العدد 2136 - الجمعة 11 يوليو 2008م الموافق 07 رجب 1429هـ

عاشق الكالسيوم يعود بحلم تأسيس منظمة للأمراض النادرة في الشرق الأوسط

عاش لأكثر من 18 عاما وهو يحمل على ظهره الذي تقوس مرضا نادرا لم يعرف الأطباء تشخيصه. كرس نفسه طوال هذه الأعوام لإيجاد العلاج اللازم الذي سينقذه حتى أصبح يسمى باسم «عاشق الكالسيوم» ليس لحبه فيه، ولكن طمعا منه في أن يكون موجودا في جسده النحيل الذي افتقده طوال هذه الأعوام التي مرت.

حسن فضل شاب يبلغ 26 عاما وهو معروف باسم «عاشق الكالسيوم» في المجتمع البحريني عاش لمدة طويلة في رحم المعاناة، وذلك لنقص الكالسيوم في جسده، إذ إنه مصاب بنقص إفراز هرمون الباراثيرويد إلا أنه قبل عام تقريبا عاد من أميركا حاملا جنين النصر على كتفيه والذي أنجبه الصبر والأمل والكفاح المستميت، إذ عاد مرفوع الرأس لينقل تجربته وحصوله على العلاج.

«الوسط» ترقبت عودته لتنقل قصة معاناته وقصة حصوله على العلاج النادر، وذلك إيمانا بأن تجربة عاشق الكالسيوم ملكٌ للبشرية وليست له فقط.

متى بدأت رحلة المعاناة مع المرض؟

- في الأعوام الأولى في هذا العالم من حياتي لم يعترني فيها أي عارض أو مرض إلا أنه مع بداية العام الرابع من عمري وتحديدا في العام 1986 وفي الفجر أصابتني نوبة تشنج في القدمين واليدين لمدة عشر دقائق مع خروج رغوة أو زبد من الأنف وهناك كانت البداية المجهولة.

في أي عمر تم تحديد أنك مصاب بنقص الكالسيوم وخصوصا أن الأطباء لم يستطيعوا تشخيص حالتك في البداية؟

- كان عمري آنذاك خمسة أعوام وتحديدا كنا في تاريخ 20 ديسمبر/ كانون الأول 1987 إذ إنه أعلن الأطباء عن دخولي إلى عالم الهيبوباراثيرويد وهو نقص إفراز هرمون الباراثيرويد بغدد جارات الدرقية وهذا الهرمون كان المنظم لعملية التحكم في الكالسيوم، إذ إنه يساعد الجسم على امتصاص الكالسيوم لذلك فإن نقصه كان يسبب مشكلة.

كيف كانت مرحلة المعاناة؟

- عندما بلغت من العمر 15 عاما وكان ذلك في الأشهر الأوائل من العام 1997 بدأت حالتي الصحية تتدهور بشكل كبير، ما جعلني حبيسا بالمستشفى وخصوصا أني كنت دائما أتردد على المستشفى نتيجة هبوط مستوى الكالسيوم وظهور أعراض المرض والتي من أبرزها التشنج وآلام العضلات ومنذ ذلك العام بدأت أنشطة حياتي الطبيعية تتوقف.

في العام 2001 وصل هذا التدهور ذروته، عندها تم إدخالي للمستشفى ومكثت في المستشفى مدة 4 أشهر متتالية وكان يتم تزويدي هناك بالكالسيوم عن طريق الوريد، إذ كنت أعيش في عالم آخر لا تتجاوز حدود جدران المستشفى الأسمنتية، وبعد عناء قام الطبيب المشرف على علاجي غازي المحروس بكتابة تقرير لقسم العلاج في الخارج وتم اختيار فرنسا ووافقت الوزارة إلا أن هذه السفرة لم تسفر عن أي نتيجة فالحال ظل على ما هو عليه.

وبعد فرنسا، كيف كانت رحلتك في البحث عن علاج؟

- كانت بدايتي من موقع «غوغل» كتبت اسم المرض فوجدت موقعا لجمعية أميركية للمرض الذي أعاني منه وهي جمعية الهيبوبارثيرويد الدولية الموجودة في أميركا وقمت بتسجيل عضوية فيها وتم قبول طلبي ودخلت لعالم الجمعية الرحب وتم وضع صورتي وقصتي مع المرض في موقع الجمعية وتعرفت على الكثير من المرضى من مختلف الأعمار والبلدان.

وبعد عدة مشاركات وقعت يداي على موضوع عن علاج جديد للمرض وهو حقن هرمون الباراثيرويد المصنع، وتعرفت على أول مريضة استخدمت العلاج وهي هلا رث من آيسلندا وقمت بمراسلتها وأرشدتني هي ووالدتها للطبيبة كارين وينر وهي أول طبيبة تستخدم هذا الدواء للعلاج وأرشدتنا للشركة التي تنتج الدواء وهي إيلي ليلي وابدت استعدادها لمساعدتنا في استخدام الدواء.

إذا كان بصيص الأمل على الحصول على الدواء موجودا...

- نعم، إلا أنه بعد عدة مراسلات قام بها قام المشرف على معالجتي غازي المحروس مع الشركة التي تنتج الدواء جاء الرد برفض طلبنا شراء الدواء، لأن منظمة الغذاء والأدوية لم توافق على استخدامه، وبعدها استنجدت برئيس الجمعية جيمس سيندر فأخبرني بأن هلا رث وهي المريضة التي تحصل على هذا العلاج تحصل على الدواء من شركة سويدش أورفان ونصحني بمراسلتها فاتصلت بالمريضة هاتفيا وتحدثت مع والدتها التي أرشدتني لشركة سويدش أورفان في السويد والتي تصنع الدواء فقط لهلا، وعن طريق هلا ووالدتها حصلنا على موافقة الشركة، لكن كان السعر باهظ الثمن ويكلف 110 آلاف دولار في السنة، لأنه ينتج لمريضة واحدة، ما جعلنا نلجأ إلى وزارة الصحة التي رفضت بسبب أن الدواء باهظ الثمن إضافة إلى أنه لايزال تحت الدراسة.

وماذا عن وجود أخبار تفيد وجود دراسة في جامعة كولومبيا بشأن علاج المرض بحقن الهرمون؟

- وصلتني رسالة من رئيس الجمعية جيمس سيندر بعد فترة من المحاولات يبشرني فيها ويخبرني بوجود دراسة في جامعة كولومبيا عن علاج المرض بحقن الهرمون وأنه بعث معلومات عني إليهم وأنهم سيراسلونني، وفي اليوم التالي وصلتني رسالة من دكتورة ميشيلا روبن من جامعة كولومبيا تدعوني فيها إلى الانضمام إلى الدراسة. شجعني الجميع على ذلك إلا أن المشكلة كانت أنه لابد أن تدعمني إحدى الجهات وخصوصا أن وزارة الصحة رفضت الطلب، إذ إنها اعتبرت أن إرسالي إلى هناك تجربة وهناك قانون في الوزارة يقضي بألا يسمح بإرسال مرضى للعلاج تحت التجربة فلم يكن أمامي إلا البحث عن داعم آخر، فلجأت للصحافة مجددا لأرى جمعية حقوق الإنسان تدعمني.

وكيف كانت الرحلة إلى كولومبيا؟

- مع كل الدعم الذي حصلته تفاجأت في النهاية بأن الجامعة تتصل وترفض زيارتي، إذ تلقيت رسالة من الطبيبة ميشيلا روبن تخبرني فيها بأنني لن أستطيع المشاركة في الدراسة وتطلب مني عدم الحضور لجامعة كولومبيا وهو أشبه بالرفض والسبب هو وضعي الصحي السيئ واحتياجي للكالسيوم عن طريق الوريد يوميا.

بعد الرفض، هل استمرت رحلة البحث عن علاج؟

- نعم، بعدها لجأت أنا والمشرف على معالجتي غازي المحروس إلى مركز جوسلين في البحرين وهو فرع لمركز جوسلين في أميركا وهناك قابلنا نسرين التي وافقت على تبني قضيتي وبعد سلسلة اتصالات مع مركز جوسلين في أميركا تم جلب الدواء للبحرين وتم التنسيق مع وزارة الصحة.

متى تم الإعلان عن وجود علاج لمرضك؟

- في 2 يناير/ كانون الثاني 2006 استخدمت الحقنة الأولى من هرمون الباراثيرويد في مركز جوسلين. وأعتبر هذا اليوم هو يوم ولادتي في هذه الدنيا فبعد أخذ تلك الحقنة أحسست بنشوة النصر إلا أنه بعد ذلك ظهرت لدي أعراض في نقص فيتامين «د» ومع بعض الفحوصات تمت معرفة أن البحرين لا تملك علاجا لهذا النقص وخصوصا أن له عدة أنواع لذلك أصبحت أتعالج عن نقص الفيتامين في الخارج إضافة إلى علاجي من نقص الكالسيوم في الوقت نفسه.

وكيف تستخدم هذا العلاج الآن؟

- أقوم باستخدامه عن طريق الإبرة الموجودة في المنزل إلى جانب أني أقوم بزيارة ميشيلا روبن في جامعة كولومبيا وذلك للتأكد من تقبل جسمي إلى الحقن.

كيف تستطيع التعامل مع المجتمع والعائلة الآن؟

- بعد استخدامي إلى العلاج أصبحت إنسانا مختلفا ففي السابق كنت عصبيا في الوقت الذي أصبحت فيه الآن إنسانا هادئا بعيدا عن التوتر والعصبية وخصوصا أن نقص الكالسيوم له سبب في زيادة العصبية وحدة التوتر عند المريض.

وكيف كانت المشاركة في المؤتمر الذي عُقد بماريلاند لمناقشة العلاج والمرض والذي كنت السبب في وجوده؟

- بعد أن تلقيت العلاج كنت على اتصال مع المريضة الموجودة في آيسلندا وهي هلا رث واتفقت معها على أن نعقد لقاء مع الجمعية المعنية بالمرض وخصوصا أني لم أرهم مسبقا وبالطبع تم التخطيط إلى المؤتمر. وفي اليوم الموعود ألقيت كلمتي والتي بها أفرغت بعضا من مشاعري التي كبتها أمام أكثر من 100 مريض مصابين بالمرض نفسه وشاركنا بعضنا سنين الألم مع المرض، إلى جانب أننا اقترحنا أن يكون لنا يوم عالمي واتفقنا على 5 يناير/ كانون الثاني من كل عام هو يوم مرضى نقص الكالسيوم.

كيف كانت رؤيتك المستقبلية عند العودة إلى الوطن؟

- عدت للوطن مثقلا بالذكريات الحلوة وبرصيد معنوي ضخم يدفعني لمواصلة النضال من أجل حياة أفضل لمرضى الهيبوباراثيرويد وابتسامة عريضة، إذ قلت في نفسي إنه حان الوقت لتنفيذ التعهدات التي قطعتها على نفسي في المؤتمر وهي تأسيس جمعية للمرضى في منطقة الشرق الأوسط والعمل مع أعضاء الجمعية لجعل 5 يناير يوما عالميا للمرض.

وبالطبع ها نحن الآن نسعى أنا والمشرف على علاجي إلى تأسيس جمعية لأمراض الكالسيوم في البحرين لتضم جميع المرضى وخصوصا بعد سماعي عن وجود شخص مصاب يعاني المرض نفسه الذي أعانيه لذلك فإنه أصبح على عاتقي أن أنقل تجربتي وخصوصا أني لست أنانيا لأجمع الغنائم وأنسحب من المعركة تاركا باقي المرضى يصارعون لوحدهم، إذ أني أحاليا أكرس نفسي لهؤلاء المرضى من خلال نقل معاناتهم إلى جمعية الهيبوبارثيرويد الدولية في أميركا التي تنقل بدورها تقاريرهم إلى جامعة كولومبيا من أجل معرفة ما إذا كان باستطاعتهم توفير العلاج المناسب لهم.

إذا حلم الجمعية هو الذي راودك بعد الحصول على علاج؟

- ليس حلم تأسيس جمعية فقط، إذ أسعى إلى أن تكون هناك منظمة تعنى بالأمراض النادرة وخصوصا أنها لا تحظى بأي اهتمام في الوسط الخليجي والعربي في الوقت الذي يكون الاهتمام بالأمراض المعروفة فقط، ما يجعل المصابين بالأمراض النادرة كالمنبوذين لا يوجد من يهتم بهم ولا من يراعي احتياجاتهم، وبالنسبة إلى الجمعية فإن غالبية الجمعيات في البحرين هي جمعيات للأطباء وليس للمرض ماعدا جمعية السكلر لذلك فإنه لابد أن تكون هناك جمعية تنقل معاناة مرضى أمراض الكالسيوم، فإذا كان المرضى هم أصحاب الجمعية فقدرتهم على نقل تجربتهم أفضل من الأطباء الذين يطرحون مواضيع محدودة فقط.

ماذا تطلب من المجتمع الآن؟

- لا أطلب شيئا سوى الاهتمام بالأمراض النادرة والسعي إلى تأسيس منظمة تضم الأمراض النادرة وذلك من أجل التوصل إلى علاج لهذه الأمراض.

العدد 2136 - الجمعة 11 يوليو 2008م الموافق 07 رجب 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً