على رغم أن طفلنا لم يتجاوز السادسة من العمر، فإنه كثيرا ما يروق له أن يتحدث باللغة الانجليزية وتركيب بعض الجمل و»يرطن» بها عندما نذهب معه إلى الأسواق والمحلات الكبيرة، وكأنما يحاول التباهي بلغته الانجليزية (المكسّرة) أمام الآخرين على رغم جهله بأن التحدث بالانجليزية يعتبر ميزة وخاصية تدعو إلى التباهي لمن هم في مثل سنه. لاشك أن ذلك يلفت انتباه الآخرين، وخصوصا إذا قمنا بالتجاوب معه باللغة نفسها (بناء على نصائح وتوجيهات المدرسة)، البعض ينظر إليه بإعجاب وآخرون يحسبون أننا «نفوشر» ونتفاخر بذلك أو نتنكّر للغتنا و(أصلنا)! فصرنا اليوم نحاول أن نثنيه عن ذلك دفعا للحرج أو على الأقل منعا للحسد!
الإلمام باللغة الانجليزية والتمكّن منها أكثر ما يدعو الوالدين أمثالنا إلى تحمّل رسوم ومصاريف المدراس الخاصة.
فالملاحظ أن الكثيرين صاروا يتسابقون في إلحاق أبنائهم بالمدارس الخاصة لما يجدونه من فرق شاسع في سرعة التعلم وإتقان استخدام ذلك العلم بين تلميذ المدرسة الخاصة وقرينه في المدرسة الحكومية... كثير من الأسر تفعل ذلك على رغم أن بعضها لا تستطيع الغيفاء برسوم المدرسة إلا بشق النفس والضغط في المصروفات، إلا أنها تضحي وتتنازل عن أشياء ومتع كثيرة في سبيل تعليم ابنائها.
ومع ذلك فليس ذلك هو السبب الأهم والوحيد، فالمدارس الخاصة المحترمة للطفل التلميذ، مثل العيادات الخاصة بالنسبة إلى المريض! فأنت تشعر بأن تعامل إدارة المدرسة الخاصة مع الطفل والوالدين فيه الكثير من التحضّر والتقدير سواء في المتابعة أو الإرشاد أو صقل الموهبة، ناهيك عن تعليم الخلق الحسن مع الأقران و(الإتيكيت) مع الوالدين والأسرة ككل... وليس الثناء والإطراء على المدارس الخاصة يأتي في مقابل ذم وقدح في المدارس الحكومية، ولكن هناك الكثير مما غفلت وتغفل عنه مناهج وزارة التربية، التفتت له وركّزت عليه المدارس الخاصة، بل حتى سلوك الطفل في المنزل يتغيّر بحيث يغلب عليه الهدوء والرغبة في الفهم والتحاور.
نعم يقول البعض «إنّ كل شيء بثمنه» وإن رسوم المدارس الخاصة التي (تقصم الظهر وتقضم الشهر)، كفيلة بأن تجبر إدارة المدرسة على أن تبالغ وتتفانى في تعليم وتوعية وتثقيف أبنائنا... ولكن المعلوم أن المدارس الخاصة ليست كلها بالمستوى نفسه على رغم تقارب حجم رسوم الدراسة، كما أن المقررات غالبا هي ما تكون المحك، إذ الاختلاف بينها وبين مقررات وزارة التربية، إذ إنها أكثر شمولية وتحديا وعمقا وهذا ما يصقل ويكشف عن موهبة تلميذ المدرسة الخاصة في سن مبكرة.
غير أن المسألة التي تزعج الآباء والأمهات ذلك الاحتكار الصريح والمعروف لدى المدارس الخاصة ولدى وزراة التربية... احتكار محل أو اثنين للزي المدرسي، الأمر الذي يجعلهما يتحكّمان في الأسعار بصورة جشعة بحيث يصبح سعر القميص أو أية قطعة أضعاف السعر الذي يمكن به تفصيل تلك القطعة وخياطتها في محلات الخياطة الأخرى، ونظرا لكون المدارس تلك لا ترضى بغير هذا الزي لوجود شعار المدرسة مطبوع عليه، فإن تلك المحلات تستغل هذا الأمر في بداية الموسم الدراسي فترفع الأسعار ثم تعاود خفضها بعد ذلك!
ويذكر أنه قبل عدة أيام نشرت «الوسط» في الملحق الاقتصادي خبرا مفاده أن وزارة التعليم في بريطانيا وجّهت تنبيها وتحذيرا إلى المحلات التي تبالغ في سعر الزي المدرسي، لما يشكله ذلك من عبء آخر على الأسر، ومطالبتها بمراعاة ذلك الأمر، فهل تحدو وزارة التربية لدينا حذو الوزارة البريطانية في كبح جشع تلك المحلات؟
جابر علي
العدد 1658 - الأربعاء 21 مارس 2007م الموافق 02 ربيع الاول 1428هـ