مع استمرار النمو السريع في الاقتصادات الخليجية والذي لم يسبق له مثيل، أصبحت الحاجة للكوادر البشرية واضحة أكثر من أي وقت مضى. ويجد أصحاب الأعمال في خضم بحثهم عن الكوادر المحلية والأجنبية أن جهودهم تصطدم بمجموعة واسعة من المؤثرات الاجتماعية والاقتصادية.
وقد تسببت معدلات التضخم المرتفعة في بعض مناطق الخليج في تحطيم جزء كبير من القدرة الشرائية ومدخرات عدد كبير من الوافدين. فبينما ارتفعت الرواتب بمعدل 7 - 8 في المئة في كل من السنتين الماضيتين، بلغ معدل التضخم في المناطق الأكثر تأثرا بالتضخم مستويات أعلى، هذا بالإضافة إلى بروز فرص توظيف متنامية في أسواق ناشئة أخرى - خاصة الهند - وضعف العملات الخليجية المرتبطة بالدولار الأميركي، مما جعل منطقة الخليج أقل جاذبية مقارنة بما كانت عليه في السابق.
وحسب الدراسة الاستبيانية التي قامت بها جلف تالنت دوت كوم، ينوي نحو 6 في المئة من الوافدين العاملين في الخليج مغادرة المنطقة والعودة إلى بلدانهم الأصلية خلال الـ 12 شهر المقبلة.
وفي نفس الوقت، تواصل المنطقة اجتذاب أعداد جديدة من الكوادر المهنية ذات الخبرة من كافة أنحاء العالم، ولكن يبدو أن دواعي الانتقال إلى منطقة الخليج تتغير، فالكثير من الوافدين الجدد تجذبهم آمال طويلة الأمد وفرص العمل المهمة التي تتوفر حاليا في المنطقة، بينما تلعب الاعتبارات المالية قصيرة الأمد دورا أقل أهمية في قائمة اهتماماتهم. ولاتزال هناك فروقات واضحة في المنطقة إذ تقدم بعض الدول أمثلة نجاح أكبر مقارنة بغيرها في اجتذاب الوافدين إليها. ويظهر أن دولة الإمارات العربية المتحدة، وخصوصا دبي، تحقق الزيادة في سباق الفوز بالمهارات والكفاءات المهنية، على رغم أن تكاليف المعيشة في الإمارات هي الأعلى في الخليج ومستويات الرواتب أقل مقارنة بالرواتب في دولة قطر والمملكة العربية السعودية، لاتزال الإمارات المقصد الأكثر جاذبية في منطقة الخليج بالنسبة للكفاءات الوافدة.
وبحسب الدراسة البحثية التي قامت بها جلف تالنت دوت كوم، يفضل 73 في المئة من الوافدين الراغبين في الانتقال إلى الخليج العمل في الإمارات، بينما يخطط 78 في المئة من الوافدين المقيمين في الأمارات الاستمرار في العيش هناك - وهي النسبة الأعلى على مستوى المنطقة. وتشمل الأسباب الرئيسية لشعبية الإمارات: فرص العمل الجذابة والبنية التحتية والتسهيلات الجيدة إضافة إلى المجتمع المتحرر والمنفتح.
وتأتي دولة قطر في المركز الثاني كمقصد مفضل بالنسبة للوافدين، ويعود ذلك بشكل أساسي إلى الرواتب ذات الحد فوق المعتاد، كما يعود الاهتمام بالعمل في المملكة العربية السعودية مع استقرار الأوضاع الأمنية وارتفاع معدلات الرواتب مقارنة بمستويات التضخم.
حركة الرواتب والبدلات
شهدت دول مجلس التعاون الخليجي الست خلال السنوات القليلة الماضية فترة من النمو الاقتصادي السريع والذي تحقق بشكل أساسي عبر تدفق رؤوس الأموال الناتج عن الأسعار المرتفعة للنفط الخام في الأسواق العالمية.
ودخلت المنطقة أيضا مرحلة النضوج بسرعة واضحة، وشهدت الكثير من القطاعات مثل قطاع الاتصالات والخدمات المالية تنظيمات جديدة تحررها من القيود وتفتح باب المنافسة أمامها، كما ظهرت قطاعات جديدة للمرة الأولى - بما في ذلك قطاع الأعمال المصرفية الاستثمارية والشركات المساهمة. وأدى كل ذلك إلى زيادة الطلب ليس على البضائع والخدمات الأساسية فحسب بل وعلى الكوادر المهنية والمهارات والخبرات أيضا.
وساهم النمو الاقتصادي السريع والتنافس للحصول على المهارات والخبرات في رفع معدلات الرواتب في كافة أنحاء المنطقة. وحسب الدراسة البحثية السنوية التي أجرتها جلف تالنت دوت كوم على حركة الرواتب والبدلات، ارتفع معدل الرواتب في الخليج بنسبة 70 في المئة العام 2005 و7.9 في المئة العام 2006 (يتوفر المزيد من المعلومات في تقرير حركة الرواتب والبدلات في الخليج خلال العام 2006 والمنشور على موقع جلف تالنت دوت كوم، سبتمبر/ أيلول 2006).
وسجلت دولة قطر أعلى معدلات الزيادة في الرواتب بنسبة 11.1 في المئة، وجاءت دولة الإمارات في المركز الثاني بنسبة 10.3 في المئة ثم دولة الكويت بـ 8.0 في المئة وهي النسبة الأقرب إلى المعدل الإقليمي. أما في المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين فكانت الزيادة في الرواتب أقل من المعدل، إذ بلغت 6.5 في المئة في السعودية و 6.4 في المئة في البحرين. أما في سلطنة عمان فلم تزد النسبة على 5.6 في المئة.
وعلى مستوى القطاعات، شهد قطاع البناء أعلى مستويات الزيادة في الرواتب بنسبة 12.8 في المئة وتبعه قطاع الأعمال المصرفية والمالية بنسبة 8.2 في المئة وقطاع النفط والغاز بنسبة 7.7 في المئة أما القطاعات التي شهدت أقل معدلات الزيادة فكانت قطاع الرعاية الطبية بنسبة 4.5 في المئة وقطاع التعليم بنسبة 3.5 في المئة ويتبين من تلك المعدلات أن القطاعات التي سجلت أعلى مستويات الزيادة في الرواتب هي القطاعات التي تشهد أسرع معدلات للنمو ونقص في الكوادر والمهارات على مستوى المنطقة، بل وعلى مستوى العالم في بعض الحالات، كما يتبين أن القطاعات التي شهدت أدنى معدلات الزيادة في الرواتب هي تلك التي كان نموها متوسطا أو التي تتمتع بأعداد كافية من الكوادر والمهارات المطلوبة.
كلفة المعيشة المرتفعة
أدت حركة النمو السريعة خلال السنوات القليلة الماضية إلى ظهور التضخم في عدد من أرجاء المنطقة. وتقدر الأرقام الرسمية حجم التضخم بنسبة 7.2 في المئة في قطر و8.5 في المئة في الإمارات، ولكن في واقع الأمر، يتحدث المقيمون عن زيادات ذات نسبة أكبر في أسعار السلع والخدمات. وحسب استبيان جلف تالنت دوت كوم، ارتفعت أجارات الوحدات السكنية بنسبة 83 في المئة في الدوحة و60 في المئة في دبي خلال العامين الماضيين .
وارتفعت أسعار الوقود في الإمارات بنسبة 30 في المئة في حديثا العام 2005 مما أثر بشكل واضح على أسعار السلع والخدمات الرئيسية. كما أصبحت تكلفة الرعاية الصحية والتعليم مرتفعة أكثر ما أضاف أعباء مالية على المقيمين.
كما شهدت الدول الأخرى في المنطقة مثل الكويت ارتفاعات في الأسعار، ولكن في حدود أقل. أما المملكة العربية السعودية، وهي أكبر اقتصاد في المنطقة، فكانت حالا استثنائية لظاهرة ارتفاع الأسعار.
وعلى رغم النمو السريع وارتفاع الدخل، بقي التضخم منخفضا في السعودية بفضل الدعم الحكومي السخي، من جهة، والقاعدة الاقتصادية الأكبر للبلاد، من جهة اخرى، يبلغ مستوى الايجارات في المدن السعودية حاليا أقل من نصف مايدفعه المقيمون في دبي والدوحة.
وعلى رغم ارتفاع الرواتب، كان معدل الزيادة في قطر والإمارات أقل بكثير من ارتفاع أجارات الوحدات السكنية والأسعار بشكل عام، ونتيجة لذلك، انخفض الدخل الصافي القابل للانفاق بشكل حاد، وحسب دراسة جلف تالنت دوت كوم، تمثل الايجارات نحو 33 في المئة من معدل دخل الأسرة في قطر و30 في المئة من معدل دخل الأسرة في الإمارات، مقارنة بـ 19 في المئة فقط في السعودية.
ومن المعروف أن الاعتبارات المالية والقدرة على ادخار جزء كبير من الدخل من أهم العوامل التي تدفع الكثير من الوافدين للعمل في الخليج. ولكن نسبة كبيرة منهم يقولون أنه لم يعد بإمكانهم توفير أية مبالغ من رواتبهم.
وأوضحت الدراسة أن أكبر نسبة من الوافدين الذين لا يدخرون أية مبالغ من رواتبهم (43 في المئة) كانت في الإمارات، مقارنة بالسعودية التي قال 23 في المئة من الوافدين الذين شملتهم الدراسة أنهم لا يدخرون من رواتبهم أية مبالغ على الاطلاق (الرجاء الاطلاع على المخطط المرفق). وعانت قطر والإمارات من أعلى معدلات التضخم، ولكن نسبة الوافدين الذين لا يدخرون كانت أعلى في الإمارات، وربما يعود السبب إلى فرص الانفاق الاستهلاكي الوافرة في مجالات مبيعات التجزنة والترفيه. ومن المؤشرات المقلقة أن 7 في المئة من الوافدين في الإمارات قالوا أن رواتبهم لا تغطي كلف المعيشة مما يدفعهم إلى الاقتراض أو العيش على مدخراتهم السابقة.
وعموما، تظهر نتائج الدراسة أن دول الخليج - وخصوصا دولة الإمارات - تفقد بسرعة جاذبيتها المالية كمنطقة للادخار العالي.
اتجاهات جذب المواهب والكوادر المهنية
منذ مدة طويلة، عاشت في دول الخليج أعداد كبيرة من الوافدين، منهم الوافدون من العمال أصحاب الرواتب الضعيفة ومنهم المهنيون وأصحاب الخبرات والمدراء الكبار. وتقدر نسبة الوافدين من مجموع سكان الخليج بنحو 31 في المئة وتبلغ نسبتهم في العمالة نحو 56 في المئة وتتعرض الحكومات في المنطقة للضغوط لتقليل اعتماد اقتصاداتها على العمالة الوافدة مع ازدياد أعداد الشباب من المواطنين الخليجيين الباحثين عن فرص وظيفية. ولكن في ضوء المستويات الحالية للنشاط الاقتصادي ومقارنتها مع الأعداد المتاحة من المواهب والكوادر المحلية، يواصل أرباب العمل في المنطقة اعتمادهم الواضح على الكوادر الوافدة بجميع مستوياتها.
وتشير لقاءات جلف تالنت دوت كوم مع أرباب الأعمال في أنحاء متفرقة من المنطقة أن الاضمحلال المتواصل للجاذبية المالية في دول الخليج جعل جهود اجتذاب المهنيين الأجانب أمرا أكثر صعوبة، وخصوصا من المصادر التقليدية مثل الهند والأردن، وهما دولتان تشهدان نموا اقتصاديا سريعا.
وفي الوقت نفسه، لم يتوقف تدفق الوافدين، فمع التطورات الاقتصادية في الشرق الأوسط التي تصنع عناوين الأخبار حول العالم، تجذب دول الخليج الاهتمام الدولي من الكثير من القطاعات المهنية التي لم تكن في السابق مهتمة بهذه المنطقة. إن التطورات التي شهدها القطاع المالي في المنطقة بما في ذلك التواجد المتنامي للمصارف الاستثمارية والشركات المساهمة الخاصة الاقليمية والدولية عززت مكانة الخليج كأسواق ذات تطور سريع توفر فرصا مهنية مثيرة ومفعمة بالتحدي، واجتذبت تلك التطورات أعدادا من المهنيين المرموقين من كافة أرجاء العالم من قطاعات الأعمال المصرفية والاستثمار، من الدرجات الوظيفية المتوسطة إلى درجة المدراء الكبار، إضافة إلى الخريجين الجدد من كبريات الجامعات والمعاهد المتخصصة في الأعمال. وتؤكد البيانات من كلية (INSEAD) الأوروبية الرائدة لإدارة الأعمال أن عدد الخريجين من حملة درجة الماجستير في إدارة الأعمال والذين يعملون في الخليج ارتفع بشكل كبير من معدل اثنين سنويا في التسعينيات من القرن الماضي إلى أكثر من 10 سنويا في الآونة الحالية.
وهناك مجموعة أخرى من الوافدين إلى الخليج الذين يزداد عددهم بسرعة وهم المسلمون من أصول عربية وآسيوية المقيمون في الدول الغربية، والكثير منهم من مزدوجي الجنسيات. وساهمت الكثير من العوامل في قدوم موجة من المسلمين المقيمين في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا إلى المنطقة، منها الفرص المتنامية في الخليج وتواجد الأقارب، بالإضافة إلى شعور شرائح من المجتمعات الإسلامية في الدول الغربية بالتهميش المتزايد بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
إلى جانب كل ذلك، أدت الصراعات في أجزاء آخرى من العالم العربي، وكان آخرها الحرب في البنان، إلى نزوح أعداد كبيرة من المهنيين الذين وجدوا في الخليج بيئة آمنة ومستقرة ومكانا لاستثمار مهاراتهم وامكاناتهم.
وعموما، تبقى الاعتبارات المالية أكبر محفز للقدوم إلى الخليج، ولكن تقل أهميتها ضمن منظومة القيم الإجمالية إذ يزداد عدد الوافدين إلى المنطقة بغرض تحقيق أهداف عملية وطويلة الأمد أو لأسباب شخصية.
ظاهرة دبي
على رغم أن دول الخليج بشكل عام تواصل اجتذاب المواهب والكوادر المهنية لأسباب ذكرناها آنفا، تختلف نسبة الوافدين بين منطقة وأخرى إذ تظهر بعض المناطق أكثر نجاحا من غيرها في الحصول على أفضل الكوادر. ولاتزال دولة الإمارات، على رغم الأخبار التي تتناقلها وسائل الإعلام الإقليمية والعالمية عن ارتفاع تكاليف المعيشة فيها، المقصد الأكثر شعبية بين دول المنطقة كافة. وحسب دراسة جلف تالنت دوت كوم، يفضل 73 في المئة من جميع الوافدين الراغبين بالانتقال إلى الخليج دولة الإمارات، و38 في المئة منهم يفضلون إمارة دبي بالتحديد.
ومع أن الإمارات تؤكد شعبيتها بين الوافدين من خلفيات مختلفة، تظهر شعبيتها بجلاء تام بين «العاملين في اقتصاد المعرفة». فعلى سبيل المثال، يبلغ عدد حاملي شهادات الماجستير في إدارة الأعمال من كلية (INSEAD) الأوروبية الرائدة ثلاثة أضعاف نظرائهم تقريبا في جميع دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة. ويعمل معظم هؤلاء مع شركات استشارات عالمية أو مؤسسات مصرفية استثمارية أسست مكاتب لها في الإمارات خلال السنوات القليلة الماضية. وأصبح تربع الإمارات على رأس قائمة المقاصد الإقليمية للمواهب العالمية المتميزة عنصرا أساسيا لقرارات الكثير من الشركات متعددة الجنسيات في عملية البحث عن أفضل مكان لتأسيس مقراتها الإقليمية. وبغض النظر عن قلق تلك الشركات بخصوص الكلفة العالية للعقارات، تجد معظم الشركات متعددة الجنسيات نفسها غير قادرة على تأسيس مقر إقليمي لها في أية دولة أخرى غير الإمارات، ومن بين الأسباب الخوف من عدم قدرتها على اتذاب المواهب والكوادر اللازمة إلى دول آخرى. وتتبع شعبية الإمارات من عدد من العناصر، كما توضح ذلك في دراسة جلف تالنت دوت كوم. وشرح المشاركون في الدراسة بعض تلك العناصر والتي من أهمها على الإطلاق توفر فرص العمل الجيدة والمفعمة بالتحدي في الإمارات والتي تدفعهم للقدوم إلى المنطقة - مع تدشين مركز دبي المالي العالمي الذي ذكره الكثير من المشاركين على وجه التحديد. ويأتي في المرتبة التالية توفر البنية التحتية والتسهيلات الحديثة ثم المستوى العالي من التحرر والانفتاح في المجتمع.
يذكر أن جزء كبيرا من قصة نجاح الإمارات في اجتذاب المواهب والكوادر المهنية العالية يتصل بسمعتها الدولية ومعرفة الشعوب في دول العالم المختلفة بها. فقد ساهمت النشاطات الترويجية لحكومة دبي وتدفق السياح في ايصال «قصة دبي» إلى شرائح كبيرة من مجتمعات دول العالم المختلفة.
وأدى الاهتمام الكبير بدبي إلى أن تصل أعداد طلبات العمل لدى شركات التوظيف إلى أرقام قياسية ومن كافة دول العالم. أما شعبية قطر فتبدو متركزة بشكل أساسي حول الاعتبارات المالية، وفي السعودية يتمثل عنصر الجذب الرئيسي بالنسبة لقطاعات كبيرة في البيئة الدينية وثقافتها الإسلامية مما يجعلها الاختيار المثالي خصوصا بالنسبة للوافدين العرب وكذلك بالنسبة للوافدين الغربيين من أصول مسلمة.
اتجاهات سياسة الاحتفاظ بالعاملين
بالإضافة إلى اختلافها في اجتذاب المواهب والكوادر، تختلف دول الخليج أيضا في قدرتها على المحافظة على كوادرها من الوافدين المتميزين. وعلى رغم وجود مؤشرات على أن أعدادا من الوافدين يغادرون الخليج بسبب كلف المعيشة المرتفعة، توضح دراسة جلف تالنت دوت كوم أن نسبة المغادرين للمنطقة لازالت صغيرة. وعموما، بفضل معظم المقيمين في الخليج حاليا البقاء في المنطقة، ولا تزيد نسبة الذين يخططون للعودة إلى بلدانهم الأصلية خلال فترة الـ 12 شهرا المقبلة عن في المئة. وبالنسبة لمن يخططون للعودة إلى بلادهم، كانت الأسباب الرئيسية التي ذكروها: القرب من العائلة والأصدقاء والرواتب الأعلى وكلف المعيشة الأقل وفرص العمل الأكثر تحديا. ومن الأمور الجديرة بالملاحظة أن النسبة المئوية للوافدين الذين يغادرون كل دولة متساوية تقريبا في كل دول مجلس التعاون الخليجي، مما يوحي بأن هذا التوجه سببه بشكل رئيسي عوامل عالمية تؤثر في المنطقة بشكل كلي وتشمل النمو الاقتصادي في الهند وضعف الدولار الأميركي، وليس المعدل المرتفع للتضخم في بعض دول المنطقة. ولكن هناك تنقل للموظفين بين دول الخليج ذاتهان غذ أوضحت الدراسة أن 37 في المئة من المهنيين الذين يرغبون بتغيير وظائفهم يبحثون عن العمل في دولة خليجية غير تلك التي يقيمون فيها حاليا.
وتبلغ النسبة أدنى مستوياتها في الإمارات (16 في المئة) بينما تبلغ أكبر نسبة في سلطنة عمان (60 في المئة) ويعود سبب انتقال البعض للعمل في دولة أخرى إلى القيود الحكومية المطبقة في معظم دول الخليج والتي تمنع الوافدين من تغيير رب العمل (الكفيل). ولكن في معظم الحالات ينتقل الوافدين بشكل اختياري بحثا عن فرص عمل أفضل.
كما كانت الإمارات المقصد الأكثر شعبية للوافدين المقيمين أصلا في المنطقة إذ تجتذب 62 في المئة من حركة انتقال الوافدين بين دول الخليج. وتأتي قطر في المرتبة الثانية بفضل رواتبها التي تتفوق في معدلها المتوسط وبحثها الدؤوب عن الخبرات الأجنبية المتميزة.
وحسب نتائج الدراسة، تتمتع الإمارات أيضا بأعلى معدل للاحتفاظ بالعاملين بين دول المنطقة، إذ تبلغ نسبة الوافدين الراغبين بالبقاء في الدولة 78 في المئة وحققت الكويت مكانة متقدمة فيما يتعلق بالاحتفاظ بالعاملين على رغم عدم شعبيتها بين الوافدين الجدد الذين يأتون للخليجين وربما يعود السبب في ذلك طبيعة تواجد الوافدين لفترات طويلة في الكويت والعلاقات الاجتماعية والعائلية التي تعززت خلال سنوات اقامتهم في الكويت. أما سلطنة عمان فهي الأقل جاذبية بالنسبة للمقيمين الحاليين، إذ تصل نسبة الذين يرغبون بالبقاء فيها أقل من نصف العدد الإجمالي للمقيمين.
وبنظرة عامة، نرى أن دولة الإمارات هي الأقل جاذبية من الناحية المالية على مستوى دول الخليج لكنها تبقى المقصد الأكثر شعبية سبب عوامل أخرى غير مالية تجعلها مختلفة عن بقية دول المنطقة.
انتقال مواطني دول مجلس التعاون الخليجي
يفضل معظم المواطنين الخليجيين البقاء في بلادهم بسبب ارتباطهم بها وقربهم من أفراد أسرهم وأصدقائهم ورفص العمل الأفضل بالنسبة للمواطنين في دولهم الأصلية.
و ظهرت مؤشرات على انتقال محدود للمواطنين الخليجيين وخصوصا بالنسبة لمن يتمتعون بمستويات تعليمية عالية أو خبرات عالمية ويتقنون الانجليزي بشكل جيد. وتمثل الإمارات المقصد الرئيسي بالنسبة لهؤلاء الأشخاص، ويعود السبب الرئيسي في ذلك التطورات الكبيرة في القطاع المالي وتوفر البيئة العالمية ووجود الشركات متعددة الجنسيات، إضافة إلى الاعتبارات الأخرى كأنماط الحياة العصرية. وتعتبر قطر أيضا اختيارا جذابا لأسباب مالية بشكل أساسي. وتشهد قطر تدفقا واضحا للقادمين من عمان والبحرين بسبب ضعف الرواتب في الدولتين. ويبدو أن عمان هي الدولة الخليجية الوحيدة التي لا تخسر وافديها فحسب بل عددا كبيرا من مواطنيها الذين يفضلون الانتقال إلى دول أخرى في المنطقة.
العدد 1646 - الجمعة 09 مارس 2007م الموافق 19 صفر 1428هـ