يعم الغلاء المعيشي اليوم العالم من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه، إذ يعد مشكلة اقتصادية يعبر عنها في القاموس الاقتصادي بـ «التضخم». وقد ساهم الغلاء في تردي الأوضاع الاقتصادية وتفاقمها في غالبية دول العالم بالإضافة إلى أنه شكل شبحا مخيفا راح يهدد حياة الكثيرين من الناس. من هنا نتساءل من هم الذين يتأثرون بالغلاء؟ وما الذي يمكننا فعله كأفراد في هذا المجتمع لتقليص حجم هذه الظاهرة؟
من جهته، أفاد الأستاذ الجامعي ناظم الصالح أن انتشار ظاهرة الغلاء المعيشي يعود إلى أسباب داخلية وأخرى خارجية بالدرجة الأولى والتي من بينها ارتفاع أسعار النفط الذي أثر في ارتفاع أسعار الطاقة، ما أدى إلى زيادة أسعار المواد المصنعة والمواد الغذائية، أما السبب الثاني فيكمن في أن البحرين تعتمد بكثرة على الاستيراد الخارجي للسلع باهظة الثمن نتيجة لانخفاض سعر الدولار في الدول المصنعة لهذه السلع.
وبحسب الصالح، فإن إنفاق الحكومة المفاجئ على المشروعات الحكومية الضخمة نتيجة السيولة التي تدفقت على خزينة الدولة تعد خطوة غير مسبوقة ساهمت في خلق آثار تضخمية في الأسعار، وأكد الصالح أن العادات الاستهلاكية اليوم وانتشار مظاهر الترف والاستهلاك وخصوصا الاستهلاك لدى النساء يشكل سببا في تفاقم الغلاء بين الناس.
وشدد الصالح على ضرورة القضاء على غول الغلاء من خلال الدعم الحكومي للطبقات الفقيرة في المجتمع، بالإضافة إلى التدرج في زيادة الرواتب مع مراعاة القدرة الشرائية للناس. كما أكد أهمية إيجاد اقتصاد إنتاجي قادر على زيادة وتنويع الإنتاج المحلي الذي يقلل بدوره اعتماد الدولة على الاستيراد الخارجي، وناشد الصالح ضرورة ضبط العادات الاستهلاكية لدى الناس وخصوصا ربات البيوت من خلال توعيتهن بأساليب الاستهلاك الصحيح.
الغلاء يجتاح العالم
إلى ذلك، رأى مدير العقود بشركة طيران الخليج محمد الزاير، أن الغلاء ظاهرة عالمية اجتاحت سكان الكرة الأرضية من أقصاها إلى أقصاها وباتت أمرا محل تذمر من الناس على مختلف درجاتهم وخصوصا الطبقات الفقيرة.
وأشار الزاير إلى أن أسباب الغلاء تعود إلى عوامل مختلفة منها اقتصادية وسياسية وطبيعية، وقال: «في الوقت الذي تحاول فيه بعض الدول كالولايات المتحدة الأميركية الاستفادة من الوقود الحيوي كطاقة بديلة عن النفط الذي قد ينضب في أي لحظة يرتفع الطلب على استهلاك الكثير من الحبوب وأنواع الأطعمة الأولية ليزيد في استهلاكها ومن ثم ارتفاع أسعارها إلى مستويات خيالية وبالتالي تتسع الدائرة إلى الغذاء بشتى أنواعه».
وأكد الزاير أن الكثير من الدول تفرض قوانين مختلفة لحماية مصالحها في العالم أو هي كرد فعل طبيعي أو غير طبيعي، ما يؤدي إلى زيادة متواصلة في الأسعار، كما أن هناك أزمات طبيعية ساهمت في خلق أزمة الغلاء التي يعيشها العالم، فالجفاف في أستراليا، وحقول الحبوب التي دمرتها السيول في جنوب ووسط آسيا وغير ذلك أمور أدت إلى شح الموارد الضرورية بحيث أصبحت أقل عرضا وبالتالي ارتفعت أسعارها بحسب القاعدة الاقتصادية المعروفة.
وأشار الزاير إلى أن الزيادة في الأسعار لا تعكس الأزمة الطبيعية بتجرد، وإنما زاد من حدة المشكلة الجشع العالمي والإقليمي والمحلي على حد سواء في مضاعفة الأسعار وهنا تقع الكارثة، فعلى التجار أن يرحموا المستهلكين ويقنعوا بما كانوا يقنعون به ولكن الحاصل اليوم هو التصيد في الماء العكر.
خسارة بنسبة 80 %
وبالانتقال إلى السوق، قال تاجر الخضراوات والفواكه عمار السماهيجي، إن ارتفاع أسعار الديزل بنسبة تصل إلى 40 في المئة ساهم في ارتفاع أسعار الخضراوات. وتوقع السماهيجي ارتفاع الأسعار إلى مستوى عبّر عنه بـ «الخيالي مع حلول شهر رمضان».
وراح السماهيجي يعبر عن أزمة ارتفاع الأسعار وأثرها عليه كتاجر، إذ بين أن التاجر يخسر بنسبة تصل إلى 80 في المئة بسبب ارتفاع أسعار نقل البضائع، فعلى سبيل المثال تستنزف عملية نقل البضائع من الأردن إلى البحرين ما نسبته 40 في المئة من الفائدة التي يتحصل عليها التاجر، في حين تستنزف الإجراءات المتبعة على جسر الملك فهد ما نسبته 40 في المئة أيضا.
وأضاف السماهيجي أن فترة الصيف هذه تشهد تراجعا في إقبال الناس على شراء الفواكه والخضراوات بسبب سفر الكثير من المواطنين والمقيمين إلى الخارج، ورأى السماهيجي أن عادات الناس الشرائية لكميات الخضراوات والفواكه قد تغير اليوم عن السابق، ففي السابق يلجأ الناس إلى الشراء بالجملة أما اليوم وبسبب ارتفاع الأسعار راح الناس يشترون بكميات قليلة.
أين وعود الحكومة؟
وأمسك المتقاعد علي حسن بطرف الحديث، وقال: «إن وسائل الإعلام تشيد بدور الحكومة وسعيها في تحسين الوضع المعيشي للمواطنين، ولكن بحسب رأيي أن جميع هذه الأمور مجرد هتافات لا أساس لها من الواقع»، وبين أن أكبر مثال على ذلك علاوة الغلاء التي وعدت بها الحكومة وحرم منها الكثير من الشعب الذي هو واحد من بينهم مازال ينتظر هذه العلاوة كما يشعر بأنه في أمسِّ الحاجة إليها.
وأوضح أن راتبه الشهري قليل جدا، إذ يصل إلى 170 دينارا شهريا ولا يتبقى منه شيء للتوفير، كما أشار إلى أن ارتفاع سعر الرز وغيره من المواد الغذائية شكل مأزقا بالنسبة إليه فقد كان يشتري احتياجات عائلته بالجملة سابقا أما اليوم فهو يشتري بكميات قليلة لا تكفي لسد احتياجات العائلة مع نهاية الشهر.
مواد البناء تشتعل نارا
من جهتها، قالت أم آلاء (ربة منزل) إن راتب العائلة الشهري لا يكفي لسد احتياجاتها، لأن وزارة الإسكان تستقطع ما يقرب من 230 دينارا من راتبهم الشهري بسبب القروض، فضلا عن التزامات التقاعد والتأمين بالإضافة إلى مستحقات إيجار الشقة التي يقطنون فيها. وتشعر أم آلاء بأن الأزمة تفاقمت عليهم اليوم عندما شرعوا في بناء منزل حديث بسبب الارتفاع المطرد في أسعار البناء.
وأكملت أم آلاء حديثها مبينة أن الحكومة تتبع سياسة رفع أسعار بعض المستلزمات كمواد البناء والتي بدورها تساهم في رفع أسعار المواد الغذائية. وأضافت أن مطامع التجار واتجاههم نحو رفع الأسعار كلما سمعوا بزيادة في الرواتب، كلها أمور لها تأثيرها على تفاقم الغلاء.
وأشارت إلى أن أحد الحلول لمواجهة هذه الظاهرة هو مقاطعة البضائع باهظة الثمن كما طالبت بتكاتف الجميع لإنجاح هذه الخطوة.
غياب الرز مع مرور الأيام
«على رغم العناء الذي يواجهه الناس في ظل تفشي ظاهرة الغلاء بشكل متصاعد يضطر الكثيرون إلى الاكتفاء بسد الاحتياجات الضرورية والتنازل عن الكماليات ليتسنى لهم العيش في ظل الظروف المعيشية الصعبة مع ضرورة أن يمتلك الفرد أسلوبا حياتيا مرنا قادرا على التأقلم مع متغيرات الحياة وظروفها»، هذا ما أفادت به المعلمة بوزارة التربية والتعليم بتول الصيرفي.
ووصفت الصيرفي ارتفاع أسعار الرز بـ «الجنوني»، وأشارت إلى أن رب الأسرة قام باستبدال حجم كيس الرز من 20 كيلوغراما إلى 10 كيلوغرامات أو أقل بسبب الأسعار، كما أن هناك بعض الأسر استبدلت الغالي بالرخيص.
وأضافت الصيرفي أنه مع الأيام المقبلة سيرى المواطن أنه مجبور على الامتناع عن تناول الرز يوميا أو أن يقسط تناوله على أيام الأسبوع ويستبدله بوجبة أخرى كالخبز أو المعكرونة. ورأت أن مقاطعة البضائع باهظة الثمن بادرة جيدة لتقليل حجم الغلاء ولكن ليس هو المطلوب، على حد قولها.
معا لمواجهة الغلاء
إلى ذلك، رأى مشرف المتابعة في بلدية المحرق جعفر ملا عطية أن مفعول مقاطعة البضائع باهظة الثمن سرعان ما يتفكك ويتحلل، وأضاف أن من الواجب بث الوعي في صفوف الناس وتعبئتهم لمحاربة الغلاء، ويكون ذلك بالترشيد أولا والعودة للعمل في قطاع الزراعة، وتوفير البدائل ثانيا ثم الوصول إلى الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي.
وأدلى الملا برأيه بخصوص علاوة الغلاء، قائلا «إن ما يسمى بمعونة الغلاء ذلك الحل الجزئي والمؤقت، أذلت الحكومة به الشعب أيما إذلال»، وقال الملا: «في ظل موجة الغلاء العارمة أخذ خط الأمان (الطبقة الوسطى) مؤشرا في التآكل شيئا فشيئا علما بأن الفقر المادي يجلب معه الفقر الديني وصولا إلى الانحلال والتفسخ».
العدد 2179 - السبت 23 أغسطس 2008م الموافق 20 شعبان 1429هـ