الفتية الآن يعانون من ذُل الوقوف للتحقيق في أعمال يقولون إنهم منها براء، وأنهم أبدا لم يقوموا بها، معتبرين ما يحدث واحدة من الصواعق التي تنزل عليهم من ذلك اليوم الذي دخلوا فيه الدار بذنب لا دخل لهم فيه.
في المقابل، يقول المسئولون عنهم في وزارة العمل والشئون الاجتماعية: «لا تصدقوا كل ما يقال...فهؤلاء الفتية إنما يبالغون فيما يقولونه ويدّعون، وأن التعاطف الإنساني لا يمكن أن يتجاوز الحقائق الثابتة».
المسئولون يقولون أن المرحلة العمرية التي يمر فيها الأطفال تتدخل لتصنع منهم «شياطين» بلغتنا الدارجة، ولكنهم إنما يضخمون الأمور لشعورهم أن المجتمع يتآمر ضدهم.
في «الوسط» لم نشأ أن نضيع أيا من الحقين من البروز، وأيا من الرأيين في النشر على الملأ فكلٌ يرى أنه مصيبٌ في كل ما يقول.
ولكننا لسنا في حلبة «صراع للديكة» الفائز فيها من ينهك الآخر، فالقصد الأسمى هو الوقوف على حقيقة ما يجري، ومد يد العون لهذه الدار ومن يسكنها حتى ستتقيم فيها الأممور بشكل جيد، وفي ذات الوقت آملين ألا يتخذ البعض من ما يطرحه هذا التحقيق وسيلة للضغط والإكراه على أي من الأطراف الداخلة في هذه القصة. إن الإطلالة اليوم على دار الأيتام هي «افتتاحية» لإطلالات أخرى لمتابعة ما يجري في هذه المؤسسة الرعائية، لمساعدة جميع الأطراف الداخلة في القضية على تحمل مسئوليتها أمام هذا المجتمع.
استهل (ي) أحد المتعاونين مع الأطفال في هذه الدار حديثه بالقول: «تعتبر هذه الدار للصغار والكبار بمثابة البيت الذي يسكنون فيه، ويعتبر القائمون على الرعاية فيها آباء وأمهات لهؤلاء الأيتام المحرومين من الحب والرعاية والحنان، وعلينا تعويضهم وسد حاجاتهم الإنسانية والعاطفية والنفسية ليعيشوا أسوياء كأي طفل طبيعي يحيا بين أفراد أسرته».
واستطرد: «فهؤلاء الأطفال لهم كل الحق في ممارسة حياتهم طبيعية من دون أن نشعرهم دائما بأنهم أدنى وأقل من الأطفال الآخرين، وهذا ما أسمعه من الأطفال باستمرار. فأنا متطوع منذ سنوات لخدمة هؤلاء الأيتام، عايشتهم ودرست ظروفهم ولمست احتياجاتهم للقلب الحنون والإنسان المتفهم لجميع قضاياهم وليس للخصم والتهديد والعصا... إذا لم نتعاون جميعا ونسارع بمعالجة المشكلات الصعبة علي المستوى النفسي والصحي والاجتماعي التي يعانيها الأيتام فستتفاقم وتتعقد ويكون لها أثر سيء عليهم وعلى المجتمع بوجه عام، والسؤال الذي يطرح نفسه: ما الدور الذي يلعبه المعلم في الدار؟ وهل هو كفؤ له».
ويستمر الشخص المتعاون بقوله: «بحسب ما عرفته من أبنائي أن المعلم في الدار يؤدي دوره كأي موظف يعمل من أجل تسلم راتبه آخر الشهر من دون أن يؤمن بأن هناك قضية إنسانية وأيتاما بحاجة إلى رعاية أبوية، ولا أقصد بهذا أن المعلمين ليسوا أكفاء، ولكن قد يكون غياب الضمير الإنساني وعدم مراقبة النفس في الحلال والحرام سببا في إهمال هذا النوع من العطاء أو ربما عدم مراقبة الإدارة وغفلتها لأعمال المعلم وما يقدمه إلى هؤلاء الأيتام هو السبب المباشر لما يعانيه الأبناء من التعثر الدراسي والنفسي».
الإدارة
ثم إن الإدارة تضاعف معاناة هؤلاء الأيتام باستخدام أساليب القهر ـ كما يقول المصدر ـ فتعرضهم لضغوط نفسية سيئة، ما أثر سلبا عليهم وجعلهم يتصرفون تصرفات خاطئة، وبدلا من معالجة الظلم والتعسف الواقع عليهم تلجأ الإدارة إلى أساليب قهرية تعسفية إرهابية كالتهديد والترهيب، وهذا يشكل خطرا كبيرا على نفسياتهم إذ لم يقتصر الأمر على فقدانهم الحب والرعاية والحنان، بل يضاف إليها الخصم من المصروف والضرب والتهديد برعاية الأحداث، والمحكمة. فبأي نفسية يعيش هؤلاء الأطفال بين مشكلات كثيرة؟ فهم لا يشعرون بطفولتهم ولا إنسانيتهم ولا كرامة لهم، ونحن إذا قارنا بين هؤلاء وبين أيتام «دار السنابل» وجدنا فرقا شاسعا بين ما يعانيه هؤلاء من ظلم وشكوى مستمرة... وبين ما يعيشه أطفال «دار السنابل» من الأمن والاستقرار النفسي بين رعاية أبوية وتنظيم إداري مراقَبْ ومنظم لخلق طفل سوي عامل واثق الخطوة، لا يعاني من أي تصدع نفسي أو مادي أو صحي... نافع لنفسه ومجتمعه.
ويضيف: إذن والحال هذه، فإن دار الأيتام تفتقر إلى التنظيم الإداري واللجان المتفرعة، كل لجنة في مجال تخصصها... أضف إلى ذلك إسناد مهمات رعاية الأطفال إلى نساء لديهن ما يعطينه من حنان الأمومة والحب، وإلى رجال لديهم الضمير الحي والرعاية الأبوية والدراية التامة باحتياجات كل مرحلة من مراحل نمو الأطفال، وعلى رغم وجود مجلس للإدارة فإنه مشلول... مجرد واجهة اجتماعية مظللة. وللأسف الشديد لمجرد حدوث أية مشكلة صغيرة أو تافهة بسبب أحد الأطفال فإن الإدارة تلقي به في دار الأحداث ليخرج منها كتلة من العقد النفسية والاجتماعية بدلا من احتضانه وتوجيهه توجيها تربويا سليما. وإذا صدر منهم أي خطأ قال المسئولون: «هل يتوقع المجتمع من هذه الفئة خيرا؟ نحن غرسنا وربينا وعلّمنا وهذه النتيجة، فئة ضالة عالة على المجتمع».
شهادة من الواقع
يقول الفتى يوسف (16 عاما): «إننا نعيش مرا، في دار كلها تهديد ووعيد وإرهاب وحرمان مادي وعاطفي، وانني إذ أقول هذا لا أشعر بالخوف بل أشعر بأنني أقول كلمة حق تبعد الظلم والتعسف عن إخواني الأيتام في الدار».
ويحاول يوسف تلخيص حياتهم في الدار بقوله: التهديد «برعاية الأحداث» نسمعه يوميا وعلى كل لسان يملك الحق في إهانتنا أو تجريحنا... كذلك إيداع الأطفال في مستشفى الطب النفسي، ولا يوجد بيننا من يعاني من عقد نفسية، حتى الطبيب الذي يزور الدار ثلاث مرات أسبوعيا مدة ساعتين نحن لا نحتاج إليه ولا عمل له بيننا، مجرد محسوبيات وواجهة للإدارة بأنها تعمل من أجلنا.
ثم إن مصروفنا الأسبوعي لا يتجاوز 10 دنانير، يخصم منه دينار لأتفه سبب، ويقوم بالخصم مراقب الدار ولا يرجع هذا الخصم إلى الطفل، وإذا سألنا أين يذهب المبلغ المخصوم، يقول لنا: هذا ليس من اختصاصكم. ومن جهة أخرى إذا طلبنا نثريات لأية حاجة ماسة كإصلاح عطل في الدار... إلخ، يماطلون في الاصلاح، «مع أننا نعرف تماما عن تبرعات أهل الخير للدار، وأن الملك المعظم أمر لنا بمكرمة ملكية ولم نتسلم منها شيئا، وكذلك مكرمة شراء ملابس العيد لم تُسلم إلينا، ومضى العيد ولم يصرف لنا إلا 40 دينار... زادوها قليلا خلال زيارة الصحافيين بغرض الدعاية، وعلمنا أن رجلا من أهل الخير تبرع بمبلغ 150 دينارا لاستكمال ملابس العيد أيضا ليس لنا حق في المطالبة بها».
ويضيف أحمد (17 عاما) بكل شجاعة: «هناك أمر خطير وغير إنساني، وهو إذا أخطأ أي طفل من أطفال الدار في المدرسة تقوم الدار بإرسال شخص ما من «رعاية الأحداث» يقوم بتأنيب وتعنيف وعقاب الطفل على مسمع من بقية التلاميذ، والإمعان في إهانته وتجريحه، فيعرف التلاميذ سر هذا الطفل، فيُفضح ويعيش بين أقرانه من دون عزة أو كرامة أو حتى شخصية، فيعاني من تصدع نفسي ولا يبالي بعدها بالعقاب ويكره بعدها الذهاب الى المدرسة».
ويقول: «في الدار يُضرب الطفل بقسوة بالغة إذا أخطأ فالسيدة (خ) تأتي بالطفل (4 إلى 14 سنوات) وتضربه بقسوة وعنف لأتفه سبب من دون شفقة أو رحمة، وهي نفسها إذا رفض أحد الأبناء الذهاب إلى المدرسة التعليمية لمرضه أو لأي سبب، تضربه بإهانة وتجريح تلغي بهما شخصيته أمام زملائه... ويوجد في الدار طفل يُعَنَّف كل سبت واثنين بواسطة زميلة للسيدة (نفسها) من رعاية الأحداث تهدده وتحقّره أمام الزملاء والمعلمين».
ويؤكد يوسف وأحمد: «نعاني كثيرا من السرقات حتى في قوتنا (أي من المواد الغذائية) الخاصة بنا ومواد التنظيف، وقد قمنا بتقديم شكوى إلى المراقب وأعطيناه أسماء من يقمن بالسرقات فلم يعر شكوانا أي اهتمام واكتفى بالاجتماع بهن من دون اتخاذ أي قرار أو مساءلة، علما بأننا عندما واجهنا السارقات أول مرة أخبرناه... وطلبنا منه المواجهة بيننا وبينهن فرفض، لماذا؟ هل نحن فقط من يحلّ عليهم عقاب الدار لأننا الصوت الأضعف»؟
«ويسود الآن في الدار نظام الاستخبارات بأن يجنَّد بعض الأبناء للتجسس على إخوانهم في كل صغيرة وكبيرة وإبلاغ المراقب، وهؤلاء الأبناء يلاقون الرعاية والعناية والتمييز مقابل ما يقدمونه من خدمات إلى المراقب».
ويضيف أحمد: «وأود أن أشير إلى أن هناك بعض المعلمات في الدار نلقى منهن الرعاية والاهتمام والضمير الحي... أما عن كيفية معرفتنا بوصول الإعانات إلى الدار، فبعضها نقرأ عنها في الصحف اليومية والبعض الآخر نعرفه عن طريق المتبرع نفسه، وإذا ناقشنا فيه المراقب يقول أعطيناه إلى رئيس مجلس الإدارة، وإذا عرضت لنا حاجة ملحة وطلبنا من المراقب توفيرها لنا يقول بالحرف: لا توجد موازنة للصرف على الدار».
«أما عن ترتيب وتنظيف الدار فهذا فقط عند زيارة أحد المسئولين الى الدار، أما بقية الأيام فلا، وبودي لو يقوم أحد المسئولين بزيارة الدار من دون أن يُعلم الإدارة ليرى بعينه ما يحدث فيها... ففي يوم الزيارة هذا نشعر بأن لنا عزة وكرامة وتغير المعاملة لنا ونُحترم... من أجل المسئول فقط، أما بعد أن تنتهي الزيارة فنعود كما كنا... ولا يفوتني أن أذكر أن أحد المسئولين قال لنا بالحرف عند سماع شكوانا: «من لا تعجبه الدار يخرج منها»! إلى أين نذهب وليس لنا دار أخرى غير هذه الدار؟.
«إن العاملة التي تحنّ علينا وتعاملنا كأبناء فإنها تعاني ما نعاني ويُطلب منها أن تداوم آخر الليل، كيف وهي أم لأطفال ستة؟ ثم إنه ما الحاجة إليها في الليل؟ كل هذا لترفض وتُطرد ونُحرم نحن من حبها وحنانها علينا».
يقول فتية آخرون: «نحن في الدار لا نسمع إلا كلمة (أحداث... أحداث)، أو (سنودعك في مستشفى الطب النفسي)، أو (سنحرمك من النزهة) أو (لا تخرج من الدار، ليس من حقك تكوين أصدقاء)، أوامر إرهابية وعلينا التنفيذ من دون نقاش... وإذا تشاجر أحدنا مع أحد من إخوانه يهدد بالأحداث، وإذا تغيَّب عن المدرسة يُخصم من مصروفه... نحن نعيش من دون قيمة إنسانية أو اجتماعية ولدينا أخ رُمي في الأحداث ومازال على ذنب بسيط يمكن لأي أمٍّ معالجته من دون حاجة إلى دار (رعاية الأحداث)... ذنبه الوحيد هو أنه يخرج إلى الشارع من دون استئذان أو أنه يتشاجر مع إخوته أحيانا، كل هذا ولّدته المعاناة والضغوط النفسية عليه ويمكن علاجه بالنصيحة والكلمة التربوية الصالحة والحنان والرعاية الأبوية من دون حاجة إلى هذا النوع من التربية التعسفية الجائرة... أما مصروفاتنا فإنها تنتهي بالخصومات قبل أن نتسلمها... ألا يكفي أنها من دون خصم لا تسد حاجاتنا؟».
يزفر ويواصل: «نعاني كذلك من الحاجة إلى الملبس، فنحن نشتري ملابسنا من العيد للعيد فقط، بذلة أو بذلتين، أما الملابس الداخلية فنحن نطلبها برسالة إلى المراقب ونشرح فيها حاجتنا إلى هذا النوع من الملابس... وفي النهاية تُهمل الرسالة».
يستأذن يوسف وأحمد ليتكلما عن إخوانهما الفتيان والأطفال، فيقولا: «نقدم ندائنا إلى الملك المعظم، أب الشعب كله، أن يحمينا من ظلم وقع وسيقع علينا، ونخبره بأننا في الدار نعيش حالا من الرعب والذعر والتفكك بالضياع، لا نعرف حتى طعم البسمة، حزن واكتئاب وخوف باستمرار، نحن هنا نتعذب ونقهر، وإليك نرفع صرخة استغاثة أن ترحم ضعفنا وقلة حيلتنا، فنحن أسوياء وأذكياء وجهودنا كلها في خدمة الوطن... نطلب منك أن تحمينا من عواقب كلمة حق قلناها ونقسم بأنها الحقيقة... وأن توقف محاكمة إخواننا التي جرت يوم أمس الثلثاء، فنحن أبناؤك وأحباؤك، فأنت أنت وحدك أبوالشعب كله، ولا ناصر بعد الله إلا أنت».
للوهلة الأولى قد يفلح السرد الذي يأتي على لسان الفتية المنتسبين إلى الدار في استدرار العاطفة الإنسانية، فهؤلاء الذين قسي عليهم قدرهم وحرمهم من أقدس عاطفة على وجه الكرة الأرضية... عاطفة الإحساس بحنان الأم، حضن الأم ودفئها، كيف يقسو عليهم من تولّوا مسئولية رعايتهم واحتضانهم؟
هكذا ببساطة قد يُوجَّه اللومُ مباشرة إلى المسئولين، وتُكال إليهم الاتهامات الحقيقية والمبالَغ فيها، لكنه عند الانتقال إلى الضفة الرسمية تتغير الحال، ويتضح وجه آخر من القضية لنضعها هكذا بما أمكننا من تجرد وحيادية أمام رأي المجتمع ليقول فيها كلمة.
حاولنا نقل كل ما جاء من شكوى وتذمر واتهامات من «ملعب» الفتية إلى «ملعب» المسئولين المعنيين الذي قضوا سنوات طويلة يخدمون في مجال رعاية الأيتام، فبُني الرد على النحو الآتي:
هاتفنا مكتب وزير العمل والشئون الاجتماعية مجيد العلوي الذي تفاعل مع الطرح وأوكل مهمة الرد إلى القائمة بأعمال الوكيل المساعد للشئون الاجتماعية حنان كمال التي فندت بدورها مجمل الاتهامات التي جاءت على لسان الفتية مؤكدة: «أنهم يمرون بمرحلة تمثل أزمة في حياتهم كباقي المراهقين تماما، يضاف إلى ذلك إحساسهم الطبيعي بالاضطهاد والحقد على المجتمع نتيجة الحرمان من العاطفة الأسرية والدفء الأسري».
وبحسب كمال التي تجاوبت مع طرح «الوسط» فإن الفتية يبالغون فيما يطرحون و«يتصيدون في الماء العكر»، مؤكدة أنهم «يهددون المسئولين دوما ما لم يستجيبوا لطلباتهم، ويلجأون إلى التخريب والتكسير في أحيان كثيرة لأنهم يفتقدون الحنان الأسري الذي لا يمكن أن تعوضه أية مؤسسة مهما تقدمت فيها الخدمات».
وتضيف: «الظروف الاجتماعية تحسنت كثيرا في دار رعاية الأيتام كبارا وصغارا خلال السنوات الماضية، وهناك مشروعات مستقبلية كثيرة ستنفذها الوزارة لصالحهم، منها إنشاء مجمع الفتيان الذي سيكون على شكل وحدات سكنية منفردة، كما أن الوزارة ستنهض بوضعهم في سياق الاستراتيجيات التي ستوضع بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الذي يرتقب أن يقدم تقريرا مفصلا عن كل خدمات الوزارة الاجتماعية بما فيها رعاية الأيتام والطفولة».
«رعاية الأحداث»
آخر الدواء
وتؤكد كمال في معرض ردها على اتهامات الفتية باستمرار التهديد بنقلهم إلى «رعاية الأحداث»، أي إلى سجن الأطفال الخارجين عن القانون: «إن اللجوء إلى (رعاية الأحداث) أو إلى مستشفى الطب النفسي فعل طبيعي إذا ما استفحلت الممارسات الخارجة وصار علاجُها شبه مستحيل» موضحة أن «الحالات التي رُفعت إلى الأحداث أو إلى الطب النفسي حالات لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، وكلها عادت أدراجها بعد مراحل تقويم السلوك».
وتقول: «مثل هذا التوجه يحدث حتى في أوساط الأسر التقليدية، فإذا ما فقدت بعض الأسر السيطرة على سلوك المراهق المنحرف، ووجدت أن العقل يؤكد أهمية التدخل التخصصي، فمن مصلحة الطفل أن يدرج في دور متخصصة للرعاية بدلا من أن يقوم بعمل لا تُحمد عقباه، وحينها لا يفيد الندم»، مؤكدة أن «اللجوء إلى رعاية الأحداث أو إلى الطب النفسي لا يكون إلا من باب تقويم السلوك المنحرف وليس العقاب».
وتضيف: «لو كان الفتية منصفين، لتذكروا كل المساعي التي بُذلت لتحسين أوضاعهم وظروفهم (...) نعمل المستحيل لدمجهم مع المجتمع وتعويض إحساسهم بالنقص، مُنحوا الجنسية بعدما كانوا محرومين منها لسنوات، وجاهدنا مع مشايخ الدين لمنحهم أسماء، نخطط دوما لبرامج ترفيهية داخل البحرين وخارجها، يلبسون ويأكلون من أرقى المحلات، ولهم حسابات خاصة تؤمّن مصيرهم حينما يكبرون، فماذا يريدون أكثر؟».
أمَا للفتية مِن «عيدية»؟
وعن حرمانهم من ثياب العيد ومن المكرمة الملكية، تنفي كمال ما يردده الفتيان مؤكدة «أن الوزارة صرفت 100 دينار لكل فتى و60 دينارا للأطفال في دار رعاية الطفولة، بكلفة إجمالية بلغت 653 دينارا، وتركنا لهم حرية الاختيار».
وتقول: «عندما يسرق أحدهم أو يكذب أو يتعمد إحداث الشغب والتخريب والتكسير، أو يعتدي على الآخرين وملكياتهم فمن الطبيعي أن يُحرموا من مصروفهم اليومي أو من المشاركة في رحلات الترفيه، وهذا عقاب تربوي يحث عليه علماء النفس وتتبعه الأسر العادية أيضا».
وتضيف : «هناك نماذج ايجابية تقبّلت وضعها الاجتماعي وتكيّفت معه، هناك المتفوقون دراسيا، وهناك من تدربوا على السياقة وحصلوا على رخصة»، وتتساءل: «هل نعاقب هذه النماذج، وهل نحن بحاجة إلى نصف الدينار الذي نخصمه منهم؟».
أزمة الهوية
من جانبه وصف رئيس مجلس إدارة دار رعاية الطفولة، أكبر محسن في حديث خاص إلى «الوسط» حال الفتية وهم يمرون في أزمة الهوية والانتماء بـ «القنابل الموقوتة» المعرضة للانفجار في أية لحظة، ويقول: «تكلمنا منذ سنوات عن مخاوفنا من الوصول إلى هذه المرحلة الخطرة، فالفتية يبتزون المسئولين في الدار ويهددون بإقالتهم، لدرجة أنهم يكسّرون سيارات الموظفات في الدار».
وبحسب محسن فإن ما ينقص الفتية هو حنان الأم وعطف الأب وغير ذلك لا ينقصهم شيء، ويقول: «في أية أسرة عندما تنحرف السلوكيات وتظهر سلوكيات السرقة والكذب والعنف والتكسير والحرق والاختلاط برفاق السوء والمطالبة بالحرية غير المسئولة والسهر حتى الصباح؛ فمن الطبيعي اللجوء إلى جهة تعيد تقويم السلوكيات المنحرفة»، معتبرا رعاية الأحداث «مدرسة لإعادة تأهيل السلوك المنحرف».
الاضطرار سيد الموقف...والمجتمع مسئول
ويقول: «طوال السنوات الثلاث الماضية لم يحتج سوى فَتَيَان من أصل 33 طفلا إلى رعاية الأحداث، وثلاثة حُوِّلوا إلى الطب النفسي (...) كنا مضطرين إلى هذا النوع من التدخل حتى نحمي باقي الموجودين في الدار».
وحمّل محسن المجتمع مسئولية ما يحدث قائلا: «سبق وأن حذرنا من هذا الوضع، فأي طفل في العالم يحتاج إلى الأجواء الأسرية ليكبر وينمو بشكل سليم من الناحية النفسية، هناك أكثر من 150 أسرة احتضنت أطفالا من الدار وتعايشوا في أجواء أسرية صحية بأقل عدد من المشكلات، 11 يتيما بقوا من دون احتضان وهذه هي النتيجة».
ويكشف أن الأطفال مجهولي الأبوين يُحتَضَنون في مرحلة مبكرة، مشيرا إلى آن طلب احتضان الإناث أكبر من الطلب على الذكور، مؤكدا: «أن الأطفال المنتسبين إلى الدار كلهم فوق الستة أعوام، ولا نزال نبحث جاهدين عن أسر ترعاهم وتحتضنهم». مطالبا الأسر التي تعاني من مشكلات العُقم أو قلة الأبناء بالمشاركة في إيجاد حل لهؤلاء الفتية من خلال الإقبال على الاحتضان الذي يُحتسب أجره عند الله تعالى.
يؤكد كل من كمال ومحسن أن مشكلات الأيتام مجهولي الأبوين هي ذاتها في كل دول العالم، إذ يبقى الشعور الناقم على المجتمع متوقدا لا يهدأ مهما كانت الظروف المعيشية والمجتمعية ميسّرة أو متعسّرة، ويقولان: «في المخطط تنظيم زيارات بين أطفال العالم الذين يعانون من المشكلات نفسها ليتيقنوا أنهم ليسوا وحدهم في العالم وأن هناك مثلهم الآلاف».
هذا الملف الذي فتح على عجالة قلّب أوراقا ظلت مطوّية لسنوات طويلة، وهي بحاجة اليوم إلى مَن يقلّبها بحكمة ليتحقق من صحة ما يطرحه الطرفان، في محاولة للوصول إلى برّ أمان قبل أن تنفجر القنبلة الموقوتة التي تحدّث عنها مسئولو الدار
العدد 113 - الجمعة 27 ديسمبر 2002م الموافق 22 شوال 1423هـ
نقدر نزورهم واذا اي في وقت مخصص ولا عادي في كل اوقات؟
حسبنا الله ونعم الوكيل
فأما اليتيم فلا تقهر