صور المديرين وكبار رجال الأعمال الذين اقتيدوا مكبلي الأيدي وقادة الأعمال الذين لاذوا بالتعديل الخامس كيلا يدينوا انفسهم، طغت على السنة العاصفة التي مزق فيها نسيج قطاع الشركات الكبرى إربا إربا. ولكن مع الوقت قد يصبح ما حدث تذكيرا بنقاط ضعف النظام وضرورة تسويتها لئلا ينهار كل شيء من جديد. ومع تكشف التفاصيل عن كبار متنفدي شركتي انرون وورلدكوم الذين أثروا على حساب الموظفين والمساهمين، تلقّى المستثمرون في وول ستريت وماين ستريت ضربات صاعقة ومدمرة. وأية شماتة أحس بها الناس مع توجيه الاتهامات إلى كبار المديرين، لم تخفف من وطأة الأذى الاقتصادي الذي سببه التلاعب بالحسابات. فقد تدهورت اسعار الاسهم وطارت وظائف ومسحت مدخرات التقاعد. وفي حين ان الأوجاع المالية لا تزال مستمرة فإن ذكريات هذه المرحلة المالية الفضائحية قد تكون مفيدة للنظام المالي الأميركي في النهاية. فالمحتمل ان يخضع المديرون ومراقبو الحسابات وأعضاء مجالس إدارة الشركات للمراقبة، نتيجة للقوانين والمبادئ الجديدة في هذا القطاع. والأهم من ذلك، بحسب الخبراء، ان المستثمرين (الأفراد) صاروا ينتبهون أكثر إلى تضارب المصالح وثقافة الاهتمام بالذات التي تسيطر على قطاع الشركات الأميركية. ولكن أستاذ الإدارة الاستراتيجية في معهد الأعمال في جامعة شيكاغو، جيمس شريغر، يقول: إن هذا الانتباه الجديد لا ينبغي ان يعتبر أمرا دائما مفروغا منه - «فهو سيدوم فقط حتى التوسع الهائل العملاق والسخيف الآتي المبني على الهواء. وستكون هناك أعمال غش عظيمة أخرى». إنما يرجح ان تقارن وتقاس بالمخالفات المتمادية والازدواجية التي افتضحت في العام .2002 - الرئيس والمدير التنفيذي السابق لـ (انرون) كينيث لاي قبض 7,251 مليون دولار بشكل مبالغ مالية وأسهم خلال السنة إلى حين انهيار الشركة في غمرة كشف النقاب عن انها أخفت ديونها وبالغت في أرباحها منذ سنوات. والمبلغ الذي قبضه لاي في العام 1002 فاق بإحدى عشرة ألف مرة الحد الأقصى لتعويض الصرف عن الخدمة للعاملين المسرحين. - المدير التنفيذي السابق لشركة وورلدكوم برنارد إيبرز اقترض 804 ملايين دولار من شركة الاتصالات البعيدة التي زورت حسابات بقيمة تسعة مليارات دولار واضطرت إلى إعلان الإفلاس. وقد رهن أبرز أسهم الشركة مقابل القروض، ولكن بعد ان تبددت قيمة تلك الحصص التي كانت تبلغ 682 مليون دولار، قيل إنه يفكر في التنازل عن أجره السنوي البالغ مليونا ونصف المليون دولار للمساعدة في تسديد الدين. - قيل إن مؤسس شركة ادلفيا كوميونيكشنز ومديرها التنفيذي السابق جون ريغاس، تواطأ مع أربعة مديرين سابقين لنهب الشركة ما حمل المدعين العامين على طلب حجز أكثر من مليارين و005 مليون دولار. واعترف ستة من أصل 51 شخص اتهموا في فضائح انرون وورلدكوم وادلفيا بتهم الغش بالائتمانات والجرائم الأخرى. ووجهت التهمة إلى واحد فقط من مديري هذه الشركات، وهو جون ريغاس. ولم يدن أي واحد منهم. وإضافة إلى ذلك مارس 21 شخصا من الداخلين في شركة آرثر أندرسون وانرون واي ام كلوم سيستمز، وميريل لينش، وورلدكوم حقوقهم الدستورية لعدم تجريم أنفسهم خلال جلسات الاستماع في الكونغرس. وقد لفتت بيانات الأرباح الهائلة في ادلفيا وانرون وورلدكوم الأنظار، غير ان تقريرا حكوميا وجد ان مثل هذه البيانات هي جزء من ممارسة دارجة عند الشركات العامة. وذكر مكتب المحاسبة العام - وهو هيئة تحقيق تابعة للكونغرس - ان بيانات الأرباح المعادة نتيجة للتلاعب بالمحاسبة ارتفعت 541 في المئة بين العام 7991 وشهر يونيو/ حزيران .2002 وتكهن المكتب بأنه مع نهاية العام فإن 3 في المئة من الشركات كافة ستعيد التصريح بأرباحها، بالمقارنة مع أقل من 9,0 في المئة العام .7991 وسلطت الأنوار على ما هو أبعد من مكاتب المديرين العامين. وقيل إن المدير التنفيذي السابق لشركة تايكو انترناشونال، دينس كوزلوفسكي، أنفق ملايين الدولارات على اللوحات الفنية والأثاث، بل ودفع ستة آلاف دولار ثمنا لستارة حمام حسب أحد التقارير، فيما ذكر ان كبار مسئولي ادلفيا استعملوا الطائرات الخصوصية بالشركة لأعمالهم الشخصية. وقال الخبير الاقتصادي السابق في وزارة العدل الذي يعمل الآن أستاذا في معهد ستيرن للأعمال في جامعة نيويورك، لورنس وايت: إن نوع التصرفات التي افتُضحت في العام 2002 لا يحدث إلا عندما تنهار المؤسسات. وأشار إلى ان المديرين لم يكونوا يديرون شركاتهم بما فيه مصلحة المساهمين على المدى البعيد، على رغم ما كانوا يقولونه، أضف إلى ذلك المحاسبين الذي لم يكونوا يقومون بمهماتهم، والمساهمين الذين اعتقدوا ان عليهم التزام الصمت بخصوص الأرباح الكبيرة المسجلة سنة بعد سنة مستنتجين انه لا يتوجب عليهم ان يبدوا اهتماما، والمحللين المضطرين إلى مسايرة الشركات التي يفترض بهم ان يغطوها. ويقول المحامي السابق للجنة الائتمانات والصرف الذي يعمل الآن لدى مؤسسة شيرمان آند سترلينغ، باري بارباش: إن المشكلة التي كانت سمة المرحلة هي «السطحية». وأوضح مثال على ذلك هو انبهار وول ستريت بالأرباح المستهدفة في المدى القصير، ما أعطى المديرين التنفيذيين حافزا لقول وعمل ما يلزم لإرضاء توقعات المحللين. وتفاقمت المشكلة نتيجة لتكاثر خيارات الأسهم في حزم مخصصات المديرين - بحسب بارباش - لأن أي ارتفاع مؤقت لأسعار أسهم شركة ما، يمكن ان ينتج عنه حصول كبار المديرين على ثروات مالية غير متوقعة. وأضاف: لم يكن مديرو الشركات ينظرون تحت سطح كيفية إدارة أعماله، وطغت الألاعيب المالية على الممارسات المالية السليمة. وإذا كانت شركتا انرون وورلدكوم أكثر لاعبي الجمبار المالي رشاقة، فلعل شركة آرثر اندرسون ستدخل التاريخ باعتبارها مدربهما سيئ الذكر. فعلى الأقل - يقول الخبراء - كان يجب ان تكتشف التلاعب في مسك الدفاتر. وقالت الشركة إن زبائنها من أمثال انرون وورلدكوم حجبت عنها معلومات حيوية، ولكن هيئة المحلفين في تكساس أدانتها في يونيو بتهمة عرقلة سير العدالة لتمزيقها وثائق انرون. وتحولت شركة اندرسون إلى قوقعة فارغة بعد هيبتها السابقة، ولمحت ألاعيبها إلى وجود مشكلات أضخم، خصوصا لوجود تضارب في المصالح باعتبارها مستشارة إلى جانب كونها مراقبة حسابات. فعلى سبيل المثال تقاضت اندرسون حوالي 72 مليون دولار سنويا باعتبارها أجور استشارات في السنة، من انرون إلى جانب مبلغ مماثل بصفتها مراقبة حسابات. وحطمت المخاوف من أن يتساهل مراقبو الحسابات إزاء ألاعيب مسك الدفاتر من ابتكار زملائهم في قسم المحاسبة، إضافة إلى بيانات معادة عن الأرباح المضخمة في انرون وورلدكوم، ثقة المستثمرين في نزاهة وصحة البيانات المالية. وقال المدير التنفيذي لشركة فاني آند ماي ورئيس قوة عمل إدارة الشركات في مجموعة بزنيس راوند تيبل وهي مجموعة مؤلفة من كبار المديرين التنفيذيين، فرانكلين راينز: «أعتقد أننا رأينا تسابقا إلى القاع على صعيد الإشراف». وفي مقدمة المتسابقين - بحسب راينز - كان مجالس الإدارات، وهم أسندوا الكثير من الصلاحيات إلى المديرين التنفيذيين ولم يراقبوا تصرفاتهم على النحو الكافي. وقال راينز: «المدير التنفيذي هو موظف. المدير التنفيذي ليس إلها صغيرا». ولم يقتصر السلوك السطحي على قطاع الشركات الأميركية. ويقول المفوض السابق في لجنة الائتمانات والصرف التي تأسست في العام 4391 في أعقاب انفجار فقاعة اقتصادية أخرى مخروقة بالفضائح، ايزاك هنت: «إن الهيكلية القانونية كلها في حال فوضى». وأضاف ان اللجنة في عهده - بين يونيو 6991 وأغسطس/ آب 2002 - كانت مفتقرة إلى التمويل والموظفين، والأهم من ذلك كانت مضللة. فمع ازدهار مواقع الإنترنت سمحت لجنة الائتمانات والصرف لنفسها بأن تغرق في كمية هائلة من عروض الاكتتاب الأولية للشركات المبتدئة على الإنترنت. وبزعامة رئيسها السابق آرثر ليفيت حاولت اللجنة حمل الكونغرس على التحقق من وجود تضارب مصالح في قطاع المحاسبة، إلا ان اللجنة تخلت عن سعيها في النهاية. وقال هنت إن موظفي الوكالة تراجعوا عن معاركهم على مسك الدفاتر مع شركات أخرى مثل انرون، ولكن بعد فوات الأوان. وأضاف: «لا أعتقد انه كان لدينا العدد الكافي من الأشخاص المستعدين للدخول إلى المكاتب ويقولوا: لا أفهم هذه الأرقام. ماذا تعني؟». والخبراء يقولون إنه لم تطرح أسئلة كافية على الغالبية الساحقة من المستثمرين الفرديين. ويقول رئيس الجمعية الوطنية للمستثمرين (وهي جمعية لتوعية المستثمرين غير معنية بالربح)، كن جانكي: إنه مع تنامي خطط التقاعد التي تعرف باسم «104 (K)» بوتيرة مذهلة، طور العاملون ثقة عمياء بالسوق. ومع انه لا يفترض بالمستثمرين الفرديين ان يتوقعوا ألاعيب المحاسبة على غرار ما جرى في انرون يقول جانكي إنه كان يجب ان يعرفوا ان الأبحاث التي ينشرها محللون لحساب مصارف الاستثمار هي مشبوهة، و»هذا ليس شيئا جديدا». ولاشك في ان الفضائح التي كشف عنها النقاب في السنة الماضية، والتراجع الذي حدث على قيمة صناديق التقاعد 104 (K) ازالا الكثير من الغشاوة التي تغلف طريقة عمل وول ستريت. واليوم يبدو ان مرحلة السطحية أخذت تتحول إلى التأني والتفكير الأكبر. وتقول مجموعات استثمار مثل NIAC ان أعضائها بدأوا يعودون إلى الأساسيات. وتفرض لجنة الائتمانات والصرف على كبار المديرين التنفيذيين الآن التصديق على بياناتهم المالية. وبورصة نيويورك تفرض ان يكون غالبية أعضاء مجالس إدارة الشركات الأعضاء مستقلين. وبإقراره قانون ساربانيس - أوكسلي ساعد الكونغرس على تشكيل لجنة إشراف جديدة لقطاع المحاسبة. أما كم سيدوم هذا التغيير في المواقف؟ فمتروك إلى الزمن
العدد 119 - الخميس 02 يناير 2003م الموافق 28 شوال 1423هـ