العدد 1704 - الأحد 06 مايو 2007م الموافق 18 ربيع الثاني 1428هـ

خمسة... وسادسهم قلب طفل

من الصعب الكتابة عن خمسة نوارس بقطرة واحدة، هذه الإشكالية التي واجهتني وأنا أدخل إلى المعرض الذي قدمه كل من الفنان خمدن والفنان علي المبارك والفنان خالد الطهمازي والفنان حامد البوسطة والفنانة ثريا حمّاد، في اليوم الخامس من الشهر الخامس، لخمسة فنانين، لكل فنان خمسة أعمال.

كل ذلك تراكم يجعل من قراءة الأعمال أمر صعب، والتنوع والاختلاف بين أعمال الفنانين، يعطي هذه الصعوبة كثافة أعلى، فتجربة خمدن لوحدها تحتاج لقراءة خاصة، ولا شك أنه قدم أعمالا تدعو إلى التأمل، والاستنفاد في التعامل معها، وكذلك جميع الفنانين، وبعض الفنانين أحسست بعدم القدرة على التعامل مع تجربتهم، وذلك لأنها المصافحة الأولى، ولأن أعمالهم تدعو للحيرة، فمثلا قدم الطهمازي مجموعة متجانسة، عمل فيها على سمة واحدة، كانت الآلة الموسيقية حاضرة في أعماله، وشخوصه غاب جزء من ملامح بعضها، في حين غابت ملامح بعضها كاملة، ملامح قد تسكنها اللاتينية، تميزت بنية الأجساد فيها بالطول الواضح، وسكنها البني بصورة عامة ببعض تدرجاته.

في جانب آخر كانت تجربة خمدن ذاهبة في التجريد للخط العربي، وأخذ اللون طرف من جانب العمل، فنجد الماروني أو الرمادي، أو حتى الأخضر والذهبي، ثم تجد في الأخيرة ينزل البني بكل مستوياته ضيفا جميلا عليها، ركز خمدن كتله وأشكاله في وسط العمل، بتداخل الحروف، وتداخل الانحناءات أيضا، لكن يبقى السؤال ما مدى إضافة هذه التجارب ولمستها على تجربة هؤلاء الفنانين، كنت أتمنى أن تكون لنا أسماء مهتمة بالنقد الفني بصورة تخصصية في البحرين، لتعطى هذه التجارب مواكبة نقدية، يمكنها الإسهام في خلق مناخ جمالي أكثر سعة.

البيئة التي تسكن المبارك

علي المبارك من التجارب الجيدة، والتي تقترح توظيف البيئة كسمة دائمة في أعماله، وخلال معرضه المشترك مع مجموعة من الفنانين، تحت مسمى 5x5x5 قدم المبارك خمسة أعمال، تميزت في مجملها باللون الأخضر، وفي حديث عابر معه يقول المبارك انه مال إلى التجريد في أعماله الأخيرة، وهو محالة منه لتبسيط الواقع، إذ كان يعمل بشكل ما على الأعمال الواقعية، ليذهب في تجريد اللون، لكن في اعتقاد المبارك أن هناك إحساسا بالأشياء والأشكال في العمل، فهي نتاج البيئة، فالتجريد متصل بالبيئة، بحثي مازال مستمرا في اللون، وفي اعتقاد المبارك أن البيئة هي المعلم الأساس.

المبارك في تقديمه خمسة أعمال، كان حريصا على تقديم أعمال تنتمي لسمة واحدة، فأتت الأعمال بإطار وحجم ولمسة واحدة، وفي جانب آخر تميز بجرأة استخدامه للون، كما يشعرك باستمرارية بحثه اللوني، لدرجة تجعل من بعض أجزاء عمله خاضعة للمغامرة التي قد تفسد جزءا من عمله، فتحس أن العمل معبأ بالألوان دون ترك مساحة لاستراحة العين، أو لتنفس اللوحة، ومن هذا البحث المستمر ذهب في مسح إطار أعماله المقدمة بالأخضر، مما مسح الأعمال بمشاغبة لا تناسبها.

المبارك من التجارب الشبابية المهمة، له لسمته في تقديم موضوعات البيئة بقدرة عالية، ويظهر ذلك من خلفية لوحته الخامسة، والتي يبرز فيها رجل وامرأة، يغوصان في ماء الحياة، كانت خلفية تمازجت فيها الألوان بمعالجة رائعة، فتجد الأسود يسكنه الأزرق، وتجد درجات الأخضر بين الزيتي والفاتح في انسجام، وحتى اللون البرتقالي في الزاوية امتزج مع المكونات اللونية الأخرى، ولعل ذلك ما أشعرني بتفاوت لكيفية معالجة المبارك لأعمال، حتى تجد ذلك في العمل الواحد.

جداريات البوسطة كـ»معلقات» لونية

تجربة حامد البوسطة، تجربة مشاكسة ومغايرة، مازال لا يمكن التكهن بما سيقدمه، مازال يشاكس في تقديمه أعماله، قدم هذه المرة جداريات، اصطبغت بالرمادي، إلا أنها حافظت على صلابتها من الاختراق، إذ لم تسكنها لمسة لونية تعطيها اختراقا للمادة الصلبة التي تشكل الخلفية، أو تمنحها إحساس بالمضي داخل اللوحة، مما أبقاها مسطحة، ربما لشغل إحساس المتلقي بنوعية هذه الجدران الممتنع. هذه الأعمال التي أخذت الشكل الطولي، تمكن من خلالها البوسطة من تقريب ورسم هيئة الجدار، إلا أنه لم يقم بتوظيف مكونات الجدار، أو يعطها خيانة لواقعها، عند رؤيتك للعمل ستحس بقسوة الجدار وصلفه، حتى الشخبطات والحفر التي شكلت سمات له، كانت أجزاء تكرس لمدى تماسك هذه البنية، يمكن لأي متلقٍ أن يحيل أعمال البوسطة لأكثر من قراءة، إذ هي مفتوحة على أكثر من تأويل، فهل يكسبها ذلك جمالية أعلى، أم يفرض عليها عدم الإمساك بدلالة عناصرها؟ هذه تساؤلات مشروعة نتلمسها في هذه التجربة التي قدمها البوسطة، خصوصا إذا ما انتبهنا إلى خبرة هذا الفنان، وتنوع آليات تعبيره.

تجربة حمّاد ضوء في العتمة

ثريا حمّاد من الدماء الجديدة، عملت في تقديم أعمالها على التذهيب، كما كسرت سطح اللوحة الثابت، بفرض نتوءات بارزة وواضحة على جسد السطح، وأدخلت إلى عناصر تكوينها للعمل مواد من البيئة مختلطة، مثل ورق الأشجار وأجزاء من الأقمشة والتور، قطع خشبية، سعف النخيل، وكذلك قطع من الورق المقوّى «الكارتون».

أعمال حمّاد تشير إلى تجربة مهمة، تداخلت مع ذائقة مختلفة، إذ غلب التذهيب على أعمالها، واهتمت بتقديم أعمال كبيرة الحجم نسبيا، ما فرض عليها بعض الأحيان صعوبة في تكوين العمل، وفي جانب آخر ترك مساحة للحرية والتجريب، هناك اختلاف جميل حول تجربتها، البعض اقترح الحاجة إلى تراكم الخبرة للتعامل مع هذه النوعية من الأعمال، والبعض الآخر قدم رؤية فنية وتحليلية للمساحة وتوزيع عناصر العمل، لكن تبقى هذه التجربة محل تأمل، إذ لا يمكن تلمس جمالياتها كتجربة من خلال الأعمال الخمسة المقدمة، ويمكن أن يكون المستقبل كفيل بتراكم الذائقة التي قد تنصف أعمالها.

العدد 1704 - الأحد 06 مايو 2007م الموافق 18 ربيع الثاني 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً