العدد 249 - الإثنين 12 مايو 2003م الموافق 10 ربيع الاول 1424هـ

منطقة التجارة الحرة مع أميركا بين خلط الأوراق والصعوبات الاقتصادية

عززت مبادرة الرئيس الاميركي جورج بوش المشروطة لاقامة منطقة حرة للتجارة مع دول منطقة الشرق الأوسط الاعتقاد السائد بأن الولايات المتحدة تتبنى حاليا سياسة «العصا والجزرة» تجاه دول المنطقة التي تعاني من صعوبات اقتصادية هائلة تتمثل في ارتفاع معدلات البطالة وتدني مستويات المعيشة في غالبية الدول وزيادة معدل النمو السكاني ومحدودية الامكانات.

ويرى محللون اقتصاديون مثل المحلل الاميركي بول بريشتن ان المبادرة المشروطة للرئيس بوش تأتي في اطار المحاولات الاميركية لتشجيع دول المنطقة على اجراء تغييرات في هياكلها السياسية والاقتصادية إذ تسيطر الحكومات في عدد كبير من دول الشرق الاوسط وشمال افريقيا على المقدرات السياسية والاقتصادية في الوقت الذي يسهم فيه القطاع الخاص بنصيب ضئيل في عملية التنمية الاقتصادية بتلك الدول.

وقال بريشتن: ان المبادرة الاميركية ليست جديدة، إذ ان الكثير من المنظمات الدولية والمساعدات المالية والاقتصادية التي تلقتها دول منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا طيلة السنوات العشرين الماضية استهدفت تعزيز اندماج اقتصادات تلك الدول مع عملية العولمة وتخفيف قبضة الحكومات على ادارة الأنشطة الاقتصادية مشيرا الى أن تلك الجهود التي بذلتها المؤسسات الدولية لم تحقق اهدافها بالشكل المطلوب على رغم منح تلك الدول عشرات المليارات من الدولارات في صورة منح وقروض.

ويرى محللون استراتيجيون اميركيون ان الرئيس جورج بوش يسعى من خلال مبادرته المتعلقة باقامة منطقة تجارة حرة بين بلاده ودول الشرق الاوسط الى دفع تلك الدول الى التخلي عن الاجراءات الحمائية التي تفرضها لحماية منتجاتها الوطنية والتخفيف من سيطرتها على الانشطة الاقتصادية التي ادت الى ركودها في عدد من الدول.

وقال الخبير الاقتصادي الاميركي واستاذ الاقتصاد بجامعة هارفارد داني رودريك: ان الادارة الاميركية تعتقد ان اقامة منطقة تجارة حرة مع دول الشرق الاوسط مشابهة للاتفاق الذي وقعته واشنطن مع المكسيك يمكن ان تدفع تلك الدول الى اجراء اصلاحات سياسية واقتصادية لخلق المناخ المناسب لجذب الاستثمارات الاجنبية والتي تسهم بدرجة كبيرة في توفير المزيد من فرص العمل وزيادة معدل نمو الناتج المحلي الاجمالي بتلك الدول.

ووفقا لما أعلنه الرئيس بوش فان اقامة السوق الحرة واقرار قوانين المنافسة العادلة بدلا من الفساد والظروف غير المواتية ستجعل شعوب منطقة الشرق الاوسط يشعرون بالرخاء والحرية.

ويرى مسئولون بالبنك الدولي ان تنفيذ مبادرة الرئيس بوش تعتبر مهمة شبه مستحيلة. وأشاروا الى ان الكثير من الدول بمنطقة الشرق الاوسط فشلت في التجاوب بايجابية مع الجهود الدولية التي بذلت خلال السنوات الماضية لدمج اقتصاداتها مع الاقتصاد العالمي بل ان عددا كبيرا من تلك الدول لاتزال خارج منظمة التجارة العالمية.

وقال مسئولون بالبنك الدولي ان حجم الصادرات الصناعية بدول الشرق الاوسط وشمال افريقيا لا يتجاوز 40 مليار دولار - وهو يعادل حجم الصادرات الصناعية في دولة صغيرة كفنلندا.

وتزيد الاستثمارات المباشرة للشركات الاجنبية العاملة بدول المنطقة بصورة طفيفة على الاستثمارات الاجنبية المباشرة في دولة السويد على رغم الاجراءات التي اتخذها الكثير من تلك الدول لجذب رؤوس الأموال الاجنبية في القطاعات الصناعية.

ويرى محللون اقتصاديون اميركيون ان واشنطن اقترحت اقامة منطقة التجارة الحرة تدريجيا لتحقيق الهدف المطلوب وتشجيع دول المنطقة على تطبيق سياسات السوق الحرة التي تراها واشنطن ضرورية لجذب الاستثمارات الاجنبية.

ويشيرون الى أن مبادرة الرئيس بوش لا تستهدف وصول صادرات دول منطقة الشرق الاوسط للسوق الاميركية من دون فرض رسوم جمركية ولكن لحفز تلك الدول لتنفيذ اصلاحات مشتركة حتى تكون جديرة بالتعامل مع الولايات المتحدة ودول العالم الأخرى كشركاء تجاريين.

وقال الخبير التجاري بمعهد السياسات المتطورة بالولايات المتحدة اد جريسر ان واشنطن تسعى الى الدخول في مفاوضات مع الكثير من دول منطقة الشرق الاوسط لابرام اتفاقات ثنائية لاقامة مناطق لتبادل التجارة الحرة لتمهيد الطريق لاقامة منطقة التجارة الحرة بينها وبين دول الشرق الاوسط بحلول العام 2013.

وقال اد جريسر ان اتفاق التجارة الحرة الاميركية الاردنية الذي وقع العام الماضي ادى الى زيادة الصادرات الاردنية للسوق الاميركية من 16 مليون دولار الى 412 مليون دولار وتوفير حوالي 40 الف فرصة عمل وزيادة معدل نمو الناتج المحلي الاجمالي الى 4,8 في المئة. الا ان معدل البطالة بالاردن مازال كبيرا على رغم توقيع اتفاق التجارة الحرة مع الولايات المتحدة.

وفى السياق نفسه يرى عدد من المحللين الاوروبيين ان مبادرة الرئيس الاميركي جورج بوش تستهدف تحسين صورة الولايات المتحدة بمنطقة الشرق الاوسط بعد ان اهتزت نتيجة الحرب على العراق. وقال المحلل الاستراتيجي جيمس شتينبرج: ان الولايات المتحدة ينبغي عليها ان تواجه عدة تحديات شبه مستحيلة لتحقيق الاستقرار وتحسين صورتها بالمنطقة واستكمال حسم المعركة العراقية تماما بعد الاطاحة بالرئيس صدام حسين، وهي: أولا: تمهيد الطريق لاقامة نظام ديمقراطي بالعراق ويقتضي ذلك تهيئة العراقيين اقتصاديا ونفسيا لتقبل الديمقراطية على النسق الاميركي إذ ان الديمقراطية لا يمكن فرضها بين عشية وضحاها. وثانيا: تحسين الولايات المتحدة لصورتها في العالم العربي والاسلامي وخصوصا أن الاستطلاعات الاميركية اشارت الى تزايد العداء والاستياء تجاه أميركا في منطقة الشرق الاوسط التي تسعى واشنطن الى اعادة رسم خريطته لتحويله الى منطقة آمنة للمصالح الاميركية.

ويشكك قطاع عريض من الرأي العام ولاسيما النخبة المثقفة والتي تتبنى المفاهيم الغربية في الديمقراطية وحرية الرأي بمنطقة الشرق الاوسط في النوايا الاميركية تجاه المنطقة. ويعتقد قطاع كبير من التيارات الثقافية وقادة الرأي في العالم بصفة عامة ومنطقة الشرق الاوسط بصفة خاصة ان الولايات المتحدة تسعى الى معاقبة الانظمة التي تختلف معها في الرأي أو تمثل مصدر تهديد لمصالحها كسورية وايران في الوقت الذي تتجاهل فيه الانتهاكات التي تقوم بها الانظمة الحليفة لها.

ويتهم عدد من المحللين السياسيين بالدول الغربية والنامية الولايات المتحدة بتجاهل معاناة ملايين الاشخاص في جميع انحاء العالم الذين يئنون تحت وطأة العولمة لان تلك الخطوة تتعارض مع مصالحها. واشاروا الى أن الحرب الانجلو اميركية على العراق عززت الانطباع بأن الولايات المتحدة تستهدف العالم العربي وتعزز من الصورة الذهنية المعادية لها في أوساط الرأي العام بمنطقة الشرق الاوسط. واكد هؤلاء المحللون أن الطريق الى التحديث السياسي والاقتصادي بمنطقة الشرق الاوسط يقتضي احراز تقدم في ملف النزاع العربي الاسرائيلي

العدد 249 - الإثنين 12 مايو 2003م الموافق 10 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً