يقال «إذا طاح الجمل كثرت سكاكينه» وبتغيير بسيط لمفردة الجمل بالنسر يصبح المثل «إذا سقط النسر كثرت سكاكينه»، وهذا ما حدث فعلا للفريق الأول لكرة القدم بالنادي الأهلي هذا الموسم والذي فقد قوته واتزانه بشكل محير وأصبح فريسة سهلة لكل الفرق لدرجة أنه فقد شهية الفوز في هذا الموسم ومنذ بدايته حتى أنه أنهى موسمه مبكرا وهو الأمر الذي لم نتعوده منه، وطبعا هناك أسباب كثيرة أدت إلى هذا الانهيار الكبير للنسر الجريح بحيث أصبح عاجزا عن التحليق في هذا الموسم وتعثر وسقط وخرج خائبا من الباب الضيق.
صدمة قوية في أرجاء النادي الأهلي وذهول على وجوه الأهلاوية، حالة من الحزن الشديد تنتاب منتسبي ومحبي هذا النادي العريق كيف لا و»نسر» الكرة البحرينية يودع مسابقاتنا المحلية من دون وضع بصمته عليها! ويترك الأضواء ليكون ضيفا ثقيلا بعد أن كان رقما صعبا في المسابقات المحلية في العام الماضي؟!
بالأمس القريب وفي مباراته قبل الأخيرة له هذا الموسم في مسابقة كأس الملك أطلق الثعلب البرتقالي فريق الحالة رصاصة الرحمة على «النسر» بهدف من رأسية أبولاجي ليكون هدفا قاتلا ينهي مشوار الأهلي في الموسم الأسوأ وليجعل الموسم الجاري هو الأسوأ له خلال السنوات العشر الماضية. نعم سقط «النسر» ولكن من المتسبب في هذا السقوط الحزين والمرير على عشاق وجماهير النادي؟ طبعا هناك الكثير من المتهمين الذين لعبوا دورا في «بهدلة» الفريق ويأتي على رأس هؤلاء المتهمين «الإدارة» التي تركت الحبل على الغارب، وهناك الجهاز الإداري سواء السابق أو الحالي الذي فشل في الاختيار الجيد للاعبين المحترفين وهناك اللاعبون أنفسهم الذين فشلوا في الملعب ولم يقدموا شيئا ليحافظوا على سمعة النسر وتاريخه، ولا ننسى الدور السلبي لجماهير النادي ومحبيه الذين تركوا المدرجات لقلة من «المرتزقة» لا تشجع ولا تؤازر فقط للسب والشتم وهؤلاء يعرفون أنفسهم جيدا، وأنا هنا لا أعني كل الجماهير فهناك أشخاص يجب تقديم الشكر لهم فقد وقفوا مع الفريق تتضاعف عندما تجد بصيص أمل وتغيب لتعلن احتجاجها عندما يضيع هذا الأمل.
بوخمسين ضد التيار
ولو فصلنا أسباب السقوط الحزين لوجدنا أن إدارة النادي تتحمل المسئولية الأولى والكبرى عن سقوط النادي فهي في واد والفريق في واد، والغريب حقا أن هناك رفضا قاطعا من جميع أعضاء مجلس الإدارة في تولي مسئولية قطاع كرة القدم والذي رفضه القريب قبل البعيد حتى أن تعيين رئيسه جاء بعد تشكيل الأجهزة الفنية والإدارية لجميع الفرق عدا الفريق الأول ومن دون وجود مدير ورئيس للكرة والذي تسلمه في البداية عبدالعزيز بوخمسين والذي أخذ يصارع ويسبح ضد التيار لوحده ومن دون وجود أدوات التجديف الخاصة بالسباحة ولا اسطوانات الأوكسجين... نعم، بقي وحيدا يصارع على أمل أن يتمكن من تعديل أوضاع الفريق وخصوصا الحالة النفسية للاعبين الذين خرجوا من موسم رائع من ناحية المستوى والأداء ولكنهم خرجوا خالي الوفاض من ناحية النتائج.
وأنا هنا لا أعفي بوخمسين من تحمل المسئولية فهو جزء منها وخصوصا أنه قبل تحمل مسئولية الجهاز ولكن وبحسب معلوماتي أن صلاحياته كانت منقوصة ولذلك فهو قبل بالأمر منذ البداية وعليه تحمل مسئولية ذلك.
ولو بحثنا في أسباب سقوط النسر وعجزه عن التحليق في هذا الموسم فإننا سنرى عقبات ومطبات كثيرة في أجوائه تتمثل في الآتي:
عقبة الجانب النفسي
العقبة الأولى للنسر في التحليق والطيران هي الحال النفسية للاعبين، ولو سألنا ما الذي فعلته الإدارة في تصحيح وتعديل أوضاع الفريق من ناحية هذا الجانب «النفسية» لتأكد لنا أنها لم تفعل شيء سوى أنها كافأت اللاعبين بمبلغ «600 دينار» ويشمل جميع البطولات التي شارك فيها الفريق في الموسم الماضي «الدوري وكأس الملك وكأس ولي العهد والبطولة العربية».
الإدارة لم تتجشم العناء وتعقد اجتماعا صريحا مع الفريق وكان الأجدر بها تحديد اجتماع وأن يكون دوريا مع اللاعبين ومحاولة رفع معنوياتهم بشتى الأساليب والطرق، ولكن هذا لم يحدث ومرت الأمور كما هي ليفقد الفريق السلاح الأول في التحليق.
عقبة الاستقرار الفني والإداري
أما العقبة الثانية التي وقفت في طريق النسر فهي فقده في هذا الموسم عامل الاستقرار الفني والإداري وهو من الأسلحة التي تميز بها الفريق الأول في النادي الأهلي أكثر من غيره في الأندية المحلية، فلو رجعنا للسنوات العشر الأخيرة لوجدنا أن النادي الأهلي لم يقدم على تغيير الجهازين الفني والإداري للفريق بل إنه عمد إلى تثبيت الجهازين في الكثير من الأحيان لضمان الانسجام والاستقرار والتفاهم بين جميع أطراف الفريق، إلا أن ما شاهدناه في هذا الموسم من متغيرات كثيرة سواء على الصعيد الفني أو الإداري أربك الفريق وخصوصا أن التجديد طرأ على الصعيدين، وما زاد الأمر سوءا التغيير الذي حدث في منتصف الموسم على رغم إيجابيته الفنية والنفسية والنوعية.
عقبة المحترفين الأجانب
العقبة الثالثة هي تغيير المحترفين، فبعد رحيل جون وفتاي وهو أمر وارد في عالم كرة القدم، إلا أن تعويضهما بلاعبين أقل مستوى وفاعلية أمر يتحمله في المقام الأول الجهاز الفني للفريق بقيادة الألماني يورغن غيدي لأنه من أعطى الضوء الأخضر للتعاقد مع البوسني توربيش والعراقي علي نعمان بالإضافة إلى النيجيري فيكتور، أما المحترف الرابع فهو العراقي حسان تركي والذي جددت الإدارة الأهلاوية عقده منذ الموسم الماضي بناء على مستواه ونصيحة المدرب السابق للفريق كريسو، إذا المسئولية مشتركة بين الجهاز الفني للفريق والإدارة في أمر التعاقد مع اللاعبين المحترفين.
والأمر الآخر وبحسب معرفتي الشخصية بأمر التعاقد مع اللاعبين الأجانب في النادي فإن الإدارة تضع بعض العراقيل من ناحية الكلفة المالية ما يصعب الأمور في إيجاد محترف بمواصفات عالية، وهناك أيضا آلية التعاقد مع اللاعبين من خلال الاعتماد على السيرة الذاتية للاعب وهو أمر غير محبب وعدم اللجوء للتجربة الفنية الممزوجة بالمنافسة من خلال وجود أكثر من لاعب تحت التجربة.
ونعود إلى لاعبي الفريق الأجانب المنتهية أوراقهم الذين أصبحوا بانتظار نهاية عقودهم وتسلم مستحقاتهم وجاء وقت رحيلهم، فالإحصاءات والأرقام كشفت المستور وضعف المستوى الفني والاختيار بسبب «التخبط» الذي عاشه الفريق وضياع الفلوس مسلسل سيتكرر، فالسباق على «ودنه» من يشتري بسعر أعلى وخصوصا إذا كنت تريد البطولات فكل الأجانب الذين مثلوا الفريق كانوا غير مقنعين، ومستواهم والنتائج دليل على ذلك؟!
عقبة اللاعبين
أما أبرز العقبات التي وقفت في طريق النسر هذا الموسم فهم اللاعبون أنفسهم الذين خذلوا جماهيرهم التي راهنت عليهم في بداية الموسم بعد أن فقدوا الحماس والروح القتالية العالية التي تحلوا بها في الموسم الماضي وجعلتهم في أبهى صورة وميزتهم عن سائر الفرق، إلا أنهم في هذا الموسم ألغوا كل ما فعلوه وظهروا بصورة مغايرة نسفت ما بنوه في الموسم الماضي، ويمكننا أن نعزو ظهور اللاعبين بهذا المستوى الضعيف إلى عدم اهتمام الإدارة بالحال النفسية لهم على نحو ما ذكرناه في العقبة الأولى للفريق.
سقوط النسر ليس كبوة
ولو تمعنا في العقبات الأربع التي واجهت الفريق لوجدنا أن الإدارة الأهلاوية مشتركة فيها وبنسبة كبيرة فالإدارة عامل وعنصر مهم في طريق النجاح، فالإدارة الناجحة هي الطريق إلى نتائج منطقية وإيجابية وإنجازات لا حدود لها، فلو جلبت أفضل فريق في العالم وفي صفوفه أفضل العناصر ولكن من دون إدارة ناجحة فلن يتمكن هذا الفريق من فعل شيء وسيخرج خالي الوفاض ومن دون تحقيق إنجاز أو بطولة بعينها والأدلة على ذلك كثيرة سواء في واقعنا الرياضي المحلي أو العالمي. إذا 4 أسباب وعقبات رئيسية أطاحت بالنسر وأسقطته بالضربة القاضية وجعلته يترنح يمينا وشمالا حتى سقط من السماء السابعة إلى الحضيض، مع التأكيد على أن هناك من الأسباب الكثيرة في سقوط النسر إلا أنها تبقى ثانوية وجزئية مثل الأخطاء الفنية من الجهاز الفني السابق والحالي وكذلك الأخطاء الفردية والشخصية من قبل الجهاز الإداري واللاعبين، وإذا كان هناك من يعتبر أن سقوط النسر يمثل كبوة فهو واهم ومخطئ لأن الكبوة لا تدوم فترة زمنية طويلة تصل إلى حد موسم بأكمله ومن سيقول ذلك ويؤكده فإنه يبيع الوهم على جماهير القلعة الصفراء المغلوبة على أمرها؛ لأن الأكيد والصحيح هو التخبط الإداري الكبير الذي عاشه النسر هذا الموسم هو من أسقطه و»نتف ريشه».
إدارة مبنى وورق
فالإدارة هي المسئولة الأولى عما حدث للفريق والدلائل كثيرة أولها، ماذا فعلت في مواجهة انحدار مستوى الفريق وغياب الروح القتالية عن اللاعبين، نعم هي المسئولة ولتحاسب نفسها أولا لتعرف مدى مسئوليتها، فكم من المباريات والتدريبات حضرت للفريق وكم من الاجتماعات عقدت مع اللاعبين لتتدارس وضعيتهم ومواجهة أطراف الانتكاسة ومن أجل مناقشة أمور الفريق وطرح الأفكار والحلول وهو الذي لم يحصل ويحدث، ولو حدث فعلا لما وصل الفريق إلى هذا المستوى. ولكن الأعضاء ارتباطهم بالنادي أصبح ارتباط مبنى فقط يتسامرون فيه ليلا يلعبون الورق ويضحكون ويشاهدون التلفزيون!
نعم، هي مسئولة بمنطق واحد لا ثاني له، ربما وهو الأكيد أن هناك أصوات ستخرج وتبرر أن اللعبة أخذت حقها وزيادة، ولكن أنا هنا أتحدث عن سلبية الإدارة في بعدها عن الفريق وعدم تدخلها وتداخلها مع اللاعبين ومعرفة أبرز ما يدور حولهم سواء من الناحية النفسية أو الاجتماعية ناهيك عن الأمور الفنية للفريق.
العدد 1703 - السبت 05 مايو 2007م الموافق 17 ربيع الثاني 1428هـ