فرض اختلاف التجربة في الانتخابات النيابية عن نظيرتها البلدية حدوث متغيرات كثيرة أبرزها زيادة عدد مراكز الاقتراع، وعملية ختم الجواز وتركيز القوى واقطاب الاعلام الرسمي والاهلي والعالمي كافة على معرفة ردود فعل حملة المقاطعة وتحديد نسبة المشاركة، وبداية لمراقبة منظمات المجتمع المدني للانتخابات، وكذلك المتغيرات في الترشيحات النسوية.
في محاولة لتسليط الضوء على مدى نزاهة الانتخابات والوقوف على ماهية عملية مراقبتها، استضفنا في «منتدى الوسط» كلا من رئيس جمعية الشفافية البحرينية جاسم العجمي وعضو مجلس إدارة جمعية الوفاق الوطني الاسلامية جواد فيروز والمترشحة المستقلة فاطمة الحواج.وكنا نتمنى لو لم يعتذر رئيسا جمعيتين وطنيتين الأولى ليبرالية والاخرى إسلامية - وكلتا الجمعيتين مشاركتان في الانتخابات - عن حضور الندوة الصحافية قبل ساعات فقط من انعقادها وذلك للاطلاع على تقييمهما لهذا الموضوع.
* ما أبرز ملاحظاتكم على الدور الاول من الانتخابات؟
- العجمي: كان الإقبال على التصويت متفاوتا بين المراكز الانتخابية، فقد شهد المركز الانتخابي في عوالي إقبالا كبيرا جدا إذ لم يكن ذلك العدد متوقعا، وفي المقابل لوحظ ان بعض المراكز الانتخابية كانت تخلو من بعض المترشحين أو وكلائهم، فالمركز الانتخابي في منطقة السيف - مثلا - كان خاليا من اي مترشح أو وكيل أثناء وجودي فيه ثلاث ساعات، وذلك ينطبق أيضا على مركز المطار، في حين شاهدت في أحد المراكز بالمحرق وكيلا واحدا فقط، ومن الجهة الاخرى شهدنا استخدام تقنيات حديثة ومتطورة في المراكز، ووجدنا ان العملية الانتخابية للناخب لا تتجاوز الدقيقة الواحدة بعد التأكد من هويته الشخصية، كما ان الأمن كان متوافرا.
وقد لاحظنا ان العملية الانتخابية بدأت في المراكز الانتخابية في وقتها المحدد - ما عدا مركزين - كما كان لافتتاح المراكز الانتخابية العامة الخمسة عشر إيجابيات كثيرة تتمثل في إعطاء المواطنين الحرية في التصويت.
وعما تمّت إثارته من عدم ارتياح لاستخدام الجواز للمشاركة في الانتخابات، فإنني أعتقد ان ختم الجواز كان عاملا مهما في دفع مشاركة الكثير من المواطنين في الانتخابات، وبحسب ما قالته اللجنة المشرفة على الانتخابات فإنّ السبب وراء ختم الجواز هو ان المراكز العامة لم تكن موصولة بالكمبيوتر مع المراكز الأخرى إلا أنني أعتقد أنه كان ممكنا استخدام طريقة أخرى غير استخدام الجواز وخصوصا اننا نعيش مرحلة انتقالية مع الوضع في الاعتبار أنّ الجواز يمكن استخدامه في معاملات كثيرة وليس للسفر فقط.
تفاوت في الإعلان
أمّا عن طرق اعلان نتائج الانتخابات فقد كان هناك تفاوت واضح في طريقة اعلانها، فلاحظنا اعلان عدد الناخبين والنسب بالتفصيل في بعض المحافظات، بينما لم يتم ذلك في كل المحافظات، مثل المحافظة الوسطى إذ تم الاكتفاء بإعلان اسماء الاثنين اللذين حصلا على أعلى النسب مع الفائزين فقط، كما لاحظنا غياب إعلان الكتل الانتخابية مقابل عدد الذين أدلوا بأصواتهم.
فيروز: أولا أود ان أهنئ جميع الفائزين في الانتخابات وأتمنى حظا أوفر للذين لم يحالفهم الحظ هذه المرة، كما أرى أن 24 أكتوبر/ تشرين الأول قد شهد انتصارا للمؤسسة الرسمية وانتصارا آخر للقوى المشاركة وكذلك المعارضة معا، ونستطيع - بصدق - القول ان المعارضة تعاملت مع هذا الحدث السياسي بحضارية تامة، وأثبتت للعالم أنها معارضة مسئولة وتستطيع التعاطي مع الشأن السياسي وإن خالفت «النظام» في تفاصيل الأمر غير ان أسلوبها يبقى سلميا.
وأما المؤسسة الرسمية فلم نلمس منها الحيادية في التعامل مع هذا الحدث، إذ استخدمت الترغيب والترهيب لرفع نسبة المشاركة، فمن الواضح ان ختم الجواز كان عاملا حاسما في تشجيع المواطنين على المشاركة إلى جانب الشهادات التقديرية للذين يدلون بأصواتهم، وفي تصوري ان هذا يعد تعديا على الحقوق المدنية للمواطن، لأننا نميّز بين المواطن المشارك وغير المشارك بإعطاء الشهادة.
كما كان هناك شبه فرض على المنتمين إلى المؤسسة العسكرية بالمشاركة في الانتخابات، وإذا كان القانون يسمح للعسكريين بالتصويت فقد كان الأولى ألا يفرض ذلك عليهم فذلك حقهم بوصفهم مواطنين، ويجب ان تترك لهم ممارسته بحرية، وتوجد لدينا وثائق رسمية أصدرتها المؤسسة العسكرية تفرض من خلالها التصويت.
عدم تطابق الأرقام
وتقييما لنتائج الانتخابات - يقول فيروز - ان النسب التي تم إعلانها رسميا لم تكن متطابقة، وكان هناك تضارب كبير وعدم توافق، فقد تم اعلان انتقال بعض المترشحين إلى الدورة الثانية وفي اليوم الثاني رأينا ان الاسم تغير إلى شخص آخر، كما ان هناك طعونا قدمت وكل ذلك - في تصوري - راجع إلى عدم الإعلان الواضح من قبل اللجنة المشرفة على الانتخابات بالنسبة إلى الإحصاءات، فلم يتم إعلان عدد المقترعين على مستوى المحافظات، وعدد الأصوات الباطلة فيها، وهناك بعض المحافظات لم يعلن عدد الذين صوتوا في كل دائرة منها، وهذا يؤدي إلى عدم الاطمئنان للنتائج النهائية.
وفي تصوري هناك مفارقة واضحة في إعلان نتائج الانتخابات البلدية مقابل إعلان نتائج الانتخابات النيابية، ونتمنى ان يتم إعلان تفاصيل الأرقام كلها ليزول الشك فيها وفي النسبة النهائية للمشاركة، وأما إذا استمر هذا الغموض فإنه يحق لنا ان نشكك في نسبة المشاركة المعلنة.
- الحواج: وجدت من خلال حضوري في مواقع الاقتراع إقبالا في الفترة الصباحية ثمّ غيابا في فترة الظهر وزاد في الفترة المسائية، ووجدت غيابا لدور جمعية حقوق الإنسان وجمعية الشفافية في المراقبة بالشكل المطلوب، إذ كانت المشاركة على طريقة الحضور بشكل متقطع، وأتفق مع الرأي القائل ان المترشح يفترض ان يكون له وكيل في كل المراكز العامة، وأما فرض ان يكون وكيل المترشح من المنطقة نفسها فأعتقد ان في ذلك تقييدا لحريتنا لاحتمال عدم وجود متبرع من المنطقة ليكون وكيلا للمترشح.
تجمع مخالف للقانون
كما ان التجمع الذي حدث خارج بعض المراكز كان مخالفا للقانون، فكان يتم توزيع ملصقات المترشحين في حين ان القانون يمنع ذلك، وكان من المفترض تدخّل الأمن ولكن حال دون ذلك الخوف من هروب المترشحين، كما ان القاضي لم يتخذ اي إجراء خارج القاعة التى يراقبها، وفي دائرتي كانت بطاقات منافسيّ توزع داخل صالة الاقتراع وكنا نجد بعض الرجال يقصدون الجانب النسائي ليحثونهن على التصويت لمرشح معين.
وأنا لا أشك في نزاهة القضاة ولا أشك في النتائج بشكل عام ولكن النتائج لم تكن دقيقة! وفي دائرتي هناك غموض في حساب الاصوات، وبحسب معلوماتي ومسحي للمقاطعة فإنني لست مطمئنة للنتائج المعلنة وسأطلب التحقيق في هذا الموضوع أو أقدم طعنا في النتيجة، وأعتقد ان إرهاق القضاة لاستخراج النتائج في اليوم نفسه أدى إلى خلخلة في العملية العدّية وغياب النتائج الصحيحة.
وأما بالنسبة إلى ختم الجواز فكانت له سلبية وإيجابية فالسلبية كانت في خوف المواطنين ما أدى إلى زيادة عدد الناخبين مع زيادة عدد الأوراق الباطلة، والبعض توجه إلى الصناديق خوفا من عدم الختم على الجواز وليس إيمانا منهم بالمشاركة أو الاقتناع بالمترشحين فقط فقد كان همهم الحصول على هذا الختم، أمّا الإيجابية فقد حرك الطبقة الصامتة بالنسبة إلى الحكومة.
المقاطعون لم يتدخلوا
- العجمي: لم نشاهد من خلال فرق العمل الخاصة بنا أي تجمع من قبل أفراد أو الجمعيات التي قررت عدم المشاركة بالقرب من مراكز الاقتراع ولا أي محاولة لمنع توجه المقترعين إليها، وتأكيدا لما ذكر فيروز فقد سجلنا وصورنا بالفيديو والكاميرا الفوتوغرافية الكثير من مخالفات المترشحين، وانتهز حضور المحامية الحواج لأسأل: ماذا بعد تسجيل هذه المخالفات من الناحية القانونية؟
- الحواج: كان على البلدية ان تتخذ إجراءات صارمة ضد المخالفين، كما انه لابد ان تكون هناك آلية محددة بين الجمعيات المراقبة وبلدية المنطقة لرصد المخالفات، فغياب القانون الذي يحدد العقوبة على المخالف أدى إلى عدم تنفيذ العقوبات.
- فيروز: صحيح ان هناك تقصيرا من قبل البلدية ولكنّ جهات أشعرت البلدية بالسماح للمترشحين وإفساح المجال أمامهم بأن يتحركوا بحرية تامة في نشر إعلاناتهم وهذا مخالف للقانون، والمفتشون كانوا يرصدون هذه المخالفات ويوصلونها إلى البلدية لكن يبدو أنّها لم تكن تؤخذ بصورة جدية، وذلك قد يكون لسبب الحالة العامة لتشجيع المترشحين للدعاية إلى أنفسهم، وفي هذا المضمار تمّ أيضا السماح للمترشحين بالدعاية خارج دوائرهم الانتخابية ما أدى إلى ان تؤثر الدعاية الانتخابية للمترشح المتمكن ماديا على حساب غيره في الدوائر الأخرى.
* الوسط: العجمي... أنتم كجمعيات أهلية تراقب الانتخابات هل كانت العملية الانتخابية وفقا لما كنتم تطمحون إليه، أم ان هناك عوائق حالت دون أداء عملكم بالشكل المطلوب؟
- العجمي: كنا نفضل ان يكون عدد المتطوعين لدينا أكثر للحضور في كل المراكز الانتخابية في الوقت ذاته، كما لم تكن لدينا تصاريح رسمية كافية بدخول المراكز الانتخابية.
توجيهات الملك
* لكن ملك البلاد أعطى جمعيتي الشفافية وحقوق الإنسان الفرصة لمراقبة الانتخابات وخاطب الجهات المعنية بذلك.
- العجمي: نحن نقدر عاليا اهتمام عظمة الملك دعمه دور مؤسسات المجتمع المدني في الانتخابات بهدف تعزيز نزاهتها ورفع مستوى شفافيتها، ولكن لم تكن هناك آلية واضحة متفق عليها بيننا وبين الجهات المعنية لمراقبة الانتخابات، وكان الوقت قصيرا بين تصريح الملك والانتخابات، وفي بعض المراكز كنا لا نمكث طويلا لأن المطلوب منا ان ننتقل إلى مراكز أخرى لنرصد بعض الملاحظات وننصرف، وحتى لو حضرنا في كل المراكز فان دورنا يقتصر على المراقبة فقط، وكنا نفضل ان نحضر منذ الصباح وقبل فترة الانتخابات مع تبديل فرق العمل من فترة إلى أخرى ولكن العدد الكبير للدوائر حال دون ذلك وخصوصا مع وجود 15 مركزا عاما إضافيا.
وأمّا فيما يتعلق بضرورة حضور وكيل لكل مرشح في المراكز العامة، فأعتقد ان حضور 175 وكيلا في مركز واحد غير ممكن، ومثالا على ذلك مركز السيف لأنه مكان صغير الحجم، وبالتالي فإنّ وجود 15 مركزا عاما يعطي سببا إضافيا للحاجة إلى وجود جهة رقابية محايدة شعبية، وأتمنى في يوم الخميس المقبل «اليوم» ان يكون أداؤنا أفضل ونحن نتعلم مما حدث في البلديات وفي 24 أكتوبر ولدينا كفاءات عديدة.
- الحواج: أنا استغرب الطرح القائل بعدم وجود العدد الكافي من قبل جمعيتي الشفافية وحقوق الإنسان، فتوفير الكوادر وتدريبها ليس بالصعب على من يريد مراقبة الانتخابات، وأعتقد أنه لم تكن لكم مراقبة حقيقية ولم تكونوا على قدر هذه المهمة... وأستغرب ان الجمعيتين في اليوم الثاني تؤكدان نزاهة الانتخابات، فهناك نوع من عدم الشفافية من قبل بيانكم وهناك تقصير من الجمعيتين.
وبالنسبة اليّ كمترشحة فقد جاءني أحد الأشخاص وسألني سؤالين وانصرف في حين ان دوره كان يجب ان يكون منصبا على مراقبة الانتخابات، فهل هذا راجع إلى كونها المرة الأولى وانكم لم تأخذوا دورات بشكل حقيقي ومكثف؟ ولم تتعلموا حتى الآن ما هو دور الرقابة وكيف تراقبون حتى أنه لم يكن هناك تنسيق مع اللجنة المراقبة بالداخل؟ أم غير ذلك
تهميش رسمي للمراقبة
فيروز: نشعر ان هناك خللا جليا في مراقبة ورصد الانتخابات، فهل كان هذا الخلل الذي من قبل اللجنة المشرفة يرمي إلى تهميش دور القوى الشعبية أو الجهات المحايدة للإشراف متمثلة في جمعيتي حقوق الإنسان والشفافية؟ أم ان ذلك راجع إلى عدم تهيئة هذه الجمعيتين نفسيهما لهذا الإشراف؟ وأنا أستغرب لشبه التعمد من قبل اللجنة المشرفة فهي لم تعط الدور الحقيقي لهاتين الجمعيتين.
ونحن نعلم أن عظمة الملك أصدر توجيهاته بخصوص إعطاء دور رقابي للجمعيتين من أجل المشاركة في المراقبة على الانتخابات وبعد ذلك تفاجأنا بقبول عضوين فقط منهما في اللجنة المشرفة العليا على الانتخابات، ثمّ قرأنا تصريحا لوزير العدل يعتذر فيه عن إعطاء أي دور للجمعيتين للإشراف والمراقبة على الانتخابات.
ومن جانب آخر أستغرب من عدم وجود أي موقف واضح من قبل الجمعيتين في هذا الشأن، فما دورهما الحقيقي بالفعل؟ بل هناك دور هامشي تمّ استغلاله في الإعلام على أنه دوررقابي للجمعيتين فيما الواقع ان ما كان هو حضور وليس رقابة ومجهود ذاتي بصورة بدائية، وهذا الدور كان بإمكان أي مواطن القيام به وهو الحضور خارج المقر الانتخابي لكننا لم نر حضورا داخل المقر ضمن أطر تنظيمية صحيحة.
وأذكر هنا مثالا عن تجربة المغرب، فالمؤسسات الأهلية غير الحزبية أسست فيما بينها لجنة أهلية وشكلوا بينهم فرق عمل تملك مجموعة كبيرة من الحواسيب الآلية وعددا كبيرا من المراقبين ولديهم آلية واضحة في الرصد من خلال مجموعة من الاستمارات والتدقيق والحضور في داخل المراكز وفي الخارج، ويبدو ان الجمعيتين البحرينيتين في بداية مشوارهما ونأمل ان يتطور عملهما أكثر وتمنح لهما الصلاحيات بشكل أكبر.
200 شخص والتراخيص شحيحة
- العجمي: فيما يخص التدريب وإعداد الفرق، فقد كان هناك إعداد على الصعيد الفني والمهني لحوالي 200 شخص، وقد استفدنا كثيرا من التجربة المغربية التي ذكرها جواد، وكنا مستعدين بشكل كامل لتغطية جميع الدوائر منذ بداية الوقت وخصوصا أننا اشترطنا الا يكون للمراقبين داخل المراكز الانتخابية انتماء سياسي من أجل المزيد من الحيادية، وعندما ذكرت صعوبة الحضور في كل المراكز في الوقت نفسه فذلك لأننا لا نملك التصاريح الكافية لذلك، فعلى الأقل كنا نحتاج إلى 52 تصريحا لنتبادلها فيما بيننا، وعلى الصعيد الرسمي لا يوجد شيء يقول اننا جهة رقابة.
- الحواج: المفترض ان تكونوا الجهة الضاغطة على الجهة التي تمنحكم هذا التصريح، فأنتم تراخيتم بعض الشيء للحصول على هذه التراخيص، ونحن نطمح إلى ان يكون دوركم في المستقبل أكبر مما كان.
- العجمي: صحيح أننا لم نكن حاضرين بشكل دائم في المراكز، ولكننا قمنا بتغطية 13 مركزا مهما ضمنها، وحضورنا في المراكز أعطانا فرصة للتعرف على المجريات، وينبغي ان تلاحظوا أنّ دور المراقب مجرد الرصد فهو لا يتدخل في عمل اللجنة المشرفة على الانتخابات، وقد رصدنا ملاحظات كثيرة ونحن كنا بحاجة إلى ترتيب أفضل على صعيدنا الذاتي وعلى الصعيد الرسمي، وبشكل عام فإنه لم يكن يسمح لنا برقابة ما وخصوصا ان كلمة الرقابة تثير الكثير...
* ما تعليقكم على نسبة المشاركة المعلنة في الانتخابات النيابية؟
- فيروز: أتساءل كيف تمّ حساب نسبة المشاركة؟ فنحن لا نستطيع ان نقبل بأي رقم من دون دلالات ومن دون مؤشرات واضحة في هذا الشأن، ونحن نستغرب إعلان نسبة المشاركة من دون إعلان عدد الكتل الانتخابية وعدد المقترعين وعدد الأصوات الباطلة على مستوى المحافظات وعلى مستوى الدوائر الانتخابية، كما ان هناك غموضا شديدا في كثير من الدوائر إذ لم تعلن نسبة المشاركة وعدد المقترعين كما هو الحال في المحافظة الوسطى مثلا، بالإضافة إلى نقطة مهمة أخرى وهي كيف تتم إضافة عدد الناخبين في الدوائر التي حسمت بالتزكية إلى النسبة العامة للمشاركة؟
تساؤل حول النسبة المعلنة!
ونحن نشك في النسبة المعلنة - يقول فيروز - ومازلنا في إطار رصد الإحصاءات وهي عملية ليست سهلة فلم يكن هناك دور حقيقي لأي جهة محايدة في الانتخابات، وقد كان للجمعيات السياسية وجمعيتي الشفافية وحقوق الإنسان حضور في الكثير من المراكز وحاولوا رصد المقترعين من أجل ايجاد توازن بين الاحصاءات الرسمية والمصادر الأخرى لنستشف مدى صحة النسبة المعلنة.
ونستغرب أيضا سرعة إعلان نسبة المشاركة حتى قبل إعلان نتائج الدوائر الانتخابية رسميا، ففي الساعة التاسعة مساء - إذ أعلنت نسبة المشاركة - لم يتم الإعلان بعد عن نتائج المترشحين، ولا أعرف سبب العجلة في إعلان ذلك. وبهذا الخصوص نرى أنّ الترهيب والترغيب اللذين مارستهما المؤسسة الرسمية بهذا الشأن دفعا الناس دفعا إلى لمشاركة ورفع النسبة.
وقد قرأنا في الصحافة أنّ بعض العوائل جاءوا فقط لختم الجوازات ولا يهمهم من يرشحون ولا يهمهم ان كان يحق لهم الانتخاب أم لا، وبهذه الحال أتصور أننا لا نخلق أرضية للديمقراطية والوعي السياسي الشامل إنما فقط إرضاء للمؤسسة الرسمية وهذا خلل كبير في التعاطي مع الشأن السياسي.
العجمي: أنا أستغرب كثيرا من شدة التركيز على نسبة المشاركة من أي طرف كان، وأستغرب ان تعتبر أي جهة ان هذه النسبة انتصار لطرف على طرف آخر، فالجمعية البحرينية للشفافية والجمعية البحرينية لحقوق الإنسان ليس لديهما رقم إلى حد الآن وليست لدينا الوسيلة التي تمكننا من معرفة الرقم الصحيح، ونتمنى لو ان يكون إعلان النتائج بشكل تفصيلي يمكننا من ذلك، ومن طريقة حساب النسبة.
وإذا صح قول جواد حول حساب كل الناخبين في الدوائر التي فاز مترشحوها بالتزكية فلا شك أنه مخالف حتى للطريقة التي تحتسب بها النسبة، وقد استثنينا في الانتخابات البلدية الدوائر التي فاز مترشحوها بالتزكية، فنحن لا ننظر إلى النسبة من جانب سياسي أو قانوني بل من جانب إحصائي، فتعريفنا إلى النسبة بأنها نسبة من ذهبوا إلى صناديق الاقتراع وأدلوا بأصواتهم من بين من يحق لهم التصويت، مع فصل الدوائر الثلاث التي حسمت نتائجها بالتزكية لأنه لا داعي أصلا لتصويت الناخبين فيها.
النتائج آلية
- الحواج: أنا أختلف مع فيروز حول صعوبة الحصول على النتائج، فالعملية الانتخابية كانت من خلال الكمبيوتر وكل شيء محصور لديهم آليا، وليست هناك أي صعوبة في إخراج النتائج إذ ساعد ذلك على سرعة استخراج نتائج الانتخابات البلدية، ولكن في ظل غياب العدد الحقيقي للمشاركة والأصوات الباطلة فإن ذلك يؤدي إلى التشكيك، كما لا أتفق معه على الوعي السياسي مرتبط بعملية الضغط، فختم الجواز لا يؤثر على ان الوعي السياسي، فالشارع البحريني لا يوجد لديه وعي سياسي حقيقي بالانتخابات، والهدف منها، وما هو البرلمان، ومدى أهمية الوعي بالمشاركة، فالوعي لديه محدود في عملية المشاركة من عدمها.
- فيروز: أنا لم أذكر صعوبة الحصول على البيانات وإنما ذكرت صعوبة حصول القوى السياسية والمحايدة على هذه المعلومات، فمع الأسف ان المعلومات موجودة ولكنها بيد الجهات الرسمية تعلنها متى ارتأت المصلحة الرسمية في إعلانها وتخفيها متى وجدت ذلك في مصلحتها.
ومن الجهة الاخرى فإنه على افتراض ان النتيجة المعلنة صحيحة فأنا أرى ان هذه النسبة تعبر عن انتصار للداعين إلى مقاطعة الانتخابات لأن دعواتهم كانت بدائية وكانوا شبه محاربين فلم يتح لهم استخدام الوسائل العامة للإعلام، وقد استطاعوا ان يقنعوا 47 في المئة بعدم الذهاب إلى صناديق الاقتراع.
* ولكن قد يكون الـ 47 في المئة نتيجة للتكاسل؟
- فيروز: أستبعد ان يكون ذلك هو السبب، لأنّ الحكومة استخدمت كل الوسائل لدفع الناس نحو المشاركة وهذا من حقها بغض النظر عن الآلية التي استخدمتها، إلا ان الجمعيات التي دعت إلى المقاطعة كانت شبه محرومة من وسائل الإعلام الرسمية، سواء من الصحافة المحلية أو التلفاز، وجميع المقالات التي نشرت قبل الانتخابات بأسبوع كانت تؤكد المشاركة وتسفّه رأي المقاطعين.
* ربما بعضها ونحن في «الوسط» تبنينا رأي المقاطعة والمشاركة معا كرأيين وطنيين من دون تمييز وكانت المناظرات منذ شهر ونصف الشهر تدور حول ذلك...ولننتقل إلى المحور الأخير حول المرأة ونتائج الانتخابات وخصوصا مع صعود مترشحتين إلى الدور الثاني.
- الحواج: صحيح ان العدد بالنسبة إلى المرأة قليل قياسا بالرجال، ولكنني أؤكد ان المترشحات الثماني كن كفاءات بخلاف عدد كبير من المترشحين الرجال، وهذا ليس مجرد انحياز للمرأة ولكن راجع إلى معرفتي بهؤلاء المترشحات اللاتي يملكن الكفاءة والتاريخ الطويل والعمل الاجتماعي، فليس المهم في عددهن وإنما الكفاءة والنوعية.
مكسب للمرأة
وأرى أن نتائج الانتخابات كانت مكسبا للمرأة فقد لاحظنا ان المرأة في الانتخابات البلدية حصدت أصواتا قليلة تراوحت بين الخمسين والستين ولكنها في الانتخابات النيابية تعدت الألف ودخلت الدورة الثانية، وهذا يؤكد ان الوعي تجاه المرأة زاد، وحتى من خلال مسحي للنساء البسيطات في الشارع وجدت التغيير الطفيف.
وتلعب الطائفية الدينية دورا في عدم التصويت لهذه المرأة، فقد وجدت تحريضا ضد التصويت للمرأة حتى لو كانت ذات كفاءة، وقد التقيت مع بعض البنات البسيطات اللاتي قلن ان الرجل هو الأفضل، وعندما سألتهن عن السبب فلم يعطين إجابة، وهذا دليل على ان الموروثات مازالت تسيطر على الرجل وأنّ الرجل مازال يسيطر على المرأة.
* إحصائيا كيف تقيم مشاركة المرأة بشكل عام؟
- العجمي: عندما أنظر إلى انتخابات مايو/ أيار ثم إلى انتخابات أكتوبر/تشرين الأول فإنه يصعب ملاحظة النقلة في تفكير المجتمع الذي ينظر إلى المرأة أنها دون مستوى اتخاذ القرار، فالتغيير الاجتماعي يحتاج إلى فترات طويلة جدا، ويسعدني كثيرا ان أرى الثماني المترشحات وقد حصلن على هذه الأصوات، ولكن ليس لدي الاطلاع الكبير الذي يجعلني ان أحلل هذه النتائج.
وأشعر بأن التركيز على الموضوع بهذه الصورة مبالغ فيه فأنا أنظر إلى الحاجة إلى وجود الكفاءة بغض النظر عن الجنس، ولذلك أستغرب من بعض التحليلات التي تشير إلى ضرورة تصويت المرأة للمرأة... المفروض علينا ان نتعلم التمييز بين أفراد المجتمع على أساس الكفاءة، وأعلم ان الحس الاجتماعي يعوق وصول المرأة إلا أنني أعتقد ان ما نحتاج إليه هو المبادئ التي تفرق بين المواطنين على أساس كفاءاتهم وقدراتهم وإمكاناتهم وامتلاكهم للمواصفات التي تؤهلهم لاحتلال أي موقع في المجتمع.
الكفاءة أهم من الجنس
ولا شك في ان وصول المرأة أمر ممتاز - يقول العجمي - لكن الأهم وصول الكفء، فوصول المرأة التي على مستوى متدن من الكفاءة بالنسبة أمر سيئ، وهذا بالطبع لا يعني أنني أقصد أن المترشحات الثماني لسن كفؤات بل العكس فليس لدي أدنى شك في قدراتهن.
- فيروز: لا شك في ان هناك تغييرا واضحا في شأن مشاركة المرأة في الانتخابات النيابية مقارنة بالبلدية، وأعتقد ان عدد النساء المترشحات القليل قد يكون خوفا من الفشل مرة أخرى، ويفهم من ذلك أنهن يردن أن يخطين بصورة معقولة ومدروسة لأننا لا نريد ان نحرق المراحل، فهناك ضرورة في التدرج بحسب وضعية المجتمع، وعلى خط مواز نرى ضرورة التدرج في الشأن العام وأيضا على المستوى الرسمي فالدولة لم تعط المرأة دورها على مستوى التعيينات الرسمية.
ويحسب حاليا لتوجه قرينة الملك في هذا المجال عندما نزلت الميدان وشجعت المرأة عمليا وأعتقد ان لذلك تأثيرا في تأهل مترشحتين للدور الثاني ولا أستبعد ان إحداهما ستفوز بمقعد في المجلس النيابي، كما أتفق مع العجمي على ان المعيار يجب ان يكون الكفاءة وليس الجنس، ولكن مع الأسف فإن خطاب المرأة حتى في بعض البرامج الانتخابية تركز على مساندة المرأة للمرأة ودور المرأة في المجتمع، وبالتالي فالمفروض ان نبحث عن الشخصية ذات الكفاءة بغض النظر عن جنسها.
المستقبل للمرأة
وأنا أختلف هنا مع الحواج فأنا أجد أنه تنقصنا المرأة الكفء سياسيا وحقوقيا والمتصدرة للشأن العام.. نعم هناك بعض الأخوات ولكن عددهن محدود جدا، كما أريد ان أؤكد ان المستقبل سيكون للمرأة ودورها لأنّ جميع المعنيين بالشأن السياسي يريدون ان يهيئوا الفرصة للمرأة كما هو التوجه الجديد أيضا لدى القيادة السياسية لتعطيها ثقلا على الساحة السياسية.
* الوسط: هل ترى ان التيارات الدينية لعبت دورا في الموضوع؟
- فيروز: أقر بوجود اجتهادات دينية مختلفة بشأن دور المرأة في الشأن السياسي أو مشاركتها في الانتخابات حتى على مستوى الترشيح، وأعتقد ان هؤلاء سيضطرون إلى مجاراة المستقبل ليس لقناعتهم بل من أجل الحصول على أصوات أكثر من النساء أو تماشيا مع الوضع العام، وهم لا يمثلون ثقلا كبيرا على الساحة السياسية وهناك عدد كبير جدا من الجمعيات الدينية والعلماء ليس لديهم أي تحفظ بل العكس فهم يرون ان من حق المرأة ان تكون ناخبة ومترشحة ولكن ذلك يحتاج إلى بعض الوقت.
- الحواج: أتفق معكم على كون الكفاءة هي المعيار وليس الجنس، ولكن أختلف معكم على ان قلة عدد المترشحات كان ردة فعل من الانتخابات البلدية بل كان بسبب المقاطعة أيضا، فهناك الكثير من الجمعيات النسائية لهن انتماءات مباشرة مع جمعيات سياسية، مثل جمعية المستقبل التي تنتمي مباشرة إلى «الوفاق» في فكرها وأيديولوجيتها، وكذلك «جمعية أوال» التي تنتمي إلى جمعية العمل، وهذا أثر بالتالي على دخول الكثير من النساء ذات الكفاءة.
فالمقاطعة أدت إلى غياب المرأة الكفء من الساحة كما أدت إلى غياب الرجل الكفء أيضا، وتلك إحدى سلبيات المقاطعة التي تركت المجال أمام الشخصيات غير الكفوءة لدخول الانتخابات في ظل غياب معيار حقيقي للشخص الذي يجب ان يدخل الانتخابات قانونيا، وأضيف ان المرأة لم تخاطب المرأة فقط وأنا شخصيا كنت أجلس مع الرجال وأناقشهم.
وبالنسبة إلى طرح جواد الحاجة إلى المرأة السياسية والقانونية فأنا أرى ان البرلمان يحتاج إلى مختلف الكوادر السياسية والحقوقية والاجتماعية فهذه الامور يمكن جمعها في شخص واحد ولا يمكن ان يكون الإنسان كاملا في كل الجوانب، ولهذا فنحن نظلم المرأة عندما نحصرها في الجانبين السياسي والقانوني فقط
العدد 55 - الأربعاء 30 أكتوبر 2002م الموافق 23 شعبان 1423هـ