لاتزال السيارة التي تسير بالهيدروجين حلما يحتاج تحقيقه إلى عشرات السنين، إلا انها أصبحت منذ الآن مادة للجدل السياسي بشأن الطاقة في الولايات المتحدة.
الرئيس جورج بوش يدعو إلى تحفيز الأبحاث الهادفة إلى تطوير الهيدروجين، إلا ان بعض الديمقراطيين يقولون إنه يحاول صرف الاهتمام عن الانتقاد الذي يوجه إلى سياسته النفطية قصيرة الأجل.
فبعد لفت الأنظار إلى احتمالات استعمال الهيدروجين باعتباره وقودا في خطابه عن حال الاتحاد في شهر يناير/كانون الثاني الماضي، دعا بوش الكونغرس إلى الموافقة على مقترحاته المتعلقة بإنفاق مليار ونصف المليار دولار لتطوير الهيدروجين باعتباره ميراثا للأجيال القادمة.
وقال بوش لأقطاب الصناعة الهيدروجينية الذين جاءوا إلى واشنطن لعرض آخر تكنولوجياتهم: «لا أعرف ما إذا كنتم ستقودون واحدة من هذه السيارات، ولكن أحفادنا سيفعلون».
ما يطالب به بوش كان مضاعفة المبالغ التي تنفقها حكومة الفيدرالية لتطوير الهيدروجين باعتباره وقودا، ومساعدة صانعي السيارات على التغلب على بعض العوائق المتبقية لبناء سيارات تستعمل خلايا وقود الهيدروجين بأسعار معقولة. وقال: «علينا أن نجعل الهيدروجين متوافرا أكثر ويعطي نتيجة بأفضل الطرق كفاءة وأقلها كلفة».
ولكن في مبنى كابيتول هيل (الكونغرس) وصف بعض الديمقراطيين، وبينهم طامحون إلى الرئاسة، دعوته بأنها «سحابة دخان» للإلهاء عن السجالات الدائرة بشأن حفر آبار النفط في مناطق بيئية حساسة في الاسكا أو المطالبة بصنع سيارات أكثر كفاءة على صعيد استهلاك الوقود اليوم.
وقال السناتور جون كيري الذي يعارض بشدة محاولة بوش فتح محمية للحياة البرية في الاسكا أمام التنقيب عن النفط، ويدعو إلى فرض مقاييس أكثر صرامة على استهلاك الوقود في السيارات الحالية: «هذه آخر الصفحات في برنامج بوش الداعي إلى الحفر اليوم، الحفر غدا».
ووصف جو ليبرمان، الذي يسعى مثل كيري، إلى الفوز بالترشيح للرئاسة عن الحزب الديمقراطي، اقتراح بوش الخاص بالهيدروجين بأنه «أضغاث أحلام» إذا كان الهدف منه الحد من اعتماد أميركا على النفط الأجنبي في أي وقت قريب، وقال إن التركيز ينبغي أن يكون على الجهود قصيرة المدى للحد من استعمال النفط، وخصوصا في السيارات.
وأثنى السناتور بايرون دورغان على بوش لإثارته موضوع الوقود الهيدروجيني، ولكنه قال إن البرنامج الذي طرحه الرئيس مقصر في هذا المجال، و«يجب أن نكون جريئين ونطلق مشروعا على غرار مشروع أبوللو (إيصال إنسان إلى القمر) تكون فيه الأهداف والمواعيد مقررة».
ويدعو دورغان إلى وضع برنامج كلفته 6,5 مليارات دولار لتطوير الهيدروجين باعتباره وقودا خلال السنوات العشر المقبلة شبيه بالمشروعات الأميركية لغزو الفضاء.
وفي المقابل قوبلت مبادرة بوش بالتصفيق الحاد من قبل مديري مصانع السيارات الذين يحاولون جعل الهيدروجين وقود المستقبل لكي يحل في النهاية مكان أنواع الوقود الحجري، كالفحم والنفط لتشغيل الكهرباء والسيارات.
وقال رئيس شركة Ballard Power Systems التي تعتبر في طليعة الشركات التي تحاول ابتكار خلايا وقود الهيدروجين للسيارات، دنيس كامبل: إن «مبادرة بوش قوية جدا». وشاهد بوش خلال اللقاء ستة سيارات نموذجية مزودة بخلايا وقود الهيدروجين. وأضاف كامبل: «كنا نحشد قوة الدفع بهدوء ونقوم بأشياء ينبغي أن نقوم بها لتطوير التكنولوجيا».
وتتفق آراء مديري هذا القطاع ـ من شركات صنع السيارات إلى صانعي خلايا الوقود وشركات توزيع الوقود الهيدروجيني والوقود النفطي - على الطاقات الهائلة الكامنة في الهيدروجين باعتباره وقود المستقبل. ويمكن أن تأتي هذه المقدرات من مصادر كثيرة، منها الغاز الطبيعي.
ويقول نائب الرئيس لشركة توزيع سيارات «تويوتا» في أميركا، جيمس بريس: «هذه ليست نظرية، ولا صحن مختبر زجاجي. إنها تكنولوجيا لم تصل إلى هنا بعد، ولكننا نستطيع رؤيتها».
ويشير بريس إلى أن شركة «تويوتا» تجرب حاليا سيارتين تسيران بوقود الهيدروجين على طريق كاليفورنيا، وستضيف ست سيارات مماثلة أخرى إلى حركة المرور خلال العام الجاري. وفي السنة الماضية حققت شركة د«ايملر كراسيلر» إنجازا كبيرا عندما قطعت آخر سياراتها التي تستعمل وقود الهيدروجين الأراضي الأميركية من أقصاها إلى أقصاها. كما ان شركات «جنرال موتورز» و«فورد» و«نيسان» و«هوندا» لديها سيارات تسير بخلايا وقود الهيدروجين قيد التجربة على الطرق.
هذه الشركات تأمل أن تنزل سيارات ذات أسعار مقبولة وتسير بخلايا وقود الهيدروجين إلى صالات البيع خلال عشر سنوات، وفق جدول زمني أكثر طموحا مما يرتئيه بوش.
إلا انه لاتزال هناك أمور كثيرة تعيق تحقيق نظام الوقود الهيدروجيني، منها:
- لاتزال كلف أسعار نظم خلايا الوقود عالية جدا. والخلية الواحدة من هذا النوع تكلف عشرة أضعاف النظم التي تعتمد محرك الاحتراق الداخلي. ويقول خبراء الصناعة إن النظم ستصبح أرخص فور إنتاج خلايا الوقود الهيدروجيني بكميات كبيرة.
- لم يطور بعد نظام لتوزيع الهيدروجين، وقال بوش إنه «ليس هناك ما هو أسوأ من صنع سيارة لا تستطيع أن تعثر على الوقود في أي مكان». وقد خصصت الحكومة الفيدرالية مبالغ أكبر لحفز تطوير البنى التحتية لهذا القطاع.
- وفي حين تجري عدة شركات تجارب بوقود الخلايا ينبغي البت بعدة مسائل تتعلق بقدرتها على الصمود: «هل ستكون مثل تلك السيارات قادرة على العمل أكثر من مئة ألف ميل (160000 كيلومتر)؟ كيف ستؤثر برودة الطرق والأماكن العالية على خلايا الوقود؟
العدد 207 - الإثنين 31 مارس 2003م الموافق 27 محرم 1424هـ