العدد 168 - الخميس 20 فبراير 2003م الموافق 18 ذي الحجة 1423هـ

تقويض الدور الاستراتيجي لمنطقة الخليج

بدأت الأهمية الجيوبوليتيكية لمنطقة الخليج بالتآكل جراء الحملة الرامية - بعد 11 سبتمبر/أيلول - الى تقويض دورها باعتبارها ممولا استراتيجيا وحيدا للنفط في العالم (بمعنى كونها الملاذ الأخير الذي يملك سعة وطاقة انتاجية نفطية كبيرة).

وعلى رغم ان حوادث سبتمبر لم تغير من الحقائق الاساسية عن احتياطي النفط فإنها غيرت الشعور تجاه هذه الحقائق بما يشكل تحديا للدور الذي تلعبه منطقة الخليج باعتبارها ممولا استراتيجيا للنفط الخام. ويمكن وصف هذا التغيير من خلال مجموعتين منفصلتين من القضايا:

أولا: القلق المتزايد من عدم الاستقرار الداخلي في الخليج، الذي لا يمكِّنه من الاستمرار في لعب دور الممول للنفط الذي يمكن الاعتماد عليه.

ثانيا: طبيعة البدائل النفطية للطاقة المطروحة لمنطقة الخليج باعتبارها منطقة مصدرة للطاقة (المصادر البديلة للمنطقة).

لعب الاعلام وبعض المراكز البحثية التي تعنى بأبحاث السياسة دورا كبيرا في الترويج لهاتين المجموعتين من القضايا بشكل متعمد ومنهجي. والمجموعة الأولى من القضايا كانت هي الأكثر وضوحا ولفتا لأنظار العالم وتحمل رسالة رئيسية وواضحة تروج لها أوساط اليمين الجديد يمكن ايجازها كالآتي:

ان العلاقة الخاصة بين الولايات المتحدة والسعودية أصبحت محط تساؤل، ذلك لأن السعودية ومن خلال نظم التعليم لديها التي تتسم بمناهضة الغرب، والاعتماد على التطرف الديني، أفرخت ارهابيي 11 سبتمبر وعاشت حال انكار بشأن هوية من قاموا بالعملية. وتؤكد هذه النظرة المعادية للمملكة ان النظام في السعودية ضعيف بحيث لا يمكن الاعتماد عليه حليفا في محاربة الارهاب وبالتالي لا يمكن الاعتماد عليه حليفا في الحفاظ على أمن النفط. وتستمر هذه الرؤية مؤكدة انه وبصرف النظر عن سجل العلاقات خلال 25 سنة الماضية، فإن السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي فشلت في اجراء اصلاحات اقتصادية رئيسية في السنوات العشر الأخيرة، ما ادى الى تفاقم أزمة البطالة، وذلك يعني انها تتجه الى حال فشل تضعها في مصاف «الدول الفاشلة»، لأنها ستفشل من جراء تناقضاتها الداخلية المتنامية. أضف الى ذلك ان الفكر الوهابي، الذي يضفي الشرعية على السعودية، يقف على طرفي نقيض بل وفي حرب مع صميم القيم التي تقوم عليها حضارة الغرب. واي تحالف يفتقد القيم المشتركة لا يمكنه الصمود طويلا، وهذا هو درس الحادي عشر من سبتمبر، كما تؤكد اوساط اليمين الجديد واطراف رئيسية في الولايات المتحدة.

واخيرا يرى صقور المحافطين الجدد ان الولايات المتحدة هي التي حمت عسكريا الاحتياطات النفطية لدول المنطقة من المخاطر الخارجية، ما يعني ان «الاعتماد على موثوقية» حلفاء الولايات المتحدة في الخليج باعتبارهم ممولين للنفط كان في المقام الاول مشروطا ومؤقتا، وذلك لأن هؤلاء الحلفاء غير قادرين على الدفاع عن النفس.

اما المجموعة الثانية من القضايا والمرتبطة بالبحث عن بدائل نفطية لمنطقة الخليج فهي الأقل حظا في التركيز الاعلامي من الاولى، وان لم تقل عنها أهمية. فقد أُعلن بديلان للسعودية، او بمعنى آخر مصدران آخران للمنافسة من شأنهما اضعاف قبضة المملكة على دورها باعتبارها ممولا استراتيجيا: أولا، روسيا وشركات النفط الروسية التي تمت خصخصتها حديثا، وثانيا: العراق الذي يتوقع له ان يدخل السوق النفطية بقوة. ولاضفاء صدقية على هذه التصورات، ضخمت من قبل هذه المدرسة امكانات روسيا التي قد تؤهلها لتصبح ممولا استراتيجيا للنفط الخام. اذ استخدمت الزيادة المطردة في انتاج كبريات شركات النفط الروسية في السنتين الماضيتين مؤشرا على وجود امكانات اخرى ضخمة في روسيا. وابدت الولايات المتحدة في خطوة غير مألوفة استعدادا لتقديم المساعدة إلى شركات النفط الروسية لزيادة انتاجها النفطي. وخطت هذه الشركات خطوات كبيرة لتحسين صورتها في الولايات المتحدة فكانت شركة T.N.K أول شركة نفط روسية تنضم إلى غرفة التجارة الاميركية، اذ انفقت، ومعها شركة «يوكوس»، اموالا طائلة في عملية جمع المعلومات والضغط لكسب التأييد في واشنطن. وأبدت هذه الشركات مقدرة وكفاءة في جمع المعلومات والضغط لكسب التأييد فاقت مثيلاتها لدى دول الخليج.

ومع ان روسيا اثبتت انها منافس تجاري لا يستهان به لمنتجي دول الخليج وللأوبك عموما، فإن ذلك لا يمكنها من ان تحل محل الخليج ممولا استراتيجيا للنفط الخام. اذ من شبه المستحيل على الشركات الروسية التي تمت خصخصتها الحفاظ على قدرة انتاج احتياطية للنفط او ان تلعب دور المنتج المنتظم، ومن دون تلك المواصفات، ستبقى روسيا دولة منتجة ومصدرة للنفط لها اهميتها التجارية ولكنها لا يمكن ان تكون ذات أهمية استراتيجية حقيقية.

أما العراق فهو موضوع مختلف.

تغيير النظام في العراق

كما ذكرنا سابقا، فإن تغيير النظام في العراق يعد من المسائل المركزية في رؤية المحافظين الجدد الجديدة للشرق الاوسط وذلك على اكثر من صعيد. فالهدف ليس الاطاحة بصدام حسين فحسب، بل الاشراف على اقامة نظام جديد في بغداد موال للغرب. وهذا من شأنه ان يخدم عدة أغراض، أولها ان تغيير النظام في العراق يعد الوسيلة الوحيدة للتخلص من اسلحة الدمار الشامل كافة في العراق وضمان التخلي عن برامج تطوير هذه الأسلحة كافة.

ثانيا، تنظر الادارة الاميركية الى تغيير النظام في العراق باعتباره جزءا من الحرب على الارهاب وذلك بسبب ممارسات النظام العراقي المتمثلة في توفير ملجأ للارهابيين وبسبب علاقاته المزعومة مع القاعدة. إلا ان قضية الصلة بين العراق والقاعدة او حوادث 11 سبتمبر، لا تكتسب اية اهمية عند المحافظين الجدد إلا من ناحية انها تعزز من مسألة اتخاذ اجراء عسكري ضد العراق. ويرى المحافظون ان احتمال ان يشكل العراق تهديدا لـ «إسرائيل» هو تبرير يكفي لقيام الولايات المتحدة الاميركية بعمل عسكري منفرد ضد العراق. ولكن المحافطين الجدد اكثرهم اصرارا، قد يواجهون صعوبة كبيرة في اقناع الادارة والشعب الاميركي بالهجوم على العراق استنادا الى ذلك الاحتمال المتعلق بـ «اسرائيل».

ثالثا، تنظر الادارة الاميركية الى ان هزيمة النظام العراقي واستبداله بآخر موال للغرب سيؤديان الى اضعاف الروح المعنوية والتخفيف من تطرف الشارع العربي. وهذا بدوره - وفق تصورات الإدارة - سيقلل من إرادة الفلسطينيين لمقاومة الاحتلال ويرغمهم على الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع «اسرائيل». وفيما يرى معظم المراقبين العرب ان هذه الفكرة هي من قبيل الاماني وان المقاومة حق مشروع ومستمر، فإن الحقيقة تبقى ان تغيير النظام في العراق باعتباره دافعا لتغيير اقليمي شامل، بات مقبولا عموما في اوساط المحافظين الجدد في الادارة الاميركية. وهو تغيير سيترك آثارا كبيرة على الشارع والواقع العربي.

رابعا، يستمر المنطق ذاته في تأكيد أن العراق بعد «إعادة تأهيله» سيكون الوحيد الجدير بالثقة من منافسة السعودية باعتباره ممولا استراتيجيا للنفط الخام. ولا شك في ان المتطلبات الهائلة لاعادة اعمار العراق وتدفق الاموال الغربية في القطاع النفطي وباقي القطاعات الاقتصادية، سيدفع العراق إلى زيادة الانتاجية بشكل سريع جدا. وهذا ليس من شأنه اضعاف مركز السعودية في الاسواق النفطية العالمية فحسب، بل سيضعف اقتصاد كل من ايران وليبيا. وبالتالي فإنه طالما بقي انتاج النفط العراقي وسياسات تسعيره متوافقة مع رغبات الغرب فإن هذا سيحقق الاهداف المتعددة للمحافظين الجدد.

خامسا، إن فرض تغيير للنظام في العراق يعتبر شرطا اساسيا لتغييرات مماثلة أو اصلاحات سريعة في غيره من «الدول المعادية للولايات المتحدة». فالنظام الحالي الحاكم في العراق «يتمتع» اليوم بمكانة شبه اسطورية باعتباره «رمزا» لكل انظمة الحكم التي تتصادم والولايات المتحدة، كما يمثل النظام العراقي «الإرادة» للابقاء على كل ما هو ضد مصالح الولايات المتحدة و«اسرائيل»، وبالتالي فإن تدميره يعتبر شرطا اساسيا للانتصار على جبهات اخرى.

وأخيرا، فإن استخدام القوة لتغيير النظام في العراق سيقوي التحالفات الاخرى في المنطقة، وخصوصا بين الولايات المتحدة و«اسرائيل» وتركيا. هذا فضلا عن انه سيقنع المتشككين في الداخل (الولايات المتحدة) والمنافسين المحتملين في الخارج (مثل الصين) بأن الولايات المتحدة قادرة على لعب دور القوة العظمى الوحيدة في العالم وانها لن تسمح لأية قوة اخرى ان تتحدى هذا الدور.

مركز الدراسات الاستراتيجية والمستقبلية - جامعة الكويت

العدد 168 - الخميس 20 فبراير 2003م الموافق 18 ذي الحجة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً