نشرت «الوسط» في هذا المكان، قبل بضعة أيام (عدد 29 مارس/ آذار الماضي)، مقالا يحمل نفس العنوان أعلاه، ركز جله على مرئيات المعارضة، وبعض رموزها. في هذا المقال تكملة للعنوان، وتركيز على الأعضاء المعينين في البرلمان.
تتشكل المؤسسة التشريعية بحسب دستور 2002 من غرفتين، الأولى معينة وتسمى مجلس الشورى وتضم 40 عضوا، والثانية منتخبة وتسمى مجلس النواب وتضم أيضا 40 عضوا، ويرأس رئيس مجلس الشورى الغرفتين في حال اجتماعهما، في اجتمعاع تحت تسمية «المجلس الوطني». لكلا المجلسين سلطات تشريعية، أما الرقابة فتنفرد بها الغرفة المنتخبة.
الحديث لم يهدأ عن مدى استقلال أعضاء مجلس الشورى عن الحكومة، منذ تشكيل أول مجلس معين في 1992. ويبدو رفض رئيس مجلس النواب خليفة الظهراني - وهو عضو لمدة 10 سنوات تقريبا في المجالس الشورية الثلاثة السابقة ـ عقد اجتماع مشترك بين المجلسين لمناقشة الحرب الأميركية على المنطقة، من أجل «تجنيب المعينين الحرج من الكلام الذي سيقوله المنتخبون»، يعبر بشكل عام عن الوضعية «الخاصة» للأعضاء المعينين.
وبالفعل يعتمد حراك أعضاء مجلس الشورى على «الضوء الأخضر» الذي تتيحه الحكومة، والأجواء التي تعيشها البلد، أكثر من المبادرة الفردية للعضو. هذا «الضوء الأخضر» لا يعني بالضرورة التعليمات المباشرة، وإنما يتحسس الأعضاء ما هو مسموح به، وما هو غير مسموح. ومهما حاول الأعضاء نفي ذلك، فإن هذه أصبحت أقرب إلى الحقيقة الدامغة، ومن المهم أن يعترف بها الأعضاء قبل غيرهم، حتى يستطيعوا التعامل معها.
وفي الأصل، فإن جزءا من الفلسفة التي بني عليها المجلسان ما يسمى بـ «التوازن». وفي أميركا (كان) مجلس النواب يشبه بكوب الشاي الساخن، الذي يبرد بوضعه على الصحن (مجلس الشيوخ).
ويمكن المقارنة بين مجلس الشورى السابق والحالي، للدلالة على أن الحراك الذي تم في البلد أثر إيجابا على الأعضاء المعينين، هذا فضلا عن سبب «جوهري» آخر يتعلق بالصلاحيات التي يتيحها الدستور للمجلس الحالي.
في المجلس السابق الذي بدأ أعماله في 31 أكتوبر/ تشرين الأول العام 2000، ولم يتسن له إتمام ولايته بسبب التغييرات السياسية التي أحدثها التصويت على «ميثاق العمل الوطني»، ناقش المجلس طوال ثمانية شهور 12 «مشروع قانون»، و2 «مشروع اقتراح بقانون». أما المجلسان اللذان سبقاه، فكانا «أقل» فاعلية. وفي الوقت الذي كانت البلد تمر بحال عصيبة إبان حوادث التسعينات، كانت «السلطة التشريعية» تناقش حليب الأطفال، وزراعة البرسيم.
أما المجلس الحالي المشكل بحسب الأمر الملكي رقم 41 لسنة 2002، فحاله أفضل، إذ ناقش خلال الشهور الثلاثة الماضية (من 14 ديسمبر 2002 إلى 15 مارس/ آذار) سبعة «مشروعات بقانون»، إضافة إلى ثمانية «مشروعات باقتراح بقانون»، فضلا عن سبعة أسئلة (لم يكن حق السؤال ضمن صلاحيات مجلس الشورى السابق). وناقش المجلس قضايا أمنية، وإن على استحياء، مثل حوادث المعارض، وسأل وزير الداخلية عن حال الطوارئ، وهي إمور لم تكن لتحدث في مجالس الشورى السابقة.
إلى ذلك فإن إحدى أهم إشكالات مجلس الشورى، لا تتعلق بالإرباكات التي تحيط قضية «التعيين» فحسب، وإنما تتعداها إلى طبيعة المعينين. فالتشكيل الحالي مثلا، وعلى عكس ما تردد الأجهزة الحكومية، يضم عددا لا يستهان به من الأعضاء الذين يفتقرون إلى المعايير المطلوبة للعمل البرلماني. وبالتأكيد هناك أعضاء نشطون، لكن هناك أعضاء لم يتكلموا بعد (يمكن أن أذكر أسماءهم)، حتى لا نقول إنهم لم يقدموا مقترح مشروع، أو سؤالا إلى وزير. ويبدو التشكيل «غير حيوي» في مسألة التواصل مع الناس، ومع التيارات السياسية. وهذا ما يجعل بعض المراقبين غير متفائلين بأن يبادر مجلس الشورى إلى إجراء حوار وطني، مثلا، أو يكون صلة وصل بين الحكومة والمعارضة.
وقبل أن أنهي، أذكر بأن مجلس الشورى ظهر للمرة الأولى في العام 1992 غداة حرب الخليج الثانية، وانتهى رسميا في 31 مايو/ أيار 2001. إذ أكمل دورته الأولى والثانية كاملة، (الدورة أربع سنوات)، أما الدورة الثالثة التي بدأت في 31 أكتوبر/ تشرين الأول العام 2000، فلم تكمل دورة كاملة كما كان مقررا لها، أي إلى العام 2004، وإنما انتهت في 31 مايو 2001، استحقاقا للتصويت على «ميثاق العمل الوطني»، واستحداث سلطة تشريعية نصفها منتخب والآخر معين. وترأس إبراهيم محمد حسن حميدان (الذي عين رئيسا للمحكمة الدستورية) دورات المجلس الثلاث السابقة. أخيرا، عندما نقارن أعمال مجلس الشورى، بأعمال مجلس النواب، نجد الفرق واضحا لصالح النواب. (للحديث صلة)
العدد 212 - السبت 05 أبريل 2003م الموافق 02 صفر 1424هـ