العدد 36 - الجمعة 11 أكتوبر 2002م الموافق 04 شعبان 1423هـ

ابراهيم فخرو: معظم اجتماعات الهيئة كانت تعقد في دكاني

آخر عضو قيادي على قيد الحياة من «هيئة الاتحاد الوطني»

عندما تدخل منزل الحاج ابراهيم محمد حسن فخرو وتشاهده جالسا على كرسيه يقرأ موضوعا كتب عن الهيئة في صحيفة «الوسط»، وتشاهد الصور التذكارية فانك امام تاريخ ناطق لفترة ذهبية من تاريخ البحرين. فإحدى تلك الصور التذكارية حملت عبارات «ايها الزعماء... لن ننساكم... انكم في قلوبنا...» وشملت خمس صور لزعماء الهيئة الذين حكمت عليهم المحكمة الاستئنافية التي انعقدت في مركز شرطة البديع في 22 ديسمبر/كانون الاول 1956 وحكمت على عبدعلي العليوات، وعبدالرحمن الباكر وعبدالعزيز الشملان بالسجن اربعة عشر عاما وعلى ابراهيم بن موسى (من مدينة الحد) وابراهيم محمد حسن فخرو عشر سنوات في سجن جدا.

الحاج ابراهيم فخرو كان مبتهجا ويحاول استحضار حوادث مضت عليها عقود من الزمن، وشارك هو في قيادتها.

ومع الحاج ابراهيم فخرو كان زميل له تعرّف عليه منذ ايام سجنه في جزيرة جدا، ذلك هو الحاج حسن الجودر الذي كان يعمل في ادارة الشرطة كربان لاحد القوارب التي تنقل السجناء من وإلى جزيرة جدا وساحل البديع الغربي. والحاج حسن الجودر كان يساعد سجناء الهيئة الذين بلغ عددهم الخمسين في الحصول على اخبار الحوادث في تلك الفترة وكان يهرّب الصحف وبطاريات الراديو إلى ابراهيم فخرو وابراهيم بن موسى... وكان لنا اسئلة ولديهم اجوبة.

اللقاء مع ابراهيم فخرو

حاج ابراهيم، لماذا اعتقلوكم في جزيرة جدا بينما نفوا ثلاثة آخرين في قادة الهيئة إلى سانت هيلانه في جنوب المحيط الاطلسي.

فخرو: والله كانوا يقولون لنا ان الباخرة لا تسع الا لثلاثة اشخاص. ولم يعطونا اي جواب على السؤال الذي ذكرته.

متى اعتقلوك ولماذا؟

فخرو: اول مرة اعتقلوني في العام 1938 عندما حدثت الاضرابات العماليةفي ذلك العام وكنت شابا. اعتقلوني شهرين بسبب مشاركتي مع تلك الحركة. وتلك الحركة انتهت بالقاء القبض على قادتها وتسفير سعد الشملان واخرين الى الهند.

حدثنا عن قادة الهيئة واين كانوا يجتمعون؟

فخرو: اول اجتماع لنا كان في مسجد مؤمن. ثم بدأنا نجتمع كل مرة في مكان. ولكن كنا نجتمع في دكاني في كثير من الاحيان.

ما هي مطالبكم؟

فخرو: طالبنا بتعديل الاوضاع.

هل كانت لديكم اسلحة؟

فخرو: لم توجد لدينا اسلحة. حتى ان عبدالله فخرو (والد الدكتور حسن فخرو) عندما سمع كلام الحكومة، بان لدينا اسلحة، قام بحرق وثائقي واوراقي وخسرت كثيرا منها. وقد قام بذلك خوفا علينا، الا اننا لم يكن لدينا اي شيء يتعلق بآسلحة ولم نكن نسعى لقلب النظام.

كيف اعتقلوك؟

فخرو: اعتقلوني من الدكان واخذوني إلى المعتقل. وكان دكاني في سوق التجار القديم بالمنامة.

ماهية علاقتك بالباكر؟

فخرو: الباكر اخي في الرضاعة، وجئت معه من قطر عندما كنا صغارا، وكنا دائما مع بعض. وكان الباكر دينامو الهيئة وهو الذي استطاع جمع رموز الشيعة والسنة في بداية الامر.

ماذا عن ذكرياتك في جدا؟

فخرو: كنت في غرفة واحدة مع ابراهيم بن موسى الذي توفي بعد الافراج عنه باربعين يوما. وكنا دائما نذهب إلى البحر، وانا كنت مغرما «بالحداق» بينما كان ابراهيم بن موسى متولعا «بالقراقير». وقد جرح في رجله مرة بسبب اصراره على صيد السمك بهذه الطريقة. وكنا نصطاد السمك ونجفّفه ثم نعطيه لاهلنا بعد لقائنا بهم عند ساحل البديع اثناء الزيارة الشهرية.

هل التقيت باحد من البريطانيين الذين حاولوا اطلاق سراحك؟ فقد قيل ان ادوارد هيث من الحكومة البريطانية حاول الافراج عنكم في العام 1962.

فخرو: جاءنا احد الانجليز ونظر الينا في غرفتنا بالسجن ولم نسمع منه شيئا ولم نره مرة اخرى، وقضينا ثماني سنوات وافرج عنا في 8 اغسطس/آب في العام 1964 بعد انقضاء ثماني سنوات في الحكم (خصمت بقية المدة لانها عطل رسميّة).

اللقاء مع حسن الجودر

وبعد ذلك التقت «الوسط» مع الحاج حسن الجودر (ابوشوقي) الذي كان يعمل في جزيرة جدا كربان (نوخذة) لاحد القوارب وكان ينقل المساجين من وإلى جزيرة جدا. مهمته كانت صعبة لانه كان يخالف الاوامر بصورة سرية من اجل خدمة ابراهيم فخرو وابراهيم بن موسى. ذكرياته حية ويتحدث الينا كما لو كان يتحدث عن شيء حصل بالامس. كان مترددا نوعا ما لانه سيكشف سرا لم يعلنه من قبل... اذ كان يهرب الرسائل والصحف والبطاريات لابراهيم فخرو وابراهيم بن موسى مخاطرا بوظيفته ومعرضا نفسه للاعتقال فيما لو تم اكتشافه.

الحاج حسن الجودر مثال المواطن المخلص لوطنه والمناصر لقضايا أمته عملا وليس قولا. بعد ان تبادلنا الحديث وافق الرأي القائل بأنه آن الآوان لمعرفة بعض ماكان يقوم به احد الجنود المجهولين. «الوسط» سألته مايلي:

هل شاركت في انتفاضة الهيئة؟

الجودر: لا، لا، انا كنت عسكريا ولا استطيع المشاركة، فذلك مخالف للقانون.

ماذا كان عملك؟

الجودر: كنت انقل المساجين من وإلى جدا. وكان المساجين يأتون من القلعة او سافرة إلى البديع قبل نقلهم إلى جدا. وكانت لدي غرفة في جدا، لاني اضطر للبقاء هناك بحسب مايتطلبه عملي.

وماذا عن علاقتك بابراهيم فخرو وابراهيم بن موسى؟

الجودر: كنت اهرّب لهما الصحف والبطاريات التي يحتاجونها للاذاعة. وكنت انقل لهما الرسائل وانقلها منهم، وكنت في خدمتهما لانهما اهل لذلك. كما انني كنت اتعاطف مع بقية مساجين الهيئة وكنا كبحرينيين نعمل ما نستطيعه لتسهيل امورهم.

من كان مسئولك؟

الجودر: كان رئيسنا انجليزيا، ولكن مدير الشرطة كان الشيخ خليفة بن محمد بن عيسى آل خليفة، وكان عندما يزور جدا يسأل اول شيء عن ابراهيم وابراهيم. كان يخصهما بالاكل ويحترمهما كثيراودائما يدعوهما الى مكتبه بجدا ويوصي عليهما. وكان يأمر مساجين عاديين لخدمتهما في الطبخ والتنظيف وغيرهما.

هل تعني ان معاملتهما كانت خاصة؟

الجودر: نعم، كنا نعاملهما ونعامل المساجين السياسيين من انصار الهيئة باحترام شديد، وكان عددهم قرابة الخمسين جميعهم قضوا سنوات معنا في جدا. لكن ابراهيم وابراهيم كانت لهما مكانة خاصة لدى الجميع.

هل تتذكر اسماء اخرى من مساجين الهيئة؟

الجودر: كثيرون ولا اتذكر اسماءهم الآن. ولكن اتذكر فيصل عبدعلي العليوات ومجيد العرادي.

لماذا خالفت متطلبات عملك وساعدت سجناء الهيئة؟

الجودر: كانت استجابة لنداء الضمير.

هل انت خائف من افشاء سرك؟

الجودر: (ضاحكا)... الوضع اختلف الان.

قادة الهيئة في قلوب الجميع

لعلنا اثقلنا على اثنين من ابطالنا الوطنيين خصوصا وأن صحة الحاج ابراهيم فخرو لاتسمح بالكثير من الكلام وكان اعضاء اسرته بجنبه يساعدونه على استحضار بعض الذكريات، اذ يكفي ان يتم ذكر اسم الشملان او العليوات لتنطلق بعض ذاكرته ويساعده على تذكر المزيد اذا نظر الى الصور المحيطة به. وكان الحاج ابراهيم يكرر «لو ان عبد الله (فخرو) ما تخلص من الاوراق كان بالامكان ان أتذكر المزيد، لكن عبد الله حرق الاوراق»....

ينظر الى احدى الوثائق امامه وهي تحمل صورته مع اربعة آخرين من قيادات الهيئة وهي تحمل عبارات «ايها الزعماء ... لن ننساكم ... انكم في قلوبنا ...»، فيمعن النظر فيها ويستحضر الماضي....

وبالفعل فالشعب لم ينس قادة الهيئة وبعد ثمانية وأربعين عاما احتفلت الجماهير في السنابس (مساء الخميس 10 أكتوبر / تشرين الاول 2002) في نفس المكان الذي اشهرت فيه الهيئة التنفيذية العليا» التي اطلق عليها لاحقا «هيئة الاتحاد الوطني». وليس فقط الشعب لم ينسهم ولك القيادة السياسية ممثلة في عظمة الملك باركت المهرجان التكريمي لقادة الهيئة الذين احتلوا موقعهم في قلوب الجميع

العدد 36 - الجمعة 11 أكتوبر 2002م الموافق 04 شعبان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً