العدد 1735 - الأربعاء 06 يونيو 2007م الموافق 20 جمادى الأولى 1428هـ

سعيد الذي يسكن ذاكرة الآخرين

«أتدري كنّا هنا عندما قرأت قصائد لسعيد وبكيت»، كان يشير لبيت الأستاذ أحمد الذوادي في دمشق، البيت الذي حمل الوطن في المنفى، كانت عبارة للشاعر العراقي مشرق غانم، حين التقيته كمصادفاتي الكثيرة، التي مازلت أحمل جمالها، في أحد البيوت الواقعة على أطراف دمشق، ليقول لي: «في الرابع والسبعين ببيت «رفاق» قدموا من موسكو إلى العراق، التقيت لأول مرة سعيد العويناتي»، كان يلقي جملته وهو يمعن في غواية شروده المزمن.

مشرق غانم أحد الذين شاركوا في حرب «أنصار»، وهي حرب عصابات قادتها فصائل اليسار في شمال العراق، ضد نظام صدّام حسين، تعد هذه الحرب من أجمل ذكريات التيار اليساري في العراق، إذ كانت بكل ظروفها الصعبة، حلم رومانسي جميل لتغيير العالم، فقدوا خلالها الكثير من أصدقائهم وأقربائهم.

لكن أن يكون الشاعر البحريني سعيد العويناتي أحد أجمل ذكريات مشرق، أمرا لم أكن أعتقده، ثم ذهب مسرعا بعد أن استيقظ من شروده ليردف: «كانوا خليطا، منهم الذين درسوا بجامعة بغداد في ذلك الصيف اللاهب، كان لقاء حميما، تسرب حتى زمني هذا، سعيد اكتنز طيبة تستعصي على النسيان، أذكر جيدا حينها كان قد نشر قصيدة له في جريدة طريق الشعب، تحمل غنائيتها... لحظة، أذكر جيدا حين أعطاني أبو قيس (أحمد الذوادي) ديوانه وقرأت منه - صمت لحظة واطرق للبعيد - لقد بكيتُ يا علي».

«كان سعيد هادئا وطيبا جدا، كانت جلسة مشتركة من عوائل قدموا من موسكو»، ثم يعود غانم إلى صمته كعادته، لكن حمدة خميس هي الأخرى كان لها ذاكرة مختلفة، ذاكرة ارتبطت بسعيد، قالت وهي تتحسس ذاكرتها بفتنة، «التقيته قبل أن يستشهد، كنّا نعبر «باب البحرين» حين وجدته منتصبا في شارعه، وقفنا قليلا، تبادلنا الحديث، بعدها عرفت أنه تعرض للاعتقال في ذات الليلة، تربطني بسعيد قضايا كثيرة، مثل: تأسيس أسرة الأدباء والكتّاب مع الكثيرين».

مازال سعيد ذاكرة الشعراء في البحرين، يحمل حقائبه ؛ليتنقل من ذاكرة إلى ذاكرة، كان آخر أحلامنا جميلة، الكثير من كتّاب البحرين له صلة بهذا الشاعر، سواء بفكره أو بطبيعته الإنسانية الرائعة، قد نكون مسرفين فيه، غير أن ذلك جزء من تكويننا، إذ صار سعيد رمزا لكل ما هو أكثر فداحة من كثافة الحزن فينا.

العدد 1735 - الأربعاء 06 يونيو 2007م الموافق 20 جمادى الأولى 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً