دعت الجمعيات السياسية في بيان أصدرته أمس الحكومة وقوات الأمن والمواطنين إلى ضرورة احترام حق الحياة وعدم اللجوء لأساليب العنف في حل النزاعات السياسية، وإلى الالتزام بالعمل السلمي واعتبار الأمن مسئولية بحرينية وضرورة المصالحة لإزالة آثار المرحلة الماضية وإطلاق الحريات العامة. كما طالبت الجمعيات في بيانها بضرورة إصلاح القضاء لضمان استقلاله وعدالته في فض المنازعات، وتعزيز ثقة المواطنين في النظام السياسي من خلال شراكة حقيقية في السلطة، وتعزيز ثقة المواطن بعدالة تقسيم الثروة.
وقالت الجمعيات التي وقعت البيان، وهي: الوفاق الوطني الإسلامية والعمل الوطني الديمقراطي (وعد) والتجمع القومي الديمقراطي والمنبر الديمقراطي التقدمي والإخاء الوطني والعمل الإسلامي (أمل): «في ظل تكرار المواجهات والأزمات الأمنية التي تنفجر من حين لآخر وتعكس حالة الإحتقان السياسي وانسداد أفق الإصلاح في الأمد المنظور، وهي المواجهات التي سقط فيها متظاهرون ورجال أمن وتعرض فيها عدد كبير من المواطنين الأبرياء للإصابة بالطلقات المطاطية أو للاختناق بسبب كثافة الغازات المسيلة للدموع كما تعرضت الممتلكات العامة والخاصة لتلفيات وخسائر مادية، وفي ظل عدم وجود أية جهود حكومية جادة في البحث عن حلول للأسباب التي تكمن وراء التوترات السياسية والاجتماعية وتخلق بيئة مناسبة لفقدان الثقة بين شرائح واسعة من المجتمع من جانب والدولة من جانب آخر وتؤدي إلى خلق بيئة تشجع على العنف والعنف المضاد، ومن أجل تشجيع الحوار والبحث في قضية العنف واجتثاث أسبابه وتجفيف منابعه، فإن الجمعيات والقوى السياسية البحرينية الموقعة على هذا البيان ترى ضرورة طرح موقفها من قضية العنف وأهمية معالجة أسبابه، ودعوة جميع الأطراف الى الالتزام باحترام حقوق الإنسان السياسية والاجتماعية والاقتصادية وتحقيق العدالة».
وفيما يتعلق بالالتزام بالعمل السلمي دعت الجمعيات الحكومة وقوات الأمن والمواطنين الى «ضرورة احترام حق الحياة وعدم اللجوء لأساليب العنف في حل النزاعات السياسية»، وطالبت الحكومة بشكل خاص «باعتبارها المسئول الأول عن الحفاظ على الأرواح والممتلكات بعدم استخدام العنف المفرط في تعاملها مع الجمهور ومنع قواتها من استخدام الرصاص المطاطي أو الحي وعدم استخدام مسيلات الدموع في المناطق السكنية وتجنب إيقاع الأذى أو العقوبة الجماعية لسكان القرى أو الأحياء التي تحدث على أطرافها المواجهات الأمنية». وفي الوقت نفسه طالبت «المتظاهرين والمحتجين بعدم اللجوء للأساليب العنيفة ضد رجال الأمن وعرباته وخاصة إلقاء قنابل المولوتوف الحارقة أو قذف الحجارة».
وأعربت الجمعيات عن رفضها «توظيف رجال الأمن وشرطة مكافحة الشغب من غير أبناء البلاد واستخدامهم في مواجهة المتظاهرين أو المعتصمين، وهي عادة دأب عليها المستعمر البريطاني قبل الاستقلال خوفا من انحياز الشرطة لأهل البلاد ورغبته في وجود جيش مرتزق ينفذ الأوامر أيا كانت دون إحساس بالمسئولية»، وطالبت «بإنهاء هذه الممارسة لخطورة ذلك على الأمن الوطني ولما تتسبب من حرمان أبناء الوطن من آلاف الوظائف العامة».
وأضافت الجمعيات في بيانها «نظرا لارتباط عدد من المواجهات الأمنية والاحتجاجات بمسألة عدم إنصاف ضحايا القمع الوحشي الذي تعرض له عدد كبير من المواطنين في المعتقلات طوال عقود ثلاثة، فإن إزالة التوتر والألم الناشئ عن هذا الجرح النازف يتطلب أن تقوم الحكومة بدورها في الكشف عن حقيقة الانتهاكات الكبيرة في حقوق الإنسان طوال مرحلة قانون أمن الدولة وتقديم الاعتذار الواجب للضحايا وأسر الشهداء وتعويضهم وإبعاد مسئولي الحقبة السوداء عن مواقع القرار وإلغاء مرسوم 56 الذي يمنع الضحايا من تقديم الجلادين لمحاكمة عادلة».
وأكدت أن «كثيرا من المواجهات تحدث بسبب فض قوات الأمن لتجمعات سلمية لا يتم الإخطار عنها، بحجة مخالفتها قانون التجمعات المقيد للحريات»، داعية الحكومة الى «الالتزام بالمعايير الدولية في سن القوانين والأنظمة المنظمة للحريات بما يكفل الحرية للتنظيم والتجمع والصحافة من دون تدخل من الدولة. فحتى بعد أكثر من سبع سنوات من بدء الانفتاح السياسي لا تستطيع الصحف أن (...) تتحدث عن أسماء من قاموا بالسيطرة على أغلب أراضي الدولة وبحارها أو أن تكشف ثرواتهم، كما لا يستطيع المواطنون تنظيم ندوات أو اعتصامات في أماكن عامة إلا بإخطار أو ترخيص من وزارة الداخلية حتى عندما تكون هذه الاعتصامات في وسط قرية أو على رصيف لا يترتب عنه تعطيل للمرور أو لمصالح المواطنين، وتمنع الجمعيات الأهلية من إقامة ندوات ذات طابع سياسي أو حتى أن تسمح لإقامة مثل هذه النشاطات في منشآتها».
وشدد البيان على «ضرورة إصلاح القضاء لضمان استقلاله وعدالته في فض المنازعات»، واضاف «يتطلب قبول المواطن التزام القانون ثقته بهذا القانون وباستقلال القضاء وعدالته حتى لا يلجأ لأخذ حقه بيده. ولا يمكن إبعاد القضاء عن نفوذ السلطة التنفيذية دون إصلاح عميق ومؤسسي يخرج الحكم من ولايته على تعيين القضاة والنواب العامين واعتبارهم موظفين في الدولة بدل أن يكونوا ضمير الأمة الحر. ولو وجد هذا القضاء العادل المستقل لكان بالإمكان اللجوء إليه لفض المنازعات السياسية والاجتماعية والخلافات حول شرعية التعديلات الدستورية أو دستورية القوانين المقيدة للحريات أو التمييز الفاضح في وزارات الدولة وأجهزتها، ولما ضاع حق أو تم التفريط في واجب ولقطعت أسباب اللجوء لأساليب خارج القانون لحسم المنازعات في وجود قضاء يحمي الحق ويصون الدستور ويضمن عدالة القانون وحسن تطبيقه على الجميع سواسية».
وركز بيان الجمعيات على أهمية «تعزيز ثقة المواطنين في النظام السياسي من خلال شراكة حقيقية في السلطة»، مبينا أن الشعب «مصدر السلطات جميعا» كما نص الدستور في مادته الأولى، «فلا يجوز إشراك طرف معين مثل مجلس الشورى أو الحكومة في عملية التشريع وإلا فقد هذا المبدأ قيمته وهو ما حدث بعد إعادة كتابة الدستور العام 2002 بإرادة منفردة من الحكم ومن غير تفويض من الشعب. ولا يجوز للحكم أن يستأثر باتخاذ قرارات مهمة من قبيل التجنيس الواسع دون مراعاة مصالح شعب البحرين أو أخذ رأيه. لذلك فإن إصلاح النظام الدستوري عبر إعادة الاعتبار لمجلس النواب ليتحول إلى مجلس حقيقي كامل الصلاحيات الرقابية والتشريعية مهمة محورية، ويتسبب عدم وجود الأمل بإصلاحه في خلق مبررات للعمل خارج النظام الدستوري المعطوب».
وختم بيان الجمعيات السياسية بالمطالبة «بتعزيز ثقة المواطن في عدالة تقسيم الثروة»، وقال: «العدل أساس الحكم»، هكذا نص الدستور في مادته الرابعة، «وعليه فإن غياب هذا العدل واستئثار القلة(...) بالثروة والموارد من الأرض والبحر والنفط لهو انتهاك خطير لنص وروح الدستور وسبب لوقوع عدد كبير من المواطنين تحت خط الفقر في بلد متخم بالثروة النفطية».
العدد 2229 - الأحد 12 أكتوبر 2008م الموافق 11 شوال 1429هـ