يبدو أن بوادر أمل تلوح في الأفق الشبابي البحريني بعد ضبابية في الرؤى وتشتت للجهود على مدى الأعوام الماضية. لقد تمكن الشباب من إثبات قدراتهم وتحملهم للمسئولية في أكثر من مجال، وتجاه أكثر من قضية ملحة سواء على المستوى الوطني أو الإقليمي أو العالمي، منطلقين من تحت مظلة الإنسانية والسلام. فالجهود الشبابية البحرينية واضحة البصمة في مجالات الثقافة والعلوم والرياضة والكشافة والعمل التطوعي داخل وخارج البلاد، محققين نتائج باهرة كان من الممكن أن تكون أكثر إشراقا وثباتا في ظل وجود خطط ربط بين مختلف الأنشطة الشبابية. وتتناهى إلى المسامع أخبار عن تعاون بين المؤسسة العامة للشباب والرياضة والبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة يهدف إلى وضع الاستراتيجية الوطنية للنهوض بالشباب خلال شهرين استنادا إلى نتائج دراسة تهدف إلى معرفة احتياجات الشباب وأكثر البؤر استقطابا للشباب، يقوم بها خبيران من الأمم المتحدة.
الطرق المبتورة
لعل أكثر الأشياء إزعاجا في العمل الشبابي هي الطرق المبتورة وغير المستكملة، فمثلا يجد الشباب ويجتهد في موضوع معين أو تبني فكر معين، الأمر الذي يحدوهم إلى القيام بأنشطة وفعاليات متعددة تترجم تلك الأفكار والتوجهات، إلا أن الهمم ما تلبث أن تفتر، والعزائم ترنو إلى الظلال حتى تخبو، وقليل هو من يمتلك القدرة على مكافحة كل الظروف غير المواتية للعمل والعطاء، التي غالبا ما تكون أشبه بوادٍ من دون صدى. إن وجود استراتيجية وطنية للشباب أمر يدعو إلى التفاؤل بحق، وخصوصا أنها ستساهم في حل المشكلة السالفة الذكر.
استقراء للواقع
مؤتمر الشباب الذي نظمته المؤسسة العامة للشباب والرياضة الصيف الماضي، يعتبر لبنة أولى للاستراتيجية المقترحة، إذ تقدم 60 شابا وشابة من مختلف الجمعيات والقطاعات والمستويات الأكاديمية بتوصيات شملت مجال التعليم والتدريب والصحة والعلوم والتكنولوجيا والمشاركة الاقتصادية والأمن والسلامة والعدل والرياضة والترفيه والبيئة والتنمية المستدامة والفنون والثقافة، عبروا فيها عن وجهات نظرهم وأهم المحاور والقضايا المهمة في كل مجال على حدة. ونجاح المؤتمر يكمن في تحقيقه مثل هذا الإنجاز في يوم واحد هو وقت عقد المؤتمر. وقد وعد مدير عام الشباب والرياضة الشيخ سلمان بن عيسى آل خليفة أن تكون توصيات «هذا العرس الشبابي لبنة لأية استراتيجية وطنية توضع من قبل الجهات المعنية بالأمر».
لابد للعملية أن تأخذ طابعا تبادليا بين الجهات المختصة والشباب، إذ يكمن الجمود في كون العلاقة بين هؤلاء وأولئك علاقة ذات اتجاه واحد. إن تبادل الأفكار وأخذ آراء الشباب بعين الاعتبار يسهم في تقريب الصورة أكثر لأذهان المختصين، وتمنحهم القدرة على استشراف الاستراتيجية التي تحقق أكبر قدر ممكن من النجاح بمسافة ضئيلة بين الجهات الرسمية والشباب المعني بالأمر بالدرجة الأولى، خصوصا وأن خطط التنمية تعاني قصورا في تحقيق وتلبية احتياجات الشباب، سواء من ناحية اقتصادية أو ثقافية أو توعوية، ووجود استراتيجية وطنية للنهوض بالشباب سيساهم حتما في سد الثغرات التي تعاني منها خطط التنمية الموجهة للشباب.
الجمعيات الشبابية والاستراتيجية الوطنية
برزت أخيرا تكتلات شبابية كثيرة، بعضها مستقل وبعضها الآخر يتبع تكتلا أكبر منه يوافقه في الأفكار والاتجاه، قد تكون شبابية أو اجتماعية أو علمية أو ثقافية أو غيرها من الأفكار والمعتقدات التي يؤمن بها كل تكتل على حدة ويميزه عن الآخر. وعلى الرغم من أن تعددها يشكل (قوس قزح)، إلا أنها في النهاية تتفق في روحها الشابة والطموحة لتغيير الأوضاع نحو الأفضل، ولابد لها أن تتقلد دورا مهما في تنفيذ خطط الاستراتيجية الوطنية المقبلة في الطريق، لما تزخر به من طاقات وأفكار جديدة، بالإضافة إلى أن أعضاء هذه الجمعيات يمثلون النخبة من شباب البلاد، ويمكن أن يكونوا نواة لقيادات مستقبلية تتولى المهمات والمسئوليات في مجتمع الغد. والمستقرئ لدور هذه الجمعيات يرى أنها تمكنت من خلق رأي عام للشباب، وأعطيت الفرصة والحق في التعبير في أكثر من ميدان، منها: إصدار البيانات وإقامة الفعاليات، حتى أصبح للشباب صوت مسموع في مختلف وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة.
أمل كبير وتفاؤل أكبر
نطمح أن تتبد غيوم الملل والفراغ التي تخيم على أجواء الشباب البحريني، منقشعة بفعل شمس استراتيجية وطنية واضحة الملامح والآليات، محققة أكبر قدر ممكن من الآمال والتطلعات للشباب، وأهمها خلق جيل أكثر قدرة على التعاطي وخطوط المرحلة المقبلة من التنمية والتطوير في البلاد، بما ينهض بالمستوى العام للشعب على مختلف الأصعدة الثقافية والسياسية والاجتماعية والتطوعية والاقتصادية
العدد 147 - الخميس 30 يناير 2003م الموافق 27 ذي القعدة 1423هـ