لم يستطع أحد من البشر القول إن ما حدث في العاشر من محرم ليس جريمة نكراء وإرهابا منظما ضد أفضل إنسان على وجه الأرض في ذلك الزمان، وليس التنكيل بجسده الشريف إلا صورة بشعة لذلك الإنسان الذي مارس الجريمة، ولو حاولنا تحليل ما حدث في ذلك اليوم الرهيب لسبط الرسول المصطفى بالتأكيد سنصل إلى نتيجة واحدة... إن من مارسوا ذلك العمل المشين لا يمكن أن نقول عنهم إنهم بشر يتمتعون بنفسية سليمة، ولا يمكننا أن نضعهم في مصاف أمة نبينا محمد (ص) في كل الأحوال والظروف، إذ إن الذين تجمعوا على قتل حفيد الرسول (ص) لوثت نفوسهم بحب الجاه والمال والمنصب وجعلتهم يبيعون دنياهم بآخرتهم.
لم نجد ونحن نقرأ التاريخ الذي سرد لنا فصول تلك المأساة الكبرى أن أولئك كانوا يجهلون شخصية الإمام الحسين (ع)، بل ما تناقله التاريخ يؤكد لنا أنهم يعرفونه حق المعرفة، ويعرفون مقامه الرفيع من جده رسول الله (ص)، ويعرفون ما قال جده عنه! ومازالت كلمات رسول الإنسانية التي صدع بها في حق الحسين تدور في ذاكرتهم وأذهانهم، وقد قالوها له عندما سألهم: ألا تعرفون من أنا؟ جميعهم قادة وجنود قالوا بصوت واحد: «بلى، نعرفك حق المعرفة»، وراحوا يثبتون له ذلك بترديدهم أقوال الرسول في حقه ومن ضمنها «حسين مني وأنا من حسين»، «الحسن والحسين إمامان إن قاما وإن قعدا»... وغيرها من الكلمات النورانية التي أطلقها نبي الإنسانية جمعاء في أوساط أمته، حينها سألهم: «إذا لماذا تقاتلونني وجئتم لتقتلونني وتنتهكوا أهل بيتي الذين هم حرم رسولكم؟»... ردوا عليه بكل جرأة قائلين له: «نقتلك من أجل أن نحصل على الجائزة»! فهذا أحد قادة الجيش عندما عرضت أمامه الدنيا بما فيها من مغريات إن هو أقدم على قتل الحسين (ع)، فجعل يحدث نفسه ويحاكي عقله الباطن، هل أشترك في ارتكاب هذه الجريمة الكبيرة التي لا ينفع بعدها الندم والتوبة وفيها الخسران المبين وفيها وقوف صعب يوم القيامة أمام الرسول (ص)؛ ليسأله لما قتلت حفيدي الحسين؟ كيف سيجيب؟ وبعدها طمأنه الشيطان قائلا له: «يمكنك أن تتوب قبل أن ترتحل من الدنيا فتقبل توبتك»، صدّق نفسه الشريرة ،وخالف عقله ووجدانه، واخترق بذلك كل الحجب الإيمانية والإنسانية ،وحمل سهمه الجبان الغادر وصوبه باتجاه الحسين عليه السلام وهو ينادي بأعلى صوته كالمجنون الذي فقد عقله قائلا «اشهدوا لي أني أول من رمى الحسين بسهم»!
وقائد آخر من الذين يعرفون مقام الحسين عند الله ورسوله كان يقول: «أملأ ركابي فضة أو ذهبا قتلت خير الناس أما وأبا» وذلك عند تقديمه رأس حفيد أشرف رجل في هذا الكون أمام من وعده بالجائزة، فكان الرد على طلبه قاسيا ومخيبا لكل آماله الشيطانية ولم يكن يتوقعه عندما قال له: «إذا كنت تعرف أنه خير الناس أما وأبا، فلما قتلته وكيف بك تمدح من قتلت أمامي؟، اذهب وليس عندي جائزة بعد قولك هذا»!
فضيحة دوّنها التاريخ وتناقلتها الأجيال على مر العصور والأزمان لأولئك الذين خاضوا في التخبط والعبث؛ لينددوا بفعلتهم البشعة التي لم يسجل تاريخ الإنسانية مثيلا لها، والتي بينت مدى سخافة تلك العقول وهمجية من شاركهم في ارتكاب ذلك العمل المشين، وأدهى ما في تلك الجريمة أن من قتلوا الحسين (ع) يدعون أنهم من أمة جدّه المصطفى (ص)، والأمر من ذلك أنه قبل إقدامهم على ارتكاب الجريمة التي يندى لها جبين الإنسانية، أذنوا للصلاة، وهم يرددون «أشهد أن محمدا رسول الله»، وبعد فراغهم من أداء الصلاة حاصروا الحسين، حفيد مََنْ شهدوا له بالرسالة والنبوة من كل الجهات؛ ليقطعوا عليه صلاته الأخيرة وأخذوا يرمونه بالسهام ولم تتوقف إلا عندما رأوه صريعا على الأرض، وهو حال لو رآه جده المصطفى (ص) لندبه وبكى عليه بكاء حارا يفطر القلوب الإنسانية!
يحق لعيون العالم أن تبكي عليه، وتذرف الدموع من العيون؛ لأن بقتله قتل للقيم الراقية التي بسببها يرتقي الإنسان. لم نسمع أحدا يبكي على قاتليه إلا الحسين (ع) في يوم عاشوراء عندما استحوذ الشيطان على عقولهم وعزموا على قتله وسفك دمه والتمثيل بجسده الشريف... في ذلك الظرف رأته أخته زينب يبكي، سألته عن سبب ذلك البكاء، قال وقلبه يعتصر ألما: «أبكي على هؤلاء وأبكي على مصيرهم الأخروي الأسود الذي اختاروه لأنفسهم، أبكي؛ لأنهم سيدخلون النار بسببي»! أريتم شفقة على الناس كهذه؟ وهل سمعتم أو رأيتم جماعة تدّعي أنها تحب وتود إنسانا تفتك بحفيده وتهتك بأهله غير أولئك الذين فعلوا فعلتهم الفظيعة في عاشوراء؟ لا يمكن لأحد يأتي في زمن من الأزمان السالفة أو اللاحقة ليبرر فعل أولئك؛ لأن التبرير يعني مشاركتهم في فعلتهم _والعياذ بالله_ تحت عنوان «من أحب عمل قوم أشرك في عملهم»، وهذا القول لا يحده زمان ولا مكان، فإنه يشمل من كانوا في ذلك العصر وفي كل العصور إلى يوم القيامة، فلهذا العالم اليوم يقف حائرا أمام أناس يدعون أنهم على دين الإسلام الذي يحرم ذبح بقرة أمام أقرانها من الأبقار رفقا بالحيوانات وحتى لا نسمح لأنفسنا تجاوز تلك الأخلاقيات الراقية والأدبيات الإسلامية السامية، فكيف بتلك الفئة التي تتلذذ في سفك دماء إخوتهم في العراق الجريح بالسيارات المفخخة، وبالعبوات الناسفة التي تزرع في المساجد والشوارع والأسواق؟، كيف أن نركب تلك الصورة المأسوية لنجعل منها صورة يقبلها العقلاء من الناس؟ لا يمكن لإنسان يمتلك نفسية سليمة وعقلا راجحا وروحا طاهرة أن يفكر بقتل أخيه الإنسان، مهما اختلف معه في معتقد أو فكرة معينة، أقول: مجرد التفكير لا يمكن لأي غيور على دينه وإسلامه أن يقبله يخالج تفكيره ؛لأن فيه مهانة للكيان الإسلامي بكامله شئنا أم أبينا، أيعقل أن أقوم بتفجير نفسي منتحرا في وسط مجتمع مسلم وأقتل منه أعدادا كثيرة وكلما يزيد العدد أدخل الجنة من أوسع أبوابها وأكون مع الرسول (ص) في مقام واحد؟! هل نستطيع تصديق ما يحدث في ساحتنا الإسلامية؟ لماذا نتعمد تشويه إسلامنا في أعين العالم بهذه الصورة البشعة؟ أليس الأولى بنا أن نكون دعاة للخير والصلاح والألفة بين المسلمين بدلا هذا التخبط والعبث بتعاليم الدين الحنيف؟
والحديث هنا إلى من يقوم بهذه الجرائم من المسلمين وليسوا من أعداء الإسلام الذين يخططون منذ زمن بعيد لضرب الإسلام بكل الوسائل الخبيثة... الأمة تنتظر اليوم الذي ترفع فيه صوتها بقوة لتقول بلسان طلق للفئة التي تمارس الإرهاب باسم الإسلام ظلما وعدوانا إن ما يحدث من قتل وتنكيل وهتك للحرمات ليس من الإسلام في شيء والإسلام يمقته جملة وتفصيلا، لو حدث ذلك فعلا فسيفتضح كل من أراد بالإسلام وأهله السوء وبذلك يحفظ الدين وأهله من كل سوء يحاك ضد هذه الأمة... مطلب لو تحقق سيسجله التاريخ بأحرف من نور وسيكون نبراس هدى لكل الأجيال الحاضرة والقادمة، تحقيق هذا المطلب يقع على عاتق علماء الأمة ومثقفيها ورجالاتها الكبار... والله نسأل أن يحفظ هذه الأمة من كيد الأعداء... آمين رب العالمين.
سلمان سالم
العدد 1604 - الجمعة 26 يناير 2007م الموافق 07 محرم 1428هـ