يرى عدد من المسئولين الأميركيين ومحللي شئون الشرق الأوسط أن إعلان الإدارة الأميركية الأخير بأن العراق قد خرق قرار الأمم المتحدة 1441 والخاص بنزع أسلحة الدمار الشامل، قد يعتبر بمثابة العد التنازلي لبدء الحرب، من دون أن يعني أن الحرب باتت حتمية.
ويرى المسئولون أن الموعد المرجح لأي هجوم أميركي على العراق لن يكون قبل شهر فبراير/شباط المقبل، وذلك ريثما تتمكن واشنطن من الانتهاء من وضع خطط الحرب واستكمال نقل القوات العسكرية إلى منطقة الخليج، وفي الوقت نفسه تقديم الأسباب المقنعة للمجتمع الدولي. معترفين في الوقت نفسه بأن الاستعدادات العسكرية والسياسية لغزو العراق تتسارع بشدة.
ومن الناحية العملية يشعر العديد من المحللين أن الباب لا يزال مواربا للعراق لتجنب الحرب، على رغم الإعلان الأميركي.
وإحدى الفرضيات الرائجة هي وقوع انقلاب في بغداد يسبق بدء العمليات العسكرية. والفرضية الأخرى هي حدوث تحول جذري داخل النظام يقوم من خلاله الرئيس صدام حسين بتسليم أسلحة الدمار الشامل التي يمتلكها طوعيا.
ويرى المحللون أن الإدارة الأميركية منحت عمليا الفرصة الثانية لبغداد عبر تأجيلها إعلان الحرب، وذلك بعد أسابيع من التأكيد على أن صدام يملك فقط فرصة واحدة وأخيرة للكشف عن أسلحته النووية والبيولوجية والكيماوية من خلال التقرير الذي قدمه لمجلس الأمن والذي يفترض أن يحوي كشفا بكامل برامجه التسلحية.
ويقول المسئولون الأميركيون إن القرار النهائي بالذهاب إلى الحرب ليس مرجحا أن يتخذ قبل 27 من يناير/كانون الثاني المقبل، وهو التاريخ الذي سيقدم بحلوله المفتشون الدوليون تقريرهم عن نتائج جولاتهم التفتيشية في العراق وسيتضمن بيان ما إذا كانت بغداد تجاوبت مع القرارات الدولية أم لا.
ولأسابيع مضت ظل المتحدث باسم الإدارة الأميركية يردد أن موعد الثامن من ديسمبر/كانون الأول الذي حدده مجلس الأمن وفق القرار 1441 للعراق لتقديم تقرير عن أسلحته، هو الفرصة الأخيرة لبغداد. وكان الرئيس جورج بوش قال للصحافيين الشهر الماضي «لن نتسامح مع أي خداع أو إنكار أو أكاذيب» من جانب العراق.
غير أن وزير الخارجية كولن باول عاد الخميس الماضي واعترف بأنه لا يزال لدى بغداد الخيار بأن تنزع أسلحتها سلميا. وقال «لا يزال متاحا أمام العراق تحديد الطريقة التي ستتم بها عملية نزع أسلحته».
ويقول الخبير في شئون الشرق الأوسط لدى مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية في واشنطن انتوني كوردسمان «إن الحرب ليست حتمية، فإذا قام العراق بعمل جدي وحقيقي خلال هذه الفترة فإن الإدارة الأميركية بالتأكيد سترد إيجابا».
ويضيف أن الرئيس بوش بنى حساباته حتى الآن على أن الولايات المتحدة ذاهبة إلى الحرب، لكن بإمكان تطور الأحداث أن يغير هذه الحسابات. وإذا لم تستطع واشنطن أن تؤمن تحالفا قويا فان خياراتها ستصبح قليلة وربما اضطرت لإعادة النظر في بعض الأمور.
ويبدو أن الإدارة الأميركية ومن خلال تركها الباب مفتوحا أمام صدام لتغيير سياسته، ترمي إلى الحفاظ على التحالف الذي شكلته حتى الآن والذي يضم كلا من بريطانيا وتركيا والكويت وقطر. فمن دون الحصول على دعم واضح من هذا التحالف أو على الأقل ضمان تعاونه الضمني فإن مصير الحملة الأميركية على العراق ستواجه تعقيدات كبيرة.
وفي هذا السياق فإن حلفاء واشنطن بما في ذلك بريطانيا لم يعلنوا خلافا لواشنطن أن العراق قد قام بخرق قرارات الأمم المتحدة، الأمر الذي يبرر استخدام القوة ضده.
كما أن الحكومات الأوروبية أشارت سلفا إلى أنها تريد دليلا ملموسا على أن العراق أخفى معلومات مهمة في التقرير الذي قدمه للأمم المتحدة عن أسلحته. وصرح مسئول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا الأسبوع الماضي أن التقرير الذي سيقدمه رئيس مفتشي الأسلحة الدوليين هانز بليكس سيكون أساسيا لتقرير ما إذا كانت الدول الأوروبية ستقف مع الولايات المتحدة. وأضاف «من المهم جدا أن نرى دليلا يمكننا الاعتماد عليه».
وحتى المتشددين في الحزب الجمهوري الذين ما انفكوا يدفعون إدارة الرئيس الأميركي إلى التحرك عسكريا ومنفردا إذا اقتضى الأمر لنزع أسلحة العراق بالقوة، فإنهم يعترفون بصعوبة تجاهل إمكان أن يغير العراق سياسته في اللحظة الأخيرة.
ويقول مدير الشئون السياسية في وزارة الدفاع ريتشارد بيرل أحد الصقور في إدارة بوش: «إذا قال صدام حسنا لقد احتفظنا في السابق ببعض (الأسلحة) ولكننا الآن نستعد للتخلص منها، واستنتجت الإدارة الأميركية أن إعلانه هذا شامل وحقيقي، فهل يمكننا تجاهل ذلك والقيام بعمل عسكري؟ بالتأكيد لا». غير أن بيرل يضيف انه لا يعتبر بأن مثل هذا الاحتمال من جانب بغداد حقيقي على أية حال.
محللون آخرون قالوا إن العراق تراجع مرارا في السابق عن بياناته التي قدمها لمفتشي الأسلحة الدوليين عن مخزونه من أسلحة الدمار الشامل بعد العام 1991، تحت تهديد العمل العسكري من جانب الولايات المتحدة، ليس مستبعدا أن يلجأ من جديد إلى التكتيك نفسه.
ويشيرون إلى أن التراجع لا بد أن يكون أكبر بكثير هذه المرة لإيقاف سيناريو الحرب، على رغم أنه نظريا لا يزال لدى صدام حسين بضعة أسابيع على الأقل للاذعان لمطالب الأمم المتحدة.
ويقول الخبير في السياسة الخارجية لدى معهد بروكينغز إيفو دالدر إن «الدعم الذي يمكن للولايات المتحدة الحصول عليه من أوروبا والشرق الأوسط للحرب في العراق ليس مضمونا، وأن القدرة على الحصول على مثل هذا الدعم ستتدنى بصورة كبيرة إذا أبدى العراق تعاونا كاملا مع الأمم المتحدة في تدمير أسلحته». ويضيف أن المشكلة هي «أن الرئيس بوش طلب دعما دوليا للمضي في خطط الحرب وسيكون من الصعب عليه الآن أن يختار طريقا آخر».
أما المشارك في معهد بروكينغز ومساعد وزير الخارجية السابق لشئون الشرق الأوسط مارتن انديك فيقول: «إن واشنطن وبغداد تبدوان واقعتين تحت رحمة أي تغير قد يطرأ في ذهن الرئيس العراقي». ويضيف «أنه بالنسبة للإدارة الأمريكية فإن التحدي الأساسي حاليا هو الوقت، فهي تحتاج إلى إظهار التعقل والاعتدال قدر الإمكان للإبقاء على الدعم الدولي المطلوب وخصوصا دعم أوروبا. بينما يبدو هدف صدام واضحا، فهو يريد إخفاء الأسلحة التي بحوزته والتشويش على العملية على أمل أن يتحول الرأي العام الدولي إلى مناهضة الحرب، كي يتمكن من العمل بحرية وإبقاء الجميع في نفق عمليات التفتيش». ويضيف انديك أنه لا يعتقد أن الرئيس العراقي سيسلم أسلحته، والنتيجة الطبيعية أن واشنطن ذاهبة للحرب عاجلا أو آجلا
العدد 111 - الأربعاء 25 ديسمبر 2002م الموافق 20 شوال 1423هـ