تباينت الآراء بشأن إيجابيات وسلبيات الزواج المبكر في المجتمع، وانقسم المجتمع إلى موقفين، فالبعض يقف موقف المعارض لما يرى في الزواج المبكر من أضرار صحية واجتماعية ونفسية قد تلحق بالمجتمع والعائلة، والبعض يقف موقف التأييد إذ لا يرى ضررا من الزواج المبكر، بل يؤكد فوائده وحسناته التي تعود على المجتمع.
من جهته، أيّد عبدالله ملا يوسف الزواج المبكر لكلا الجنسين، معللا ذلك لوجود قوى وطاقات أو شهوات يريد الشباب إشباعها إما بالزواج أو باللجوء إلى المحرمات، لذلك فإن الزواج هو الحل الأفضل والأمثل لحماية الشباب من الانجراف في طريق المحرمات. ويضيف أن الشباب في عصرنا الحالي يواجهون الكثير من الصعوبات التي تحول بينهم وبين الارتباط المبكر، وذلك للفترة الطويلة التي يقضونها في الدراسة ما يجعلهم أكثر عرضة للانحراف، وكحل لهذه المشكلة يقترح عبدالله أن يرتبط الشاب بالشابة بعقد الخطوبة في فترة الدراسة، وبعد الدراسة يتم عقد قران الزواج.
الزواج المبكر سبب للطلاق
أما باسل الغازي فيعارض بشدة الزواج المبكر، ويرى أنه أحد الأسباب القوية والرئيسية لانتشار ظاهرة الطلاق، ويرجع الغازي ذلك إلى كون الشاب أو الشابة لم يصلا بعد إلى مرحلة النضج التام التي تؤهلهما إلى خوض الحياة الزوجية، وأن الشاب خصوصا يكون غير قادر على تحمل أعباء الزواج من ناحية مادية.
كما يضيف الغازي أسبابا أخرى لانتشار الطلاق، تتمثل في عدم تكافؤ كلا الطرفين فكريا، وتركيز الشاب على شكل ومظهر الفتاة، والبنت بدورها تركز دائما على الجوانب المادية، وبحسب الغازي فإن السن الأمثل لزواج الشاب يتراوح ما بين 26 و28 عاما، والسن الأمثل للفتاة هو من سن 22 إلى 25 عاما، إذ يكون الشاب قد أنهى الدراسة الجامعية وأصبح قادرا على تكوين نفسه، أما الفتاة فقد أصبحت أكثر نضجا ووعيا.
ويؤيد عقيل محمد صالح ما جاء به الغازي في كون الزواج المبكر هو أحد الأسباب المباشرة للطلاق نتيجة لعدم احتكاك أحد الطرفين بتجارب الحياة، فضلا عن ضعف الثقافة بالحياة الزوجية والعجز عن تحمّل مسئولية الزواج والضعف أمام تحديات الحياة والتفاهم معها بحكمة.
ولكن يرى عقيل أن للزواج المبكر فوائد كثيرة تعود على الفرد والمجتمع، فأهم هذه الإيجابيات هي الحد من القضايا الأخلاقية التي يرتكبها الجنسان، إلى جانب تكوين مجتمع فتي يُعتمد عليه في شتى المجالات، وخلق الإحساس المبكر بالمسئولية لدى الشباب.
«لا أجد مدخلا منطقيا يجعلنا نعتبر أن الزواج المبكر من الأسباب الرئيسية للطلاق»، هذا ما ذكرته مريم الملاح، ولكن لم تستبعد الملاح وجود حالات استثنائية يمكن من خلالها اعتبار الزواج المبكر أحد أسباب الطلاق، كأن يكون أحد الزوجين أو كلاهما صغيرا في السن بحيث لم يصلا بعد إلى مرحلة من النضج تؤهلهما لدخول معترك الحياة الزوجية، وفي هذه الحالة فإن مسألة الطلاق تكون بالنسبة لهما هينة وبسيطة لأنهما بطبيعة الحال لا يقدران العواقب وحجم الخسائر التي يمكن أن تترتب على إيقاع الطلاق، أو قد تكون حداثة السن وقلة الخبرة لدى الزوجين سببا في نظر الأهل يجيز لهم التدخل في كل صغيرة وكبيرة في حياة الزوجين، ما يؤدي إلى هدم عش الزوجية.
أما الأسباب الأخرى التي تراها الملاح قد تكون سببا وجيها جدا للطلاق، وعلى رأسها سوء الاختيار لشريك أو شريكة الحياة، وتسلط الزوج قد يكون سببا في ذلك، فبعض الأزواج وخصوصا إذا كان أكبر من زوجته سنا يعمد إلى التضييق عليها، وهو في اعتقاده أنه الأكثر خبرة في الحياة منها، في حين أن الواقع هو أن هذا الزوج يدفع بزوجته لأن تبتعد بروحها وتنأى عنه شيئا فشيئا، ومتى ما انحل الرباط العاطفي بين الزوجين كان الانفصال هو أقصر السبل لإنهاء المعاناة لكلا الطرفين.
الطلاق بين الآثار والأسباب
«التأني والتروي في الزواج يعد مستحسنا بعض الشيء، ولكن يترتب عليه وقوع صاحبه في المحظور كالعلاقات غير شرعية في حال عدم وجود الوازع الديني أو القدرة على توجيه الذات نحو الاتجاه السليم»، هذا ما أفادنا به اختصاصي إرشاد تربوي بوزارة التربية والتعليم ماجد عبدالنبي، ويضيف عبدالنبي أن الزواج المبكر قد يكون سببا لوقوع الطلاق إذا تضافرت معه بعض الأسباب مثل عدم وجود جو من التفاهم والود بين الزوجين لحداثة المرحلة الجديدة التي يمر بها الزوجان وافتقاد العلاقة للحنان والود والعطف والتقدير والاهتمام المتبادل.
كما يرى عبدالنبي أن لظاهرة الطلاق آثارا كبيرة قد تؤدي إلى فقدان الأبناء للرعاية والعطف والحنان من قبل الوالدين ما يؤدي إلى ضياعهم وتشتتهم، فضلا عن انتشار بعض السلوكيات المنحرفة مثل السرقة، التسول والإجرام والإدمان.
وتشارك رباب أحمد الرأي في كون الزواج المبكر قد يكون أحد أسباب الطلاق في حال تضافرت معه بعض الأسباب الأخرى، فهي ترى أن الزواج المبكر قد يؤثر في قرار الطلاق نتيجة لكون الإنسان بطبعه ليس ثابتا في أفكاره وتفكيره، فالحقائق التي تحيطنا تتغير دوما، وأيضا نظرتنا للأمور، فربما تلك الفتاة التي اختارها ذلك الشاب حين كان يافعا في بداية مرحلة الشباب هي ليست ذاتها شريكة حياته التي يتمناها بعد حين، أي بعد نضوجه العقلي والذهني بصورة تامة، وتضيف سببا آخر للطلاق وهو عدم معرفة شخصية كل منها مسبقا قبل الزواج.
الزواج المبكر بين السلب والإيجاب
أما الشيخ عبدالهادي المخوضر فيبدأ الحديث بتعريف الزواج المبكر بأنه «إقدام الزوجين على إبرام العلاقة الزوجية في وقت يعد مبكرا عرفا، كأن يكون المتعارف هو سن العشرين فيكون عندها الزواج المبكر أقلّ من ذلك - 17 سنة مثلا -».
ويؤيد المخوضر الزواج المبكر مادام مؤطرا بضوابط شرعية وأخلاقية، وذلك عندما يأتي في سياق ثقافة التحصين للبنت وللولد، مع ضرورة التهيئة والتثقيف التربوي الذي يجب أن يسبق الزواج.
ويأتي تأييد المخوضر للزواج المبكر نتيجة لما يرى فيه من إيجابيات منها التقارب في السن بين الآباء والأبناء بحيث يكون الفارق في السن بينهما قليلا فيستطيع الآباء من خلال ذلك رعاية أبنائهم والسهر على راحتهم وهم أقوياء كما يستفيدون من خدمة أبنائهم لهم. كما أن الزواج المبكر - بحسب المخوضر - يقلل من الوقوع في الرذيلة والانحراف والشذوذ الجنسي، كما أنه ضمان للمحافظة على النسل وتعمير الكون وازدهاره.
ويرى المخوضر أنه من الناحية العملية يمكن أن يكون الزواج المبكر أحد أسباب الطلاق، وذلك في حال ما إذا كان الزواج المبكر بلا مقدمات تمهيدية وبلا خلفية تربوية يستطيع من خلالها أن يتأقلم مع الحياة الجديدة، ويشير المخوضر إلى أن تنازع القوامة أحد المسببات للطلاق، فالأصل أن القوامة للرجل لقوله تعالى: «الرجال قوامون على النساء» (النساء: 34)، فالرجل هو الذي ينفق على الأسرة وهو الذي يتولى مسئوليتها، ولكن التربية المعوجة هي التي أثمرت لنا المرأة المسترجلة التي شابهت الرجال، ما يؤدي إلى فقدان الاحترام والمودة بين الزوجين.
ويؤكد المخوضر أن التثقيف المسبق عن الزواج، وحسن الاختيار لكلا الطرفين وحفظ حقوق الزوج والزوجة، هي أفضل الحلول للحد من ظاهرة الطلاق المتفشية في المجتمع.
وعلى رغم اختلاف الآراء وتباينها في كون الزواج المبكر أحد أسباب الطلاق، يطرح السؤال نفسه، هل الزواج المبكر والطلاق وجهان لعملة واحدة؟!
العدد 2143 - الجمعة 18 يوليو 2008م الموافق 14 رجب 1429هـ