أكد نواب وقانونيون أن الديوان الخدمة المدنية لا يعترف بتوجيهات جلالة الملك والأهداف الإصلاحية التي تسعى السلطة العليا لتحقيقها، وقالوا إن التعميمات الأخيرة التي أعلن عنها الديون «متخلفة»؛ لأنها تتناقض مع ما يطرحه الدستور والقانون، وتحول البحرين إلى بلد مخابرات وتجسس.
وشدد النواب والقانونيون على ضرورة تدخل القيادة العليا لتحديد صلاحيات ديوان الخدمة المدنية الذي بدأ يتقمص أدوار وزارات وجهات حكومية أخرى، باعتبار أنه أصدر العديد من التعميمات والقرارات المتخبطة التي لا يوجد لها أي مبرر سوى زعزعة علاقة الموظفين والمواطنين بصورة عامة مع الحكومة.
جاء ذلك في ندوة حوارية نظمها الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين مساء أمس الأول (الأربعاء) في مقر الاتحاد بالعدلية، على هامش التعميمات الصادرة عن ديوان الخدمة المدنية بشأن حظر مشاركة الموظفين الحكوميين في الاعتصامات والمسيرات.
تعميمات مرفوضة نهائيا
أكد الأمين العام للجمعية البحرينية لحقوق الإنسان عبدالله الدرازي أن «التعميم الذي أصدره رئيس ديوان الخدمة المدنية أحمد الزايد الذي حذر فيه موظفي الحكومة يعد تعميما مرفوضا تماما وغير دستوري».
وقال الدرازي: «إن هذا التعميم غير دستوري؛ لأنه يحد من الحريات الشخصية ويتنافى مع مبادئ كثيرة وحرية التعبير التي كفلها الدستور والميثاق، وكذلك يتعارض مع حق المواطن في المشاركة في التظاهرات السلمية، كما يتعارض بشكل صارخ مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي انضمت إليه البحرين».
وأوضح الدرازي أن «هناك قوانين مثل قانون التجمعات وقانون العقوبات تحاسب أي شخص إذا كان شارك في العنف، فمعالجة استخدام العنف موجودة في التشريعات البحرينية، ولكن هذا التعميم ضد المبادئ الوطنية والدولية؛ لأنه يعاقب الشخص مرتين، على حين الديمقراطية تدعو إلى تعزيز المشاركة في الشأن العام وإصدار تعميم من هذا النوع يحد من هذا الحق، فالديمقراطية هي سلة كاملة مترابطة لا يمكن اجتزاؤها».
وأضاف الأمين العام للجمعية البحرينية لحقوق الإنسان: «نحن ندعو ديوان الخدمة المدنية للتراجع عن هذه الخطوة؛ لأن القلق يراودنا من احتمال صدور تعميمات أخرى تحارب موظفي الحكومة المشاركين في الجمعيات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني».
وواصل الدرازي «حتى لو افترضنا أن شابا عمره 15 سنة شارك في اعتصام غير سلمي، وحوكم ولكن هذا الشخص بعد تخرجه من الجامعة سيحرمه ديوان الخدمة المدنية من التوظيف وهذا ليس من حقه؛ لأن هذا أمر غير منطقي».
لماذا لا توجد تعميمات ضد التميز؟
وأشار الدرازي إلى أن «هناك عددا من المواد القانونية الجيدة المتوافرة ضمن قانون الخدمة المدنية لا تطبق فعليا، لأن الوعي لدى موظفي الدولة غير موجود. وعلى ديوان الخدمة بدلا من تشكيل لجان تحقيق في هذا وذاك أن يشكل لجانا لتفهيم الموظفين بحقوقهم والقانون»، مبينا أن «المادة 81 من القانون تشكل خطرا كبيرا نظرا لإمكانية التحكم في فهم المادة بالطريقة المطلوبة، فهي غير محددة وواضحة وتترك المجال أمام الديوان للتلاعب في القانون والموظفين حسبما يرد».
من جهته، قال المحامي حميد الملا إن «التعميمات مناقضة للاتفاقات الدولية وكل الأعراف التي تسهل استمرارية الموظف في عمله، وهي محاولة لتكميم الأفواه وقصر عمل الموظف على أن يؤدي عملا في مؤسسته بعيدا عن هموم الناس ومشاكلهم، ليصبح بالتالي مراقبا». وأضاف أن «القانون يكفل ضمن المواد المتعلقة بحرية الأفراد أن يختاروا ويقوموا بنشاط سلمي موجه لتحسين ظروفهم بالطرق السلمية وما يكفله القانون».
ولفت الملا إلى أن «هذه التعميمات ستؤدي لجعل الموظف في حالة خوف، وإبعاده عن هموم بلده ومصير أبنائه، فضلا عن أنه سيجعل العمل النقابي والسياسي في دائرة مغلقة».
مصادرة حقوق الناس
وتابع المحامي عيسى إبراهيم في مداخلة له، وقال «أنا أعتقد أن التعميمات الأخيرة ليست أول تعميم لديوان الخدمة المدنية، إذ كانت هناك تعميمات سابقة في الاتجاه نفسه، ومن ضمنها حظر تنظيم العمل النقابي في وزارات الدولة»، موضحا أنه «لو رجعنا للخلف أكثر فسنرى أن مسلسل التراجع والتضييق على الحريات بدأ من خلال المراسيم بقوانين أو حتى من خلال مجلسي النواب والشورى، لأن هناك المزيد من التضييق والمصادرة لحقوق الناس، إذ تتوافر مواد قانونية جيدة لكن تقيدها مراسيم بعدها».
وبين إبراهيم في ختام مداخلته أن «الكلام في هذا الموضوع قد يكون مستهلكا، ولكن الأهمية تكمن في كيفية مواجهة الاتحاد العام لنقابات العمال والناس لهذه التعميمات والتوجيهات الغبية».
وأما النائب حيد الستري، فأكد أن «مثل هذه التعميم يعمل بشكل كبير في تضييق الحريات العامة، بالإضافة إلى تعارضه مع الدستور، وهو ما يؤثر بالتالي على سير السلطة القضائية والتدخل في صلاحياتها، لأنه يعطي لمدير العمل أن يعاقب العامل بحسب التعميمات دون اللجوء للقضاء».
وقال الستري «للأسف، بعض التعميمات تحول البلد إلى دولة مخابرات، من خلال تحويلها الرؤساء والمديرين في العمل إلى جهاز مخابرات يلاحقون موظفيهم داخل العمل وخارجه»، موضحا أن «الديوان في هذه الحالة لا يحقق الغاية التي وجد من أجلها».
«الخدمة» يسعى لتكميم الأفواه
وأبدى نائب الأمين العام للاتحاد العام لنقابات عمال البحرين إبراهيم حمد مدى المعاناة التي لاقاها الاتحاد والعمال من ديوان الخدمة المدنية، وقال إن «الديوان غالبا ما يصدر مثل هذه الأمور الشائكة لأهداف مجهولة ومبطنة، فهو يذهب إلى تحريض الوزارات والجهات الحكومية على التحقيق والمراقبة العمياء».
وأوضح حمد أن «البحرين تؤكد على توفير صحافة حرة موضوعية في الوقت الذي تكمم الحكومة أفواه المواطنين الذين تمثل نسبة كبيرة منهم موظفين في الوزارات الحكومية، فكيف يمكن تحقيق ذلك الهدف في الوقت الذي يمارس الديوان هذه التصرفات؟».
وواصل حمد «أنا أعتقد أن هناك تخبطا في مثل هذه الأمور بسبب عدم وجود آليات تدقق وتثبت مشاركة الشخص في المسيرات والاعتصامات وغيرها، كما أن الديوان يتقمص دور جهات حكومية أخرى، رغم أنه يفترض بالديوان أن يصدر تعميمات وقرارات لمصلحة البلد لا لدمارها، فلماذا لا تصدر قرارات تمنع التمييز والطائفية وغيرها؟».
العدد 2177 - الخميس 21 أغسطس 2008م الموافق 18 شعبان 1429هـ