العدد 107 - السبت 21 ديسمبر 2002م الموافق 16 شوال 1423هـ

الدستور: الأساس التنظيمي للدولة الحديثة

بعضها مكتوب وبعضها غير مكتوب

أي مجموعة بشرية تجتمع في مكان ما فانها سرعان ما تطور مجموعة من المبادئ والقواعد والأحكام لتنظيم شئون حياتهم المشتركة. هذا الأمر ينطبق على الأشخاص سواء كانوا ضمن عائلة واحدة، شركة تجارية، مدرسة، جمعية، وطن، الخ... مثلا الآباء يخبرون أبناءهم بما يتوقعونه منهم مثل: الصدق، الأدب، النظافة... الخ. وفي المدرسة، هناك شروط وقواعد وأحكام لعلاقة المدرس بالطالب، طريقة الجلوس، اللبس، الاساليب التعليمية... الخ.

بالاضافة إلى القواعد والاحكام، هناك الأعراف، وهي في غاية الأهمية لأنها تحدد طريقة التعامل بين المجموعات، هذه الاعراف هي عبارة عن أحكام «غير مكتوبة»، وتخضع لتفسيرات الاشخاص المتعاملين بها.

الدستور كلمة جذورها فارسية تعني القواعد والاساسيات وقد انتقلت الى اللغة العربية من خلال المثقفين العرب الاوائل الذين عايشوا الدولة العثمانية. وكانت الثقافة الدستورية قد انشرت في منتصف القرن التاسع عشر في اوساط النخبة المثقفة في الدولة العثمانية.

عندما نتحدث عن الدستور، فإننا نفكر عادة في «الدولة» وأنظمة تلك الدولة. والدولة تحتوي مجموعة من الناس يعيشون ضمن حدود اقليمية واضحة ويشتركون في الاعتقاد بمبادئ مشتركة وتحكمهم حكومة واحدة.

دستور الدولة، بحسب المفهوم الحديث، هو تلك الوثيقة التي تحتوي المبادئ والقواعد والاحكام والإلتزامات التي تتم من خلالها إدارة دفة الحكم في تلك الدولة، والتي تستمد منها بقية القوانين التفصيلية الصادرة من السلطة التشريعية.

يوضح الدستور السلطات وصلاحياتها والعلاقة بين مؤسسات الدولة، ويوضح الدستور كيفية اتخاذ القرار وكيفية اصدار القوانين المستمدة من الدستور.

كما يوضح الدستور حقوق وواجبات المواطنين والادوار والصلاحيات للسلطات الرئيسية في الدولة: السلطة التشريعية، والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية.

الدول التي تستند على دستورية في الحكم، في العادة تكون لها وثيقة دستورية مكتوبة وموقعة من قبل جمعية تشريعية.

دول قليلة جدا، مثل بريطانيا، لديها دستور غير مكتوب. وهذا يعني أن الدستور موجود ولكن ليس ضمن وثيقة واحدة صادرة في وقت واحد. والدستور هنا عبارة عن وثائق كثيرة وأفكار موجودة في كتب ومعاهدات متفرقة يعترف بها البرلمان البريطاني الذي يمثل الشعب.

الدستور قد ينص على مركزية الدولة أو على الفيدرالية في الحكم. المركزية تعني أن السلطة المركزية هي مصدر الصلاحية للفروع. الفيدرالية تعني العكس، الفروع هي التي تعطى جزءا من صلاحياتها للمركز.

بريطانيا دستورها مركزي، بينما الولايات المتحدة الاميركية دستورها فيدرالي.

الدستور غير المكتوب يكون أكثر مرونة. وبريطانيا هي المثال الواضح لذلك، فقانون انشاء برلمان في اسكتلندا وويلز في 1997 يعتبر تغييرا دستوريا، والحكومة المركزية استطاعت تغيير دستور البلاد من خلال اصدار قانون تصوت عليه الغالبية. وأجرت استفتاء شعبيا لتغيير هذا الوضع الدستوري.

الدستور في أكثر الدول ليس مرنا مثل الحال البريطانية. مثلا أي تغيير دستوري في الولايات المتحدة يحتاج إلى موافقة غالبية الكونغرس ومن ثم يتطلب موافقة كل ولاية على حدة على التغيير المطروح قبل ان يجرى اي تغيير للدستور.

الدساتير الحديثة تحتوي في موادها على ضمانات لحقوق المواطنين الأساسية. على رغم ذلك فان كثيرا من الدول المحكومة دكتاتوريا تنتهك فيها حقوق الانسان بصورة منهجية خلافا لما قد تتضمنه مواد الدستور.

في الدول التي يحترم قادتها دستور البلاد، قد ينص الدستور على وجود محكمة دستورية لتفسير مواد الدستور والتأكد من عدم تجاوزها من قبل الحكومة. وفي دول أخرى مثل بريطانيا، لا توجد محكمة دستورية ولكن بدلا من ذلك يعطى البرلمان والمحاكم الاعتيادية صلاحيات أوسع لتحديد دستورية النشاط الحكومي.

«السيادة» المستمدة من الشعب هي احدى دعائم كثير من الدول الحديثة. الامم المتحدة تحتوي على دول اعضاء ذات سيادة كاملة يفترض انها استمدت من شعوب تلك الدول.

هناك أسئلة تطرح عن حدود هذه السيادة، فهل أن الدول مطلقة السيادة وان الانظمة على رأي الشعب؟

في الحقيقة ان تصرف الحكومات والبرلمانات محدود بأمور كثيرة منها:-

لو عارض مشروع قانون مواثيق ومعاهدات دولية وقعتها تلك الدولة، فان هناك عقبات تمنع ذلك، فالبرلمان البريطاني لا يمكنه مثلا أن يصوت ضد قرارات صادرة عن الاتحاد الاوروبي اذا كانت تلك القرارات مستمدة من أحد الاتفاقات الأوروبية. وكذلك فان السيادة البرلمانية لا تستطيع أن تلغي مواثيق حقوق الانسان الصادرة من الامم المتحدة.

وعلى هذا المقياس، لو أن برلمانا يمثل السيادة الشعبية عارض «ديانة» الشعب فان السيادة هنا تقع في اشكال مشابه. وهذا يوضح ايضا ان السيادة الوطنية (البرلمانية) تخضع لسيادة مفاهيم عليا متفق عليها بصورة أكثر شمولا.

النظام الدستوري يعتمد على وسائل مقبولة دستوريا لاصدار قوانين تفصيلية مستمدة من مواد الدستور، وهذا يسمى «حكم دستوري» وليس حكما عشوائيا فالنظام الدكتاتوري يصدر الكثير من القوانين التي لا تستمد شرعيتها السياسية من مصدر دستوري وتفرض هذه القوانين على المجتمع بصورة تعسفية.

حكم القانون، يعني أيضا ان القانون فوق الجميع، حاكما أو محكوما. فحتى الحكومات في ظل الحكم الدستوري تتم معاقبتها قضائيا إذا خالفت حكم القانون، ويحق للمواطن ان يشتكي على وزارة أو رئيس الوزراء إذا خالف أي منهما دستور البلاد، كما يحق للحكومة ان تشتكي على المواطن الذي يخالف الدستور والاحكام المستمدة من الدستور والطرف الذي يشتكي نيابة عن الحكومة يسمى «المدعي العام» أو «النائب العام».

هذا يعني أن القضاء يجب أن يكون مستقلا لكي يستطيع الفصل بين الموطنين انفسهم وبين المواطنين والحكومة، والفصل بين السلطات الثلاث (التشريعية والقضائية والتنفيذية) أحد شروط العدل في أنظمة الحكم الحديثة. فالبرلمان يشرع والحكومة تنفذ والقضاء يفصل في الخلافات. اما اذا كانت الحكومة هي المشرع وهي التي تسيطر على القضاء، فان الحكم يصبح حكما استبداديا، وليس دستوريا.

في بريطانيا يوجد هناك تداخل بين السلطات: فمثلا رئيس القضاء هو عضو في مجلس الوزراء، ويرأس مجلس اللوردات قاضي القضاة وهو ايضا عضو في مجلس الوزراء. مجلس اللوردات ايضا يأخذ صفة أعلى سلطة قضائية، وجميع أعضاء مجلس الوزراء هم أعضاء في البرلمان. هذا التداخل تتم موازنته بأمور كثيرة، لضمان عدم سيطرة سلطة على أخرى، وهناك قضايا يومية كثيرة تثبت ان السلطات تتحرك بصورة مستقلة على رغم تداخلها.

أما في اميركا فان النظام الفيدرالي ينص على وجود ما يسمى بـ (Checks & Balances) وهذا الترتيب يعطي الصلاحية لأي سلطة للوقوف امام السلطة الاخرى وموازنة ما يصدر عنها بعمل آخر

العدد 107 - السبت 21 ديسمبر 2002م الموافق 16 شوال 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً