العدد 1652 - الخميس 15 مارس 2007م الموافق 25 صفر 1428هـ

البحريني يتحدى الهموم بالنكتة

لها القدرة على إزالة الأزمات والاحتقان...

سأل أحد البحرينيين مواطنا خليجيا عن راتبه فقال الخليجي:

الراتب الأساسي 500 دينار، مضافا إليه 60 دينارا علاوة اجتماعية، و100 دينار بدل سكن، و50 دينارا بدل طبيعة عمل، و50 دينارا بدل سيارة، و50 دينارا بدل استخدام الهاتف المحمول.

وعندما انتهى الخليجي من كلامه سأل البحريني: «وأنت، كم راتبك؟» فقال البحريني: «200 دينار»! فأجابه الخليجي: «هذا الراتب أم البدل؟»، فأجابه البحريني: «بدل لا أتسول»!

كانت تلك إحدى النكت التي انتشرت كثيرا، ثم ما لبثت أن أصبحت من الطرف القديمة، ولكن هناك أخرى أقدم منها إلا أنها لطيفة في كل الأحيان... فمما ينقل من طرائف أن هناك أربعة مسافرين في باخرة: بحريني، أميركي، ياباني وآسيوي، وتعرضت السفينة لعاصفة فقررت المجموعة التخلص مما تحمل من أمتعة لتخفيف الوزن، فألقى الأميركي سيارته الرياضية الفاخرة قائلا: «عندنا منها الكثير»، أما الياباني فقد تخلص من أجهزة إلكترونية حديثة قائلا: «نحن كذلك عندنا منها الكثير»، فلم يجد البحريني غير الآسيوي ليرمي به في البحر وسط استغراب رفيقيه قائلا: «عندنا من هذا الكثير الكثير»!

وللنكتة البحرينية مزاج خاص وجو خاص أيضا، وخصوصا تلك التي ترتبط بشكل مباشر بالظروف المعيشية وكذلك السياسية على نحو يومي، ولعل في هذا المجال، تبرز مدرستان شعبيتان في المونولج/ الفكاهي أحرزتا شهرة كبيرة، أولهما الفنان عدنان الدوغة الذي كان لامعا في فترتي السبعينات حتى نهاية الثمانينات، ويجيد التقليد وحبكة المشاهد المضحكة، ولكن المتصدر على الساحة اليوم هو الفنان علي مهنا، الذي انتشرت شهرته على مستوى الخليج، على رغم أن الغالبية العظمى من أعماله تحاكي ظروف المجتمع البحريني.

وكما يعتقد البعض، إن النكتة البحرينية لم تتألق بصورتها الحالية إلا منذ منتصف التسعينات، بل أصبح انتشارها يزداد مع اختلاف الظروف المعيشية والاجتماعية والسياسية قسوة أو لينا، ومع أن الكثير من النكت والطرائف البحرينية اليوم اتخذت طابعا (لا يصلح لأن يكون عائليا أو نظيفا) بسبب انحرافها نحو الإيماءات والمعاني التي تصل إلى حد الفحش والمنكر، إلا أن القليل منها يمكن أن يعطي دلالاتٍ كثيرة يتحدى من خلالها - هي وغيرها - المواطن البحريني خصوصا، والعربي عموما، الظروف الصعبة والمحن للترفيه وتطييب النفس.

ولم يقتصر الأمر على هذا الحد، فأصبحت بعض النكت تأخذ طابع السخرية من المواطنين تبعا لمناطق سكنهم، فبدلا من أن يقال: «بحريني» يقال: «محرقي» أو «ستراوي»... كما هي الحال أيضا مع الكثير من النكت الواردة من مصر، حيث الصعايدة هم مصدر النكتة وأبطالها، أو من الخليج حيث يتجاوز الأمر هذا الحد ليصل إلى استخدام أسماء عوائل خليجية، سواءٌ أكانت من الحضر أم البدو.

وللدلالة على تلك النكت للتوضيح، نسوق هنا بعضها بتغيير أسماء المناطق إلى لفظ مواطن:

- مواطن زعلان مع زوجته لأنها ما طبخت غدا... عشان تراضيه قالت له: قوم حبيبي بسوي لك «مساج» massage قال: والله إن سويتيه رميته في الزبالة!

- مواطن حذف على وحدة وردة ماتت. ليش؟ نسى يشيل منها المزهرية!

- مواطنة فتحت جواز زوجها وشافت مكتوب فيه «المهنة رجل أعمال»، قامت شخطت عليه وكتبت رجل مريم وبس!

- مواطن نامت رجله... لحفها!

- مدرس يسأل طالب: إذا كبرت ويش بتصير؟ قال: أكيد بصير شايب!

- بحريني ينتظر بيت إسكان، قالوا له: راح نعطيك في سبتمبر، قال: لا أبغي مع ربعي في مدينة حمد.

- مواطن يقول حق الطبيب: أنا كل ما لمست مكان بجسمي عورني! كشف عليه الدكتور لقى صبعه مكسور!

- مواطنة تأخر عليها زوجها! قالت حق أمها: أخاف تزوج علي؟ قالت أمها: «لا.. تفاءلي بالخير، يمكن مسوي حادث».

وقد تمكن المونولوجست البحريني الفنان علي مهنا من تقديم نماذج من الأعمال الكوميدية البحرينية المرتبطة بصور متعددة بحياة المواطن البحريني، وهي أعمال لامست قلوب الغالبية العظمى من الشعب البحريني بكل طوائفه، بل الخليجي أيضا، فهناك تجد إنتاجه من «مسجات» (رسائل نصية) وإصدارات سمعية منتشرة بشكل كبير، ولاسيما في دولة الكويت.

ويصرح الفنان علي مهنا، بأنه يعايش هموم المواطن، وأن أعماله التي تأخذ طابع الترويح عن النفس وبث الابتسامة في النفوس ومكافحة الهم والغم والطائفية وكل الموضوعات التي تُثقل على قلب الإنسان؛ كي يعيش سعيدا، فهو يأخذ الفكاهة التي يقدمها من جانبها الفلسفي المنطقي من تلطيف النفوس، وبناء الروحية المرحة القوية القادرة على مواجهة كل أنواع المنغصات ابتداء بحالات الحزن والضيق والقلق المؤقت انتهاء عند الاكتئاب، فرسالته التي يود نشرها في المجتمع هي: تحدي الواقع المر بابتسامة جميلة وضحكة تزيح عن النفس الهموم.

تحمّل مشاق الحياة

يجزم الأديب العربي السوري حبيب كحالة، أن النكتة تبعث في النفوس المرح والابتسام، وهذا يعينها على تحمّل مشاق الحياة وويلاتها، فالشعب الذي لا يبتسم ولا يضحك لا يستطيع أن يجابه المصاعب والآلام، ولا يستطيع أن يستهين بمشكلات الدهر وتقلب الأيام، كما أن الناس لو استعانوا بالمرح والابتسامة في فض خلافاتهم وحل مشكلاتهم؛ لاستطاعوا أن يتغلبوا عليها كلها؛ ولما قامت هناك منازعات وخصومات، وهكذا فالسياسي المرح يدرك ما لا يدركه السياسي العبوس، وكذلك الموظف المرح والتاجر المرح والطبيب المرح والزوج المرح أيضا؛ لأن المرح من أهم عوامل النجاح؛ بل من أسباب السعادة، فالسعيد ضحوك والسعادة لا تأتي إلا الذين يحسنون استقبالها.

البحريني يتنفس نكتة

وإذا حاولنا وضع مرحلة ميلاد للنكتة البحريني، فسنجد الأمر صعبا، ولكن «البحريني يتنفس نكتة» كما يشير الفنان والأديب البحريني إبراهيم راشد الدوسري المهتم بالتراث، فهو يقول: «من المعروف أن الشعب العربي يتنفس من خلال النكتة، وهذا يعني أنه يتنفس سياسيا واجتماعيا ودينيا حتى من ناحية ما يريد أن يطرحه من بوح... النكتة هي الأقرب وهي كالكاريكاتير وقد تكون أشد نقاوة من المقال، ولكنها سريعة الوصول والتأثير أحيانا، حتى المسئول قد يضحك من النكتة المجارية لقضية معينة».

«الشعب المصري يتميز بالنكتة على المستوى التاريخي»، كما يقول الدوسري، وفي البحرين يمكن القول إن النكتة ليست ظاهرة كالشعب المصري بحكم التراكمات والضغوط وطبيعة الحياة الاجتماعية، ولكن في السنوات الأخيرة، وربما نحددها من بعد الغزو العراقي للكويت، وبعد دخول البحرين مرحلة الإصلاحات، أصبحت لدى المواطن حرية أكثر في طرح ما يخفيه صدره... فحرية التعبير مكفولة من جانب المشروع الإصلاحي لجلالة الملك؛ ما أفسح المجال أمام كوميديا اللحظة واللقطة والحياة اليومية، وزادت هذه النكت مع تشكيلة المجلس الوطني - وخصوصا في مراحل بداية تشكيله - وكذلك خلال فترة تنظيم الحملات الانتخابية، ولربما صُنِعَت النكات التي هي أكثر مرارة وحرقة أثناء النقاشات التي تُطرح في المجلس الوطني.

شعب يستجيب بالكلمة الطيبة

وتابع أن «البحرينيين يحبون النكتة، وبرز لدينا فنان جِدّ جميل، وهو الفنان علي المهنا وأنا أعتبره ظاهرة استطاع أن يعبر عن هموم الشعب البحريني بكل طوائفه من خلال «قفشات» وأفكار حية وحيوية، ولم يظهر أكثر منه جرأة ولكنها جرأة محببة، على رغم أنه عسكري، فإنه وجد مساحة في التحرك لتقديم موهبته وكذلك بالنسبة إلى اختيار الموضوعات المختلفة».

ويعتقد الدوسري أن الشعب البحريني - قياسا على الشعوب الأخرى - ظريف ومعروف ببساطته؛ ولذلك تجده، ومهما صعّد نبرته الاحتجاجية، إلا أنه بكلمة طيبة وقليل من الطيبة يمكن أن يستجيب. عموما، إن المواطن البحريني محبٌ للنكتة، وهي من الأشياء التي ترفع درجة صبره على كثير من الأمور المعيشية من خلال الطرفة و «المسجات» اللطيفة، وتجد الناس في المجالس - على رغم وصول النقاش إلى حال من الاحتقان - وكذلك الحال في المقاهي، ينفسون عن أنفسهم من خلال اللطائف والنكات والطرفة، فاستطاع الإنسان البحريني أن يتكيف مع كل الأوضاع، وإذا استطاعت الحكومة أن تمتص بعض الأزمات الاقتصادية والعالمية فإنّا نقول: إن الشعب البحريني امتص الأزمات الداخلية بنفسه المرحة في كثير من الأحيان، من وجهة نظري.

وأود أن أختم - والكلام للدوسري - بأن أقول: إني أستطيع تسمية المواطن البحريني بالإنسان المائي، الذي تشعر بأخلاقه وبرقته وبتصادقه بسرعة وله بشاشته ويحوّل همومه ومعاناته ويسخر حتى من نفسه.

فوائد النكتة صحيا

هناك في جسم كل إنسان، غدة تعلو الكلوة تسمى الغدة الكظرية، وهي تفرز مادة الإدرينالين كلما اضطرب عصب الإنسان أو كلما تأثر أو انفعل أو ساوره هم أو نكد، وهذه المادة تقبض الأوعية الدموية بشدة، فنرى الشخص المهموم دائما شاحب اللون أصفر الوجه بسببها، هذا فضلا عن أن كثرة إفراز هذه المادة يسبب ما يسمى «تصلب الشرايين وارتفاع ضغط الدم»، ويزيد الأطباء على ذلك فيقولون إن «ضرر هذه الاضطرابات والانفعالات النفسية، ومجابهة هذه المشكلات على هذه الصورة لا يقفان عن حد زيادة المادة، بل يزيد في سكر الدم أيضا وبتكرار هذا يصاب الإنسان بالسكري، وهو مرض أضحى - في هذه الأيام المملوءة بالمشكلات والصعوبات - مرضا منتشرا بدرجة عالية».

وينصح الأطباء بالابتعاد عن هذه المشكلات والآلام، والعمل على جلاء ما تراكم على الصدور والأعصاب من سموم وهموم بواسطة النكتة، أو بقراءة الصحف الهزلية ومشاهدة الأفلام المضحكة وتجنب كل ما يثير القلق والهم، فالإنسان إذا لجأ إلى هذا فإنما يضفي على روحه نوعا من المرح والسرور فينجلي ما تراكم على أعصابه من صدأ وسموم، ويقل عندئذ السكر في الدم، وتقوى الأوعية الدموية وعندها يحس بشعور السعادة النابع في الصدور ويشعر بالراحة الفكرية والهناء الطبيعي فيعود أكثر نشاطا وأشد حماسا لمجابهة مشكلات الأيام.

النكات تعبّر عن نفسيات الشعوب

النكتة تدل غالبا على روح الشعب الذي صدرت عنه أو أنها تعبّر عن نفسيته وعن أخلاقه وعن طباعه، فإذا قرأت النكات التي تُروى عن الإنجليز مثلا عرفت شيئا من طباعهم، وكذلك إذا قرأت النكات التي تُروى عن الأميركيين والاسكتلنديين والفرنسيين، وأمم الشرق، وغيرها فإنك تعرف حقيقة طباعهم من سماع نكاتهم.

أما على مستوى العالم، فيعرف بيرنديللو الأميركي الجنوبي بأنه زعيم النكتة، وهو الذي يعرّفها بأنها «التناقض في الاستياء أو المبالغة أو التحوير في الحقائق»، وقد أتى بمثل على وجهتي التناقض بامرأة عجوز شمطاء تتبرج، أو رجل وقور يلبس السموكين وقد زلت به قدمه فسقط في الطين، وهو يرى أن مظهر تلك المرأة العجوز على هذا الشكل إنما هو نكتة؛ لأن هناك تناقضا بينا بين عمرها وبين حركتها، ومشهد ذلك الرجل الوقور الذي سقط في الوحل وتمرغ في الطين إنما هو نكتة؛ لأن هناك تناقضا بين وقاره وبين ما صار إليه.

العدد 1652 - الخميس 15 مارس 2007م الموافق 25 صفر 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً