجاسوس وعميل للانجليز. قدمه فقط كمغامر أفّاق، متجاهلا علاقته بدوائر الاستخبارات البريطانية. وهو على أية حال، لم يكن أمامه مفر من ذلك. لأن الفيلم، في الواقع، إنما أتى اقتباسا من الكتاب الشهير الذي وضعه لورانس بنفسه عن «مغامرته العربية» في عنوان «اعمدة الحكمة السبعة». ولورانس لم يتناول في كتابه عمله الخفي، بل عمله العلني، مما أسهم في رسم اسطورته. والفيلم، في حد ذاته، متميز فنيا، وأثار اعجابا دائما. وهو، من كتابة روبرت بولت، وإخراج ديفيد لين ـ كما اسلفنا ـ ونال لين عنه، أيضا «أوسكار أفضل مخرج» في ذلك العام. وقد استعان لأدوار الفيلم ببيتر أوتول واليك غينيس وانطوني كوين وجوزيه فيرير، كما انه أدخل وللمرة الأولى بشكل خلاق، إلى السينما العالمية، نجمنا العربي عمر الشريف الذي لم يتوقف عن الصعود منذ ذلك الحين، ولاسيما بعدما أعطاه لين نفسه دورا بطوليا في «دكتور نيفاغو». أما موسيقى «لورانس العرب» فقد وضعها موريس جار، وعزفتها أوركسترا لندن الفيلهارمونية. والطريف ان النقاد الذين تحدثوا عن الفيلم أشاروا دائما إلى انه إذا كان اليك غينيس، في دور الأمير فيصل، وانطوني كوين، في دور عودة، قد ابدعا والتصقا بدوريهما العربيين، إذ بدا كل منهما وكأنه عربي حقيقي، بدا عمر الشريف أجنبيا حتى وان كان قد لعب دور الأمير علي. ومهما يكن، فان هذا الفيلم الذي مضى على تحقيقه اليوم أربعون عاما، لايزال حيا وحيويا وحاضرا يسهم في اسطورة لورانس العربية... لكنه في الوقت نفسه «يجهل» كل شيء عن مغامرته الأفغانية
العدد 1 - الجمعة 06 سبتمبر 2002م الموافق 28 جمادى الآخرة 1423هـ