أكد رئيس الحكومة اللبناني السابق سليم الحص في حديث خاص لـ «الوسط» أن «الأهداف المعلنة للحرب التي تزمع الولايات المتحدة الأميركية شنها على العراق هي غير تلك غير المعلنة» مشيرا الى اثنين يتعلقان بالنفط والقضاء على أوبك من جهة، وفي فرض الحل الإسرائيلي على الفلسطينيين وتفتيت العالم العربي.
ورأى أن الولايات المتحدة ستضرب العراق «حتى لو أن تقرير المفتشين أكد خلو العراق من أسلحة الدمار الشامل»، منتقدا «غياب الديمقراطية في وطننا العربي لأننا نفتقد الثقافة الديمقراطية، وكذلك فرضها بالقوة».
هنا نص الحديث:
* بين ما يسمى «خريطة الطريق» الأميركية لإيجاد حل، وبين التحضير لضرب العراق، وما بينهما من إجرام إسرائيلي في حق الشعب الفلسطيني، كيف تتراءى لك صورة المشهد السياسي العربي ضمن الإطار أو البرواز السياسي الدولي، وتحديدا الأميركي؟
- إن الأمة العربية تتعرض لتحديات جسيمة في هذه الفترة، إنْ على الصعيد الفلسطيني أو العراقي. فلسطين تمر في ظروف دقيقة وصعبة للغاية، بل هي مأسوية. ولكنني أعتبر أنّ الانتفاضة الفلسطينية انتصرت بصمودها بعد كل هذا العنت الذي مورس عليها، وكل هذا الظلم وهذا العنف، لكنها بقيت صامدة ولم ترفع الأعلام البيضاء، وهذا انتصار.
لا يتصور أحد هذا الفلسطيني الذي يرشق بالحجارة أنّ بإمكانه أن يهزم من يملك أعتى الأسلحة. كما أن الانتفاضة انتصرت بصمودها عندما حافظت على الوحدة الوطنية والتي كانت مستهدفة، لاسيما لدى مطالبة عرفات بالإجهاز على المقاومين، وهذا مشروع فتنة بينهم، وكذلك مطالبة شارون بتغيير رئيس السلطة ياسر عرفات وهذا ايضا مشروع فتنة في ظل عدم وجود نائب رئيس له. إنه مشروع صراع على السلطة وهذا ما تريده «إسرائيل» وأميركا، لكن الانتفاضة صمدت بشكل رائع.
* كنت قد كتبت مقالا حذرت فيه من احتمال حصول نكبة شبيهة بما حصل في العام 1948. أمازال لديك هذا الخوف؟ أم أن الصمود الذي تشير إليه قد يردع حصول هذا الأمر؟
- اذا وقعت النكبة بالسماح لـ «إسرائيل» بسحق الانتفاضة، فإن من شأن ذلك إحداث نكبة لا تقل خطورة عن نكبة الـ 48، وستكون لها تداعيات شبيهة بتداعيات الـ 48، وسيكون هناك لوم موجه للقيادات العربية كلها على تقصيرها وتقاعسها وتخاذلها في دعم القضية الفلسطينية في أصعب مراحلها. هناك ـ للأسف ـ غياب عربي رهيب، فكل هذه المجازر التي تقع لا تحمل أي مسئول عربي لإصدار كلمة احتجاج واحدة. وأنا أعتقد أن كلمات الاحتجاج يجب أن تطلق في وجه أميركا، لأن «إسرائيل» لم يكن بإمكانها أن تفعل ما تفعله لولا الدعم الأميركي على الصُّعُد كافة خصوصا في عهد بوش الابن.
إن أميركا هي المسئولة عمّا يحصل على الساحة الفلسطينية، وهي شريك في ذلك من خلال دعمها المطلق لشارون وحكومته.
* هل تستبعد حصول «ترانسفير»؟
- لا أستبعده. ولكن أنا خائف من الجانب العراقي من الأزمة. أنا أعتبر أن الأهداف المعلنة للحرب التي تزمع الولايات المتحدة شنها على العراق هي غير الأهداف غير المعلنة الحقيقية. وهي: وضع اليد على النفط العراقي، وبالتالي على تصنيعه وتسويقه وإنتاجه وتسعيره. كما لا تريد أن يكون هناك «أوبك»، أي القضاء على شيء اسمه «أوبك».
الأمر الثاني هو هدف إسرائيلي، وهو تفتيت الوطن العربي بدءا بتفتيت العراق. إن الضربة الأميركية للعراق قد تشظي العراق، وأقله الى 3 دول، وإذا ما تشظى العراق فكل الأقليات في الوطن العربي ستستنفر وتطالب بحكم ذاتي هنا ودولة هناك الى ما هنالك. ولن يسلم من ذلك أي بلد عربي واحد.
إن الهدف الإسرائيلي هو تفتيت الوطن العربي لكي تصبح «إسرائيل» أكثر اطمئنانا لأمنها القومي. إن «إسرائيل» التي تخشى التفوق العددي العربي، تخشى أن يصار الى تطوير الإنسان العربي، فيتحول ذلك الى تفوق نوعي أيضا.
إن أخطر ما يمكن من أهداف أميركية للحرب على العراق هو فرض حل لقضية فلسطين على قياس المطامع الإسرائيلية والشارونية بالتحديد. وإذا تمكنت أميركا من احتلال العراق فسترهب الوطن العربي، ولن يعود أحد بإمكانه أن يقول لا لأميركا على أي أمر. وعندها ستكون أميركا قادرة على فرض الحل الذي تريده «إسرائيل» للموضوع الفلسطيني، وهذا هو الحل الذي يريده شارون، وهذا يعني السلام على القدس والضفة وعودة اللاجئين وسيكون هناك توطين للفلسطينيين في الدول العربية.
* ألا تفوت بغداد إمكان تعرضها لضربة عسكرية بعد تقديمها تقريرا عمّا تملكه من أسلحة؟
- لا. لأن الأهداف الحقيقية هي غير المعلنة أن مهمة التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل لن تؤدي إلى نتيجة. ولن يتمكن العراق من تجنب الضربة. ولو افترضنا أحسن سيناريو أن يحصل، وهو أن يأخذ المفتشون مداهم ويقدموا تقريرا ينفون فيه وجود أسلحة دمار شامل في العراق، فإن الإدارة الأميركية ستقول إن صدام حسين تمكن من إخفائها، وسيكون ذلك سببا في الهجوم على العراق. مع أحسن السيناريوهات فإن العراق سيُضرب مع الأسف الشديد. ثم لماذا تلجأ أميركا إلى معالجة إعلان كوريا الشمالية عن وجود برنامج أسلحة نووية لديها ديبلوماسيا في حين أنها لن تقبل بمثل ذلك مع العراق؟! هذا ما يفسر عدم حقيقة الاهداف المعلنة. وينطبق ذلك على مسالة تغيير النظام بآخر ديمقراطي. صحيح أن النظام العراقي ليس ديمقراطيا، ولكن أين هي النظمة الأخرى الديمقراطية؟!
إن الذي يمنع ضربة للعراق هو وقفة عربية جامعة وصلبة. وهذه الوقفة لم توجد بعد.
* أي شعور يتولد لديك عندما تقرأ خبر إعلان وزير الخارجية الأميركي عن مشروع للتدريب على الديمقراطية في الوطن العربي؟
- إن الديمقراطية ليست فقط نظاما، إنما هي ثقافة. ونحن نفتقد الثقافة الديمقراطية. لا مانع من الاستفادة من تجارب الآخرين ولكن ما هكذا تبنى الديمقراطية في أي بلد. إنها تحتاج إلى إرادة الحكام والشعوب معا. وهي تنبع ولا تفرض فرضا.
أنا لا أعرف ديمقراطية تفرض بالسلاح والقوة، ولكن لو كل الحكام العرب رغبوا في تطوير أنظمتهم لتصرفوا على غير ما هم عليه من تصرف اليوم.
* هناك الكثير من الضغوط التي تتعرض لها الأمة العربية، ولكل دولة أجندة خاصة بها. من هؤلاء لبنان لاسيما في الجانب المتعلق بـ «حزب الله». هل مازالت هذه الضغوط قائمة؟ وما هو سبب هذا العدد اللافت للمسئولين الدوليين في زيارة لبنان أخيرا من خرازي إلى لارسن إلى وفد الكونغرس الأميركي الخ...؟
- أعتقد أن هذه الزيارات هي باتجاه المنطقة وليس لبنان. صحيح أن للبنان دورا ومكانة في العمل العربي المشترك، ويتميز بقطاعه الإعلامي الناشط، وفيه ممارسة ديمقراطية وليست ديمقراطية حقيقية، وهذا ما يجعله منفتحا على الخارج. بالنسبة لسياسة الإدارة الأميركية حيال لبنان فقد ظهر ذلك في قانون محاسبة سورية الذي لم ير النور، وفيه اتُهم لبنان باحتضان الإرهاب، أي المقاومة، أي «حزب الله» وبدعم من سورية. وهناك اتهام لبنان بعدم إرسال الجيش إلى الجنوب وفقا للقرار 425 بعد الانسحاب الإسرائيلي. إن من سيضرب «حزب الله» يضرب لبنان، و«حزب الله» مستهدف إسرائيليا، وبالتالي أميركيا لأنها متطابقة في استراتيجيتها الخارجية مع «إسرائيل». أكاد أقول أنْ لا استراتيجية لأميركا بالنسبة الى الشرق الأوسط، إنما هناك استراتيجية إسرائيلية تتبناها أميركا. فما يقوله شارون يقوله بوش، وهذا غريب حقيقة
العدد 100 - السبت 14 ديسمبر 2002م الموافق 09 شوال 1423هـ