صيف البحرين بدأ... ودرجة الحرارة العظمى عند ظهيرة يوم أمس (الخميس) بلغت 45 درجة مئوية، بينما بلغت درجة الرطوبة العظمى 75 في المئة، وطلبة وطالبات المدارس انتهوا قبل نحو أسبوعين من امتحانات نهاية العام الدراسي... ما يعني أن الحياة الصيفية التي لا تخلو من سفر أو تنزه أو خروج للرحلات مع الأصدقاء أو الأهل بدأت، لذلك فإن أولياء الأمور استعدوا أو سيستعدون لتنفيذ «أوامر» فلذات أكبادهم، وتغيير الأجواء المحيطة بهم بعد عام دراسي كامل.
الصيف في البحرين يُشبه الإنسان المتعطش لشرب الماء كي يرتوي، فالبحرين تتميز إضافة إلى ارتفاع درجة حرارتها بارتفاع الرطوبة، وذلك يعني أن سكانها بحاجة إلى الارتواء في كل وقت. ومن بين وسائل «الارتواء» التي اعتاد عليها المواطنون منذ قديم الزمان التوجه إلى برك السباحة مجانا، فيما هي تستأجر غالبا من الأهل أو الأصدقاء في الوقت الحالي.
«عين عذاري» إحدى العيون التي اشتهرت البحرين بها، وكان الناس يتوجهون إليها منذ أن تفجّرت قبل مئات السنوات لأمور عدة، من بينها الترفيه والاستمتاع بالمزروعات والأشجار والنخيل التي كانت تحيطها، ومن أجل السباحة فيها.
أجمل مكان ترفيهي في البحرين
لا تزال المنطقة التي تحيط بعين عذاري كما عهدناها في طفولتنا خضراء، على رغم الإهمال الذي تتعرض له، والذي بدا لنا ذلك واضحا عندما توجهنا إلى هناك بهدف الاطلاع على الصورة العامة للمكان.
«الوسط» تجوّلت قبل أسبوعين يوم الاثنين في المنطقة المحيطة بالعين نفسها، ولكنها وللأسف لم تجد آنذاك من تتحدث معه للتعرف على مصير العين المستقبلي، وخصوصا أننا نجد الكثير من المواطنين يسألون عن أسباب تكرار الصيانة للعين التي تحتضن رغما عنها تشققات كبيرة، ولا يعرفون لها أسبابا. في الماضي كانت عذاري التي تضمّ في الواقع بركة (عينا) وألعابا ترفيهية تستقبل جميع المواطنين الذين يتوجهون إلى السباحة والترفيه عن أنفسهم، واستمر ذلك الوضع طويلا، إلى أن ضمّت إليها ألعاب ترفيهية، لتصبح عذاري أكبر وأجمل مكان ترفيهي في البحرين يذهب إليه جميع المواطنين وطلبة المدارس.
في ذلك الوقت بدأت الحياة تدب في الجانب الثاني من عذاري وهو الجانب الترفيهي، بينما كانت العين تلفظ أنفاسها الأخيرة، وبقي الزوار والمرتادون لها يذكرون أيام (لوّل).
زحف عمراني على عذاري وشقيقاتها
كان ولايزال يعرف عن البحرين كثرة انتشار العيون الطبيعية فيها، التي انتهت لعدم وجود جهات تهتم بها؛ إذ إن السبب الرئيسي وراء اندثار عين عذاري هو الزحف العمراني وتفضيل نموه على حساب الطبيعة، الجمال، والبيئة الصحية التي نفتقدها اليوم.
وكما زحف العمران على عين عذاري زحف أيضا على شقيقاتها في مختلف المناطق في البحرين ومنها: عين قصاري، وعين أبوزيدان، وعين أم شعوم، والعين العودة، عين أمّ الرحى، عين مهزة، وعين عبدان، عين عليّوه، عين أم السجور، بينما لم يعد لأي من تلك العيون أي مكان.
تسقي البعيد وتخلي القريب
كانت عذاري في الأمس تسقي القريب والبعيد، ومع ذلك قيل وانتشر مثلا شعبيا عنها وهو: «عذاري تسقي البعيد وتخلّي القريب»، ليس لهدف سوى الإشارة إلى الشخص الذي يساعد البعيدين منه وينسى المقربينومن الأسباب التي يتوقع أن تكون سببا في انتشار ذلك المثل عدم وصول ماء العين إلى كل ما هو من حولها، بينما كان يصل إلى مناطق أبعد منها بكثير. اليوم لم تعد عذاري أو شقيقاتها موجودة لكي تسقي البعيد وتنسى القريب منها، فهل سيستمر الناس في تذكرهم وتكرارهم للمثل السابق؟
تطوير «عيون الشمالية»
مدير عام بلدية المحافظة الشمالية محمد علي حسن أكد في تصريحه لـ «الوسط» أهمية الحفاظ على العيون الطبيعية في البحرين والاهتمام بها، مؤكدا أن «بلدية المحافظة الشمالية ستبدأ في تطوير جميع العيون الطبيعية التي تقع في المحافظة الشمالية من أجل الحفاظ عليها، وتعديل ما يمكن تعديله فيها، لما لتلك العيون من ذكريات تخلد في ذاكرة الناس». وقال إن «البلدية ستعمل جاهدة لإصلاح ما أفُسد في عين عذاري بكلفة تصل إلى 9 آلاف دينار من خلال إصلاح تشققاتها».
في خدمة المواطنين
وفي توضيح له بشأن ما جرى لعين عذاري قال حسن «تم تسلّم البركة في العام 2003؛ إذ أعيد إنشاؤها تحت إشراف وزارة شئون البلديات والزراعة، بينما تدار الآن من قبل قسم المنتزهات والحدائق بإدارة الخدمات الفنية ببلدية المنطقة الشمالية».
ويؤكد حسن أن مشروع عين عذاري يعتبر مرفقا حيويا للمواطنين، وخصوصا أن عددا كبيرا من الناس يترددون عليها في فصل الصيف؛ حيث توفر خدمة مجانية للمواطنين، منوها إلى أن «عين عذاري ستظل مفتوحة للمواطنين كما كانت، أي من الساعة 9 صباحا وحتى 10 مساء في جميع أيام الأسبوع عدا يوم الاثنين»، مضيفا أنها ستكون مغلقة في 3 شهور من كل عام: في ديسمبر/ كانون الأول، وفي يناير/ كانون الثاني، وفي فبراير/ شباط».
وبحسب حسن فإن مشروع تطوير العين منفصل تماما عن المدينة الترفيهية التي تقوم بإنشائها شركة استثمارات، عازيا ذلك إلى أن «الوزارة فضلت أن تبقى إدارة العين في يد الحكومة على أن تحول إلى أية جهة استثمارية أو شركة خاصة، لأنها تعتبر أحد المعالم القديمة في البحرين التي تركت آثارا كبيرة وذكريات كثيرة لدى آلاف المواطنين والزوار».
صيانة إنشائية... ودورية
ويشير حسن إلى أن «البلديات» قامت بعملية صيانة في العام 2003 عندما ظهرت التشققات في جدران وأرضية البركة، وفي ذلك الوقت تم ملء الشقوق بمادة مطاطية زالت بعد ذلك، وعادت التشققات مرة أخرى ولكن بشكل أكبر وأعمق من السابق. وعن التشققات التي ظهرت في جدران وأرضية البركة التي كانت أساسا رئيسيا في إغلاقها فإن حجم عرضها يتراوح ما بين نصف سنتيمتر و2.5 سنتيمتر، بينما طولها يتراوح ما بين 10 و15 سنتيمترا، في الوقت الذي أكد فيه مدير عام «الشمالية» أن تلك التشققات تبدو واضحة على طول الخط الفاصل بين جدار وأرضية البركة، وأنها تنتشر على الجدران وسطح القاع.
وفي الجانب نفسه يؤكد حسن أن حجم تلك التشققات طبيعي جدا، آملا ألا تعود تلك التشققات مرة أخرى بعد الصيانة الأخيرة لها وخصوصا أن البلدية اتخذت جميع الإجراءات اللازمة لمنع عودة التشققات لمدة 5 سنوات.
ويضيف حسن أن «بلدية المنطقة الشمالية أولت العين جهودا لرعايتها وصيانتها بشكل دائم وجذري»، موضحا أنه «تم التعاقد مع مؤسسة محلية بكلفة تصل إلى 9 آلاف دينار في العام الواحد؛ إذ يتم من خلال الشركة تنظيف البركة والممر المائي لها بشكل يومي ووضع مواد كيميائية مضادة للجراثيم حفاظا على صحة مرتادي البركة».
اهتمام بالعين وما حولها
ويذكر حسن أن «البلدية أيضا تولي اهتماما خاصا بالبركة والمنطقة المحيطة بها من خلال توفيرها حراس أمن ومسعفين، وتنظيفها طوال الفترة التي تحظى فيها باستقبال الزوار من اجل ضمان الجودة في الإدارة، وخصوصا في فصل الصيف»، لافتا إلى أنه «يتم من خلال الصيانة الالتفات إلى صيانة المزروعات والمرافق والحفاظ على منسوب الماء في البركة، كما تتم عملية صيانة دائمة من قبل البلدية للحمامات».
وقال حسن «بدأنا إصلاح عين عذاري بعد أن تسلّمناها، وفي ذلك الوقت حدث الانفصال والتشقق بين قاع العين والجدار الجانبي، لذلك تكررت عملية الصيانة، وتبين أنه يجب إعادة العملية ولكن بشكل نهائي على ألا تعود هذه التشققات»، في حين يؤكد أن «منسوب المياه يقل ويتسرب إلى الأرض بسبب تلك التشققات التي يعود وجودها إلى استخدام مواد لم يؤخذ في الحسبان أن تبقى مدة طويلة، لذلك كانت البركة تتعرض للصيانة بشكل سنوي، آخرها كان قبل نحو عام».
التشققات سببها ضغط الماء
وعن سبب ظهور تلك التشققات قال حسن «السبب الرئيسي لظهورها قوة ضغط الماء على المنطقة الأضعف، التي تكون في الواقع الخط الفاصل بين جدران وأرضية البركة»، مؤكدا أن «تلك التشققات تتسبب في تسرب الماء إلى باطن الأرض، ما يستدعي ملأها بالمياه بمعدل 12 شحنة (54 ألف جالون تقريبا) كل أسبوعين». وشدد حسن على «ضرورة التأكيد على ضمان سلامة البركة من التشققات لمدة لا تقل عن 5 سنوات على الأقل، الأمر الذي جعلنا عند طلب الصيانة نؤكد على ذلك، والبدء في الصيانة التي نحن على وشك الانتهاء منها».
افتتاح العين والمنتزه معا
وذكر حسن أن افتتاح البركة سيواكب افتتاح المرحلة الأولى للمنتزه الذي سيفتتح في شهر سبتمبر/ أيلول أو أكتوبر/ تشرين الأول المقبلين لتكون البركة جاهزة لاستقبال الزوار، نافيا وجود أي إهمال تجاه تطوير البركة قائلا: «إن ما حدث في عين عذاري من ظهور تشققات قد يظهر في أي مبنى إذا لم يشيد وفق معايير إنشائية صحيحة، بدليل إصلاحنا للتشققات لأكثر من مرة، بينما تشهد البركة إقبالا كبيرا يفوق الطاقة الاستيعابية لها، ما أدى إلى تلفها».
عذاري... واحة الجميع
ومن جانبه يؤكد رئيس المجلس البلدي الشمالي يوسف البوري أن «عين عذاري تعتبر معلما وأحد أسرار شهرة البحرين، وهي ملتقى وواحة لجميع البحرينيين وأبناء دول الخليج العربي الذين كانوا يزورونها باستمرار»، مشددا على ضرورة أن نحرص جميعنا على ألا تُخفى عذاري من ذاكرة كل من عرفها.
البوري أكد أيضا أنه «إذا لم نستطع نحن كمجالس بلدية إعادة الحياة إلى عين عذاري في الوقت الحالي فلن نستطيع ذلك في المستقبل، وخصوصا أننا لسنا بعاجزين عن إعادة عين لأطفال وشباب البحرين».
عين عذاري بحسب البوري تمثل جزءا من تاريخنا وتاريخ الأجيال التي كانت تحرص على ارتيادها، ولكنها عاشت فراغا أبعدها عن الجميع.
العين... سر الشهرة
ويقول البوري إن «سر شهرة منتزه عين عذاري وجود العين نفسها وليس المنتزه، وإن الناس كانوا يتوجهون من أجل العين وليس المنتزه، وخصوصا أنها كانت من المعالم المعروفة في البحرين حتى ضربت بها الأمثال وتغنى بها الشعراء وتكرر اسمها في فنون عدة»، مضيفا أنه «من المفترض أن تحظى باهتمام وعناية بالغة».
وأكد البوري أنه «خلال حديثنا عن العين مع المستثمر الذي يعد الجانب الآخر من الحديقة المتمثل في المنتزه أشار إلى أن المنتزه سيحدث نقلة نوعية في الجانب الترفيهي في البحرين، والعين نفسها ستساعد على الترويج للمنتزه بشكل سريع».
أما عن الجهة التي تحمل العيوب التي ظهرت في العين فقال البوري «إذا كنا نتحدث بجدية في معالجة الوضع الحالي للعين فعلينا البدء في ذلك، ولا داعي لإلقاء اللوم على جهة ما حاليا»، مؤكدا وجود الملف الفني والمالي لمشروع تطوير العين في المجلس، وأنه يتم تحت إشرافه.
في الانتظار... موعد مع ما ء اصطناعي
المواطنون والزوار على موعد مرتقب في افتتاح بركة عين عذاري بعد شهرين أو ثلاثة من الآن مثلما هم في انتظار افتتاح المرحلة الأولى من المنتزه... في السابق كان الناس على موعد للالتقاء في كل يوم بعين عذاري التي تحمل في أحشائها ماء طبيعيا من بطن الأرض، أما اليوم فهم موعودون مع «عذاري العصر الجديد» التي ستحمل ماء اصطناعيا.
العدد 1743 - الخميس 14 يونيو 2007م الموافق 28 جمادى الأولى 1428هـ