شقّ طريقه منذُ الصغر لتحقيق ما يطمح إليه بالمثابرة والعزم، ارتقي سُلّم النجاح، والأحلام لديه لا سقفَ لها، بين التأليف الموسيقي والعزف يجد نفسه ومع عشقهِ للموسيقى جسّد إبداعه على أرض الواقع. أستاذ الموسيقى المساعد بجامعة البحرين جمال السيد، مؤلف موسيقي وقائد لفرقة اوركسترا موسيقية. حاولنا أن نتوقف عند أهم المحطات في مسيرتهِ الفنية وواقع الفن والموسيقى اليوم فكان معه هذا اللقاء:
لماذا اخترت الموسيقى وهل كانت رغبتك الشخصية في دراسة هذا التخصص؟
- دراستي للموسيقى هي برغبتي تماماً وأنا أحببت الموسيقى من سن صغير في عمر 8 سنوات، ثم درستُ الموسيقى في البحرين قبل أن أذهب لدراستها في مصر كشكل أكاديمي، وابتدأ مشوار دراستي في بداية المرحلة الإعدادية، حيث تم فتح معهد في البحرين اسمه «معهد البحرين للموسيقى»، وكان جاسم العمران «رحمه الله» هو الذي يدير المعهد، ومن حسن حظي أن هذا المعهد كان مجاناً وقريباً من المنزل، وقد قضيتُ فيه خمس سنوات من الدراسة وتعلمتُ فيه القراءة والكتابة الموسيقية وأيضاً العزف على آلة البيانو وآلة الأركورديون بالطريقة الاحترافية باليدين «اللحن مع المصاحبة». وفي المدرسة كنت من الأوائل على الصف وقد نصحني أساتذتي بدراسة تخصص الطب أو الهندسة ولكني اخترتُ التخصص المحبّب لي أكثر.
هل وجدت تشجيعاً من الأهل والأصدقاء في دراستك للموسيقى؟
- نعم، ففي البداية كان لعمي هاشم الاهتمام الكبير في تشجيعي فقد كان يعزف على آلة «الأركورديون»، وكنتُ أجلس أُشاهده وهو يعزف، ثم سمح لي بتجربتها واستمررت بالعزف حتى تولعتُ بها. وأيضاً زميلي الأستاذ إبراهيم علي فهو كان يعزف على آلة الغيتار وكنا نذهب سوياً للمعهد ونرجع سوياً مما شجّعني على الدراسة، فكان من العناصر المحفزة لي.
ما هي أفضل آلة موسيقية عزفت عليها؟
- درستُ في بدايتي على آلة الأركورديون بالطريقة العالمية باليد اليمنى أعزف اللحن وباليسرى المصاحبة، ثم تعلمتُ على آلة البيانو وهي الآلة الرئيسية التي أفضّلها وأعزف عليها أكثر، وعند ذهابي للقاهرة درستُ آلة التشيللو الوترية، بعد ذلك أكملتُ دراستي لتخصص النظريات والتربية الموسيقية في البكالوريوس، وفي الماجستير درستُ علوم الموسيقى وبدأتُ أتخصص في دراسة الموسيقى الشعبية، وفي الدكتوراه كان تخصصي الإثنوميوزيكولوجي أي الموسيقى الشعبية، وقد عملتُ دكتوراه عن الآلات الموسيقية الشعبية في مملكة البحرين.
هل ترى أن هناك إقبالاً من الشباب على دراسة تخصص الموسيقى في مجتمعنا المحلي؟
- بالنسبة للتوجه لدراسة الموسيقى ربما نجد من بداية السبعينات إلى بداية الألفية الجديدة كان هناك ما يقارب نحو المئة شخص توجهوا لدراسة التخصص، ولكن للأسف ذلك العدد الكبير لم ينهِ منهم الدراسة إلا 16 شخص فقط، لأنه كان هناك تسرب كبير والأسباب متنوعة، ولكن أنا أرى أن المجتمع البحريني فيه عدد أكثر من الطبيعي من الموهوبين في الموسيقى، فقد كان توجههم في السابق لدراسة الموسيقى أكثر وبعد الألفية أصبحوا أقل توجهاً لدراسة الموسيقى، أما من ناحية الدخول لمجال الموسيقى من دون دراسة فهناك عدد كبير.
حدثنا عن مؤلفاتك الموسيقية، وما الذي يميزها، وماذا أضافت في تطور الموسيقى في البحرين؟
- أنا عملتُ بعض المؤلفات الموسيقية مبنية على استلهام التراث الشعبي فمثلاً سنة 91 عملت ثلاثين قطعة موسيقية، فقط موسيقى من دون كلمات، وكانت هذه المقطوعات لتلفزيون البحرين لمسابقات رمضان، وأنا احببتُ أن أقدم هذه المؤلفات لكي أضع التراث الشعبي مثل «القرقاعون» و «الفجري» في إطار عالمي حيث أستخدم الأوركسترا المتطور في تقديم هذه المؤلفات وأتناولها تناولاً موسيقياً، هذا ما يطلق عليه «الفلكلور المتخيل» أعمل أعمالاً جديدة مشبعة بروح الفلكلور أو التراث ولكنها موزعة توزيعاً اوركسترالياً عالمياً.
كيف ترى واقع الفن والموسيقى في البحرين؟
- واقع الفن والموسيقى في البحرين حالياً سيئ، لأن الاهتمام في تدريس الموسيقى في المدارس هو اهتمام أقل فأنا أرى أن بعض التيارات قد تحارب هذا الشيء. وفي السنوات الماضية كان هناك برنامج في جامعة البحرين يدرّس الموسيقى ويُخرِّج مدرسين لتدريس الموسيقى في المدارس، بدأ سنة 2000 وانتهى سنة 2007 وأنا أرى أن توقف هذا البرنامج سبّب تراجعاً في عملية التعليم الموسيقي المنظم. والشيء الايجابي هو وجود معهد البحرين للموسيقى فهو معهد خاص ولكن أيضاً ساهم في التعليم الموسيقي الجيد والمنظم.
وما السبب المباشر لهذا الوضع السيئ؟
- الوضع الفني تراجع أولاً لأن جمعية البحرين للموسيقى والفنون الشعبية نشطت من سنة (1991 إلى 1996) ثم توقفت، فأصبحت الجمعية التي يمكن أن تدافع وتدعم الموسيقى غير موجودة. وفي سنة 2000 ومع المشروع الاصلاحي للميثاق صعد نجم الموسيقى لأنه كان هناك الأستوديو الذي أسسته أستوديو «تارجت» للصوتيات، وهو أول أستوديو رقمي بالكامل الذي كان نوعاً ما محتضناً الكثير من المواهب. مثلاً هناك مجموعات نسائية تغني كورال في الأستوديو وأيضاً مجموعة رجالية أصبحوا جداً محترفين في هذا الغناء وهناك من أصبحوا موزعين موسيقيين فربما يكون لي بعض الفضل فقد وضّحت لهم بعض الأساليب في التنفيذ الموسيقي الحديث، ودخول التكنولوجيا الديجيتل للأستوديو أيضاً فتح المجال لبروز هذه المجموعة الموهوبة.
ولماذا لم تتم عملية تطوير تجربة هذا الأستوديو؟
- الأستوديو تراجع لعدم وجود الدعم الكافي، ففي البداية لقينا دعماً في مجال الإذاعة في إنتاج الأغاني الوطنية والعاطفية ولكن كان بضغط منا. وهذا الدعم تراجع أيضاً في الفترة الأخيرة لأسباب مجتمعية ولأسباب عملية.
بيِّن لنا آراءك عن أهم المطربين والملحنين والموزعين في العالم العربي؟
- في العالم العربي هناك مجموعة متميزة من العاملين في مجال الموسيقى، مثلاً عمر خيرت متخصص في مجال التأليف الموسيقي الشرقي وهو زميل لي ومن الذين درسوا في المعهد، وأنا من المحبين لأسلوبه في التأليف؛ لأنه يعمل موسيقى شرقية لكن باستخدام الأوركسترا العالمية فموسيقاه عالمية المستوى وشرقية الروح، وهو من المؤلفين الموسيقيين الذين اعتقد بأنه من خيرة المؤلفين الموسيقيين في الوطن العربي.
وبالنسبة للموزعين الموسيقيين فهم الذين يقومون بتوزيع الأغاني، وهناك الكثير من الموزعين لكن لا يحضرني اسم معين. أما من ناحية الغناء فأنا أحب المغني كاظم الساهر كشخص أكاديمي ويغني قصائد ولديه أعمال منوعة ويقدم القصائد ذات القيمة الأدبية بشكل جميل وأعماله أيضاً موزعة بشكل راقٍ جداً.
وفي الوطن العربي تُعجبني أيضاً الفنانة أنغام التي بالإضافة إلى أنها كانت تغني أغاني مصرية أيضاً تغني بألبومات خليجية فهي متميزة جداً في الأداء.
من خلال تجربتك في التدريس في مدارس وزارة التربية، لماذا لم نجد أثر هذا التدريس على واقع الحركة الفنية في البحرين؟
- هناك أثر ولكن قليل، فتدريس الموسيقى تطوّر ولكن ليس بالمستوى الذي نتمناه لأن دور التربية الموسيقية هو اكتشاف المواهب وصقلها وتوجيهها الوجهة الموسيقية، فاكتشاف موهبة الطالب في سن مبكرة قد يكون موجوداً ولكن توجيهه الوجهة الموسيقية غير موجود لعدم توافر معاهد حكومية رسمية توجه الشباب وتنمي من موهبتهم، وهذا سيجعل الطالب يتوجه لدراسة الموسيقى بشكل ذاتي وهذا ليس بالأسلوب الأمثل.
وأغلب الموسيقى التي ندرّسها في المدارس لم تكن بتلك القوة والزخم ولكن معظم الذين يعملون في الوسط الموسيقي تخرجوا من مدارس تعلّم الموسيقى فيها أساتذة يتلقون الإفادة منهم، وأتذكر منهم مثلاً عازف الكمان عنبر فاضل لم يدرس دراسة اكاديمية لكن مستواه ممتاز في العزف على الكمان وفي قراءة النوتات الموسيقية حتى أن مستواه يعادل الأشخاص الذين درسوا لأنه اهتم بصقل موهبته بشكل علمي، وتلقى تعليمه في المدرسة من قبل سامي عبدالملاك، ثم انضم لي في الفرقة وطوّر من نفسه بشكل ذاتي وممتاز جداً.
هل بالإمكان إضافة تخصص الموسيقى في جامعة البحرين؟
- تخصص الموسيقى ليس تخصصاً واحداً، هناك الموسيقى الفنية وهذه من ناحيتين: إما دراسة الموسيقى العربية أو دراسة الموسيقى العالمية، وهناك دراسة التربية الموسيقية التي تخرّج مدرسين يدرّسون في مدارس البحرين وهذا ممكن ببساطة.
أما من ناحية الموسيقى الفنية فأنا أفرّق بين عازف الموسيقى الشرقية وعازف «الأوركسترا» وهذا سيكون أصعب بكثير، وأنا أعتقد بأن هذين التخصصين لن يتم إضافتهما لأنها تحتاج إلى أعداد كبيرة من الطلبة.
ونرى مثالاً على ذلك في سلطنة عمان عددها جداً كبير عملت أوركسترا سمفوني وعملت فرقة شرقية. ومن المفيد أيضاً أن نتحدث عن الموسيقى العسكرية وهذه متطورة في البحرين، وأنا على معرفة بمبارك نجم متخصص فيها بشكل كبير وطوّر عدداً من الفرق. وأيضاً زميلي الفنان خالد عبدالعزيز عضو في الفرقة الموسيقية العسكرية لقوة الدفاع، يعمل ويطوّر من نفسه، وهذه ممكن أن يُعمل لها معاهد للموسيقى العسكرية لكن الأسهل أن يُعمل برنامج موسيقى تربوية يُخرّج مدرسين للمدارس الابتدائية والاعدادية والثانوية، وقد يظهر منهم أشخاص متميزين يعملون في المجال الفني بعد دراسته.
يُقال إن الموسيقى عامل نفسي لتخطي بعض المشاكل... ما رأيك؟
- نعم، فقد أثبتت البحوث العلمية بأن بعض أنواع الموسيقى وخاصة الكلاسيكية مثل موسيقى «موزارت» عندما استخدموها على الأبقار فإنها درّت حليباً أكثر وعندما استخدموها على بعض النباتات أصبحت تنمو أكثر، وطبعاً الموسيقى شيء له تأثير قوي على الإنسان حيث تؤثر عليه بطريقتين: أولاً إذا كان نوع الموسيقى نوعاً يدعو للرقص والحركة فتؤثر عليه بزيادة نشاطه وحركته، وأنا أرى تطبيقاً لذلك الموسيقى العسكرية، فالأفراد الذين يمشون في صفوف عسكرية يستخدمون الموسيقى في المشي والحركة والتحفيز. بينما نلاحظ الشكل الآخر الموسيقى العلاجية لها أنواع كثيرة كالموسيقى الهادئة التي تكون مناسبة للشخص وتذوقه الموسيقي فمثلاً إذا كان شرقيّاً ممكن أن يستمع لآلة الناي.
وفي تركيا تم عمل تجربة على المرضى الذين يعانون من الضغط العالي وأمراض القلب، يحضرون لهم موسيقيّاً يعزف لهم الناي فيهدأون وينخفض ضغطهم من دون أدوية.
العدد 5332 - الأربعاء 12 أبريل 2017م الموافق 15 رجب 1438هـ
شكرا على المقال
بالتوفيق أم حسين
رائع ومقابلة أروع بالتوفيق نور يعطيك العافيه
مقابلة رائعة بالتوفيق يانور الهدى والى الامام دائما
رائعه ومقابله اوروع بالتوفيق نور يعطيج العافيه❤️
مقابلة ممتعة مع الأخت نور ، وحوار شيق مع الشخصية المرموقه الدكتور الموسيقي جمال السيد
لنا الفخر والاعتزاز بمعرفه مثل هذا النوع من الشخصيات التى قلت فى مجتمعنا الحالي.
انا من طلبة الدكتور حمال السيد بصراحة هو شخصية متواضعة ومثقفة ليس فقط في مجال تخصصه وانما في كثير من المجالات هو يعشق الفنون الشعبية والتراثية اتمنى له دوام التوفيق
دكتور جمال الله يعطيه العافيه يستاهل للي وصل عليه حاليا واتمنى تنأخذ بنصايحه ،،وشكرا الاخت نور الهدى استمري في تألقش
بعض الفنون الشعبية اندثرت بسبب عدم الاهتمام بهذا الفنون او حتى المجتمع ما يتقبل هذا النوع من الفنون الخاصة بالموسيقى
جميل ان نتعرف على مثل هذه الشخصيات التي قلما نجدها في مجتمعنا البحريني ..
مقابلة رائعة اخت نور الهدى استمري في ابداعك..
دكتور جمال متعاون ورائع والمقابلة أروع ..
اتمنى له دوام البذل والعطاء في مسيرته الفنية
الدكتور جمال السيد من القلائل الذي ظل محافظا على تراثنا البحريني الأصيل الله يعطيه الصحة والعافية
شكرًا ع المقال اختي نور الهدى