العدد 190 - الجمعة 14 مارس 2003م الموافق 10 محرم 1424هـ

هوية غويانا الفرنسية تصطدم مع تاريخها الاستعماري

غويانا الفرنسية - ايان جيمس 

14 مارس 2003

تبدأ الجنازة بتصفيف بطيء إيقاعي متزامن من قبل جيران الرجل المتوفي الجالسين في حلقة إلى جانب شجرة كالاباش.

ويصب أحد الشيوخ شرابا في الكؤوس وهو يقول بلغة نينغي تونغو الكريولية: «أيتها الروح تعالي وساعدينا». وشيخ آخر يضيف: «إقبليه في الفردوس».

وفي الطرف الآخر من هذه القرية التي يتألف سكانها من أحفاد العبيد الفارين الذين يطلق عليهم اسم «مارون». يجتمع أشخاص من البيض القادمين من فرنسا في أحد مقاهي شارع فيكتور هوغو ويدفعون باليورو ثمن القهوة بالحليب وأرغفة الباغيت التي يستهلكونها.

هذا واحد من التناقضات الثقافية الكثيرة في هذه الأرض الممزقة بين علاقاتها مع فرنسا البعيدة، وبين مكانها تحت الشمس هنا في أميركا الجنوبية.

لقد بدأ الفرنسيون استيطانهم لهذه الأرض البعيدة على الساحل الشمالي الشرقي لأميركا الجنوبية في العام 1604، وهم يستخدمونها لمختلف الأغراض منذ ذاك الوقت. إنهم جلبوا العبيد لفلاحة أراضيهم والعمل في مزارعهم وبنوا فيها المستعمرة الجزائية (السجن) الشهيرة والتي كانوا يعزلون فيها المجرمين عن العالم الخارجي.

هذه الأدوار قد أبطلت منذ زمن بعيد وحلت مكانها منذ العام 1979 صواريخ أريان التي تنطلق مرعدة نحو السماء حاملة أقمارا اصطناعية من مركز فضائي أوروبي يقع على خمس درجات شمالي خط الاستواء.

إن غويانا الفرنسية وهي مستعمرة فرنسية منذ العام 1946 ورسميا جزء من فرنسا مثلها مثل مقاطعة بروفانس أو يوردو.

إن هذه الأرض التي تساوي مساحتها حجم البرتغال تقريبا، مكسوة معظمها بغابات مطرية واسعة، إلا أن عدد سكانها تزايد إلى أكثر من الضعف خلال العقدين الماضيين فوصل إلى 180 ألف نسمة بفضل تدفق المهاجرين بصورة متواصلة من البرازيل وسورينام المجاورتين ومن بلدان أخرى.

وبفضل علاقاتها الوطيدة مع فرنسا اجتذبت غويانا الفرنسية فرص عمل ووفرت لنفسها مستوى معيشة أعلى مما حققته سورينام التي نالت الاستقلال عن هولندا في العام 1975 وعن غويانا البريطانية التي خرجت عن الامبراطورية الاستعمارية البريطانية في العام 1970.

ومع أن تقديرات الدخل الفردي متفاوتة كثيرا إلا أن الأرقام الحكومية تقول انه يبلغ 11 ألف دولار تقريبا في السنة. وهذا أعلى من أرقام الدخل الفردي لدى البنك العالمي في أي بلد أميركي جنوبي.

ولكن في بعض المناطق لايزال هناك أطفال يلهون في التراب خارج أكواخ ذويهم المزعزعة. كما ان واحدا من كل خمسة أشخاص بالغين هو عاطل عن العمل.

والبعض من المولودين في غويانا الفرنسية يبدون امتعاضهم من احتلال أشخاص بيض قدموا من فرنسا الكثير من الوظائف الحكومية بمرتبات عالية.

وتقول صوفي البي، (30 سنة) وهي اختصاصية في تعليم البالغين جاءت من فرنسا: «في هذا المكان أعرف انني إنسانة بيضاء. كلما حدث خلاف هنا يتحول إلى خلاف اثني».

ومع ذلك - ومع عدم وجود استطلاعات آراء لقياس المشاعر الأهلية - يقول الكثير من الغويانيين الذين أجريت معهم مقابلات في الطريق إنهم يعتزون بعيشهم في ظل الراية الفرنسية. وفي الانتخابات التشريعية التي أجريت في السنة الماضية أيد أقل من 10 في المئة من المقترعين المترشحين الداعين إلى الاستقلال عن فرنسا.

إلا أن ذلك لا يردع الحركة الاستقلالية الصغيرة التي يطالب زعماؤها بالحرية لما يعتبرونه آخر مستعمرة في أميركا الجنوبية.

يقول السياسي موريس بينار وهو من دعاة الاستقلال: «لا نستطيع أن نساوم على كرامتنا. إن العنصرية موجودة بكثرة هنا لأن الجنود هم من البيض، رجال الدرك من البيض، وكذلك القضاة والمدعون العامون.

إلا أن الأكثرية السكانية تبدو أنها تعتبر الاستقلال أمرا لا يجوز التفكير به. إن السلع الأساسية، ومنها الحليب والدقيق يتم استيرادها من فرنسا. والغويانيون يسافرون كثيرا إلى أوروبا لزيارة أقاربهم الذين هاجروا، كما انهم يتفرجون على برامج الفضائيات التلفزيونية التي تبث من فرنسا.

ويقول جان - بيار ارون، وهو أحد الزعماء السياسيين في العاصمة كايين: «إننا نعيش ووجهنا مدار نحو أوروبا وفرنسا أكثر من أميركا الجنوبية».

إلا أن الكثيرين من السياسيين يطالبون بالمزيد من الاستقلال الذاتي للمجلس العام الغوياني الفرنسي، وهو مجلس تشريعي يتولى صرف الأموال لبناء المدارس والطرق، إلا أنه لا يملك سلطة مستقلة كافية لسن القوانين.

ويقول عضو مجلس التشريعي الآن تيين - يونغ: «حاليا تضع الحكومة الفرنسية القوانين بنفسها وترسلها إلينا وتقول: «قولوا لنا إذا كنتم توافقون عليها. إنهم يسألوننا من باب المجاملة ورفع العتب، إلا أن كل شيء مقرر. إن الحكومة الفرنسية تحتفظ بحوالي 93 في المئة من الأراضي في غويانا الفرنسية، ولذلك حتى وإن كنت أريد أن أبني مدرسة ينبغي أن أتقدم بطلب للحصول على أرض».

وبالنسبة إلى المهاجرين يجعل توافر اليورو في غويانا الفرنسية مكانا جاذبا. والأجور العالية تجتذب أناسا من أماكن بعيدة مثل هايتي والبيرو. ولكن بالنظر إلى عدم توافر مجالات العمل الكافية يثير الوافدون الجدد اعتراضات السكان المحليين.

ويقول حارس أمن غوياني جان - بول باريز: «هناك بطالة كثيرة لأن هناك أجانب كثيرين، وهم يرفضون العمل لقاء أجور ضئيلة».

وينضم الوافدون الجدد إلى الغويانيين السود الذي يسمون «كريول»، وهم من الهنود الأصليين الأصليين والمارون والصينيين والأوروبيين البيض واللاجئين الـ «همونغ» من جنوب شرق آسيا وبلدان أخرى.

وهناك أكثر من 20 لغة محلية في غويانا الفرنسية إلا أن اللغة الرسمية الوحيدة هي اللغة الفرنسية، وهي اللغة التي يجري تعليمها في المدارس.

وفي بلدة سان لوران دو ماروني الغربية قليلون من المارون يحكون الفرنسية يفضلون لغة نينغي تونغو الكريولية. وتحمل الطرق المغبرة في القرية أسماء الشامانات (الأطباء السحرة) والشيوخ، مثل توليغا وتوتو وأورسيني. وتفرض الحواجز الثقافية على الكثيرين من الناس العيش في مجتمعات مفصولة. فالبرازيليون والسوريناميون يتجمعون في مدن الأكواخ والتخاشيب. يشتري الغوانييون الأثرياء الشقق السكنية في المدن. ويلازم المارون قرى يمارس أهلها الصيد ويعودون إلى منازلهم حاملين جثث سحالي الايغوانا التي يصطادونها.

وقد انفجرت مظاهرات قام بها مؤيدو الاستقلال في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني سنة 2000 بشكل اضطرابات وأعمال شغب واشتباكات مع رجال الشرطة أدت إلى إصابة تسعة أشخاص بجروح. إلا أن البعض يرى أن غويانا الفرنسية بدأت تتصالح مع ميراثها متعدد الثقافات. خذ مثلا إذاعة موسيقى «زوك» المحلية المثيرة للحواس جنبا إلى جنب مع الملاحم الغنائية الفرنسية.

وفي الأسواق المقامة في الهواء الطلق يبيع المزارعون من جماعة الهمونغ الليمون والزنجبيل والموز، فيما يبيع الصينيون معكرونة النودلز. ويعمل البرازيليون قصابين فيما يبيع البيروفيون البسط والسجاجيد التي تحمل رسوما مطرزة لحيوان اللاما.

يقول البقال البيروفي ريكاردو سالدانا (43 سنة)، إنه على وشك أن يحصل على الجنسية الفرنسية بعد أن مضى على وجوده هنا 18 سنة.

ويضيف سالدانا: «غويانا الفرنسية هي بلدي الآن»

العدد 190 - الجمعة 14 مارس 2003م الموافق 10 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً