كان ذلك في سنة 1975، عندما كنا (نحن الثلاثة) موظفين في قسم مراقبة العمليات Process، والذي كان يرأسه الرائع عصام فخرو في شركة «ألبا»، والذي وافق على منحنا إجازتنا السنوية معاً في نفس التاريخ. في متجر «فينيسيا ديكور» Phpnisia في رأس الرمان في ذلك الوقت، تعرفت على بعض اللبنانيين، ومن بينهم اللبناني المسيحي «المعلم نبيه حداد»، وقد كان ينوي الرجوع الى بلاده، فطلب منا ان نتصل به إذا قررنا ان نسافر الى لبنان. ومن دولة الكويت سافرنا عن طريق البر حتى وصلنا الى لبنان. ومن بيروت اتصلنا بالمعلم نبيه حداد -واعتقد أن كل صاحب حرفة يجيدها باتقان يلقبونه هناك بالمعلم- وصل الينا بسيارته، وأخذنا بكل ترحاب الى منطقة «برج البراجنة» ثم الى قريتهم «برجا الشوف» BARJA AL SHOOF، وكانت منطقة رائعة مثل روعة كل مناطق لبنان المتعانقة دائماً مع نعيم الطبيعة الساحرة. في بيتهم المتواضع عرفنا على جميع افراد عائلته العريقة، وناشدنا أن نبقى في ضيافتهم طوال فترة وجودنا في لبنان. عندما علموا بأننا وصلنا بعد رحلة طويلة عن طريق البر، طلبوا منا أن نعطيهم ثيابنا المتسخة، ولكننا رفضنا احتراما لهم، إلا أنهم أثناء غيابنا اخرجوا قطع الثياب المتسخة وغسلوها يدويا بالماء الساخن والصابون البلدي، وأرجعوها إلينا في اليوم التالي نظيفة معطرة، ولما اختلط امتناننا لهم بالخجل والحرج قالوا: ولو... ما عملنا غير الواجب، حينها شعرنا اننا أفراد أسرة واحدة نعرفهم منذ الطفولة.
وفي اليوم التالي رافقناهم ودخلنا الملحق الجديد للبيت، والذي بنوه كنيسة للصلاة والدعاء والتقرب إلى الرب.
وحتى لا أطيل كانت زوجة المعلم نبيه، تعد لنا مع بقية النسوة الطيبات الأطباق اللذيذة، ولكنها كانت لا تجلس معنا أثناء الغداء أو العشاء، ولما سألنا عنها قال لنا «المعلم نبيه» إنها حاليا تمتنع عن تناول بعض الأنواع من الأطعمة، وتصلي من أجل ان يمنحها الرب بركاته، فيرزقها بطفل تنشئه خادماً في بيت الرحمن. بعد عدة شهور من رجوعنا الى بحريننا الحبيبة ارسلوا لنا صورة لطفلين توأمين مثل البدر التمام، ورسالة قصيرة فيها التحية والسلام، وبأن أسرة المعلم نبيه حداد يشكرون الرب الذي استجاب لهم دعاءهم بسخاء، و»في الناس المسرة وفي الأرض السلام». اننا نشترك في الصلاة لمعبود واحد، هو الرب في الكنائس، وهو الله في المساجد، وينشرح الفؤاد أن أجد في بلدي الحبيب الكنائس قريبة من الحسينيات والمساجد على بعد خطوات مطمئنة، ولم نسمع أنه حدث اعتداء على تلك الكنائس على رغم كثرة المظاهرات الحاشدة، والتي كانت قبل الخمسينات وحتى السبعينات تنطلق من أقصى المحرق الى اقصى المنامة، و»يا حسرة على العباد» الذين «ما قدروا الله حق قدره»، ويرون جهلاً أن الوسيلة، ولا وسيلة غيرها نحو الانتصار، هي القتل والدمار وإلغاء الآخر وإهدار دمه.
جعفر شمس
العدد 5173 - الجمعة 04 نوفمبر 2016م الموافق 04 صفر 1438هـ