العدد 1650 - الثلثاء 13 مارس 2007م الموافق 23 صفر 1428هـ

الذين تتلمذوا علينا نتعلم منهم الآن

شق شريان غيمة، واشتهى جسده... أدونيس:

بيت الشعر يتسع قليلا قليلا، والحضور يتدفق إليه، فراش يتحلق حول لهب أدونيسي، القاعة الأولى اكتظت بهم، القاعة الخارجية تمتلئ، بعد قليل كان الطابق الثاني يزدحم أيضا، يصل صوت قاسم حداد بحنو، واضعا عصاه بالقرب من رجله التي قال عنها «لا تدعها تنكسر»، لكنها نكاية به انكسرت بمحض تعثر شعري، حداد يقول عن أدونيس له عنصران لا يفرّط فيهما، هما الجمال والحرية، وهذا ما يفسر ارتباط الثقافة العربية الحديثة بتجربته كما يشير حداد، وهو «الذي يتقدمنا دائما».

بعد أن اتكأ حداد على منسأته قائما، أخذ مكانه أدونيس، هذه المرة لم تكن هناك منصة بالمعنى الحرفي، كان جالسا إلى الأرض فقط، موزعا أوراقه على طاولة نحاة صغيرة، ملتحفا قميصا برتقاليا، يعتمر بياض غيمة على رأسه، وقد تكون الغيمة نفسها التي قال فيها «أشق شريان غيمة»، معتبرا أن المكان قصيدة أخرى، وأن الذين تتلمذوا عليه أصبح يتعلم منهم الآن، كان أدونيس متجليا من خلال قراءاته، والوقت الذي استغرقه فيها، أما الحضور فكان رهط شتّى، فقد حضر من السعودية مريدون كثيرون له، وكان منهم الكاتب والشاعر السعودي محمد العلي.

لم تكن هذه المرة الأولى التي يلتقي فيها الحضور البحريني بأدونيس، لكنه كعادته في المغايرة، سكن بالقرب من قلوبهم، وكان يقرأ للعراق من بابلها، ويعيد قوافل قريش إلى الحجاز، كان يقرأ الجسد عن ظهر قلب، قال عن اختياره للنصوص الدكتور الرائع عبدالكريم حسن إن اختيارات أدونيس لم تكن موفقة، كان نخبويا، يقرأ لنفر قليل، في حين اعتبر آخرون أنه كان بنّاء ماهرا، فهو يسك طوابق اللغة على بعضها، ليصنع منها قصائده الطويلة حد الصنعة.

أدونيس أو علي أحمد سعيد اسبر، المولود بقرية قصابين السورية، العام 1930م، يعتبر من أهم القامات والتجارب التي قادت التجربة العربية للحداثة، سواء من خلال آرائه أو نتاجه الشعري، وقد خلق اسم أدونيس في الفترة الأولى من حياته، ليرتبط به إلى الآن، وأدونيس معشوق الإلهة أفروديت، إله الربيع والإخصاب لدى الإغريق، للمصادفة سألت سيدة عن معنى هذا الاسم، فأخبرتها أنه يعني الثور، لأنه يصور عادة كشاب وسيم له قرنا ثور، إلا أن الاسم حقيقة يعني كما تقول الدكتورة سميرة بن عمو «السيد الرفيع»، أو السيد الأعلى، فهو من قسمين «أدو» السيد و «نيس» الأعلى.

قدم أدونيس خلال أمسيته التي أقيمت ضمن فعاليات مهرجان ربيع الثقافة 2007م، ببيت الشعر «بيت الشاعر البحريني إبراهيم العريض»، قصائد ونصوصا كثيرة، كان أكثرها نصوصا تفعيلية، ما دفع بالبعض إلى اعتبار ذلك نكوصا على مشروعه النثري، غير أن أدونيس حتى خلال مشروعه الكبير «كتاب الكتاب» وأعماله عموما، لم يكن يعير مسألة الشكل أهمية كبيرة، وإن ظهرت الكثير من نصوص مشروعه بالنفس التفعيلي، أما من جانب الإلقاء فلا شك أن فتنة وسحر أدونيس كانا حاضرين، إذ كان شاعرا يعرف أين يقف وأين يمكنه أن ينزل سلّم إيقاعه برشاقة، لكن في جانب آخر ظل أدونيس وفيا للإمالة الشامية في الحرف، فمازال ينطق كلمة نوافذ بحرف الزين، كأن يقول «نوافز».

العدد 1650 - الثلثاء 13 مارس 2007م الموافق 23 صفر 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً