329 قضية مخدرات منذ مطلع العام 2007، بينهم 198 متهما من المواطنين الذكور، إضافة إلى 3 إناث... رقمٌ ليس سهلا، ويحتاج إلى الوقوف عنده بما يحمله من دلالات وانعاكسات خطيرة.
تباينت آراء المنتدين في منتدى «الوسط» بشأن بعض الأمور المتعلقة بآليات المعاملة مع مدمني المواد المخدرة، إضافة إلى القوانين الخاصة بهم والأنظمة والمؤسسات العقابية المهيئة إليهم، وصولا إلى السلطة التقديرية الممنوحة للقاضي في تقدير عقوبة المدمن عند مثوله أمام القضاء.
نعم، اختلفت الآراء ووجهات النظر في بعض الأمور والنقاط المثارة بشأن الجهود المبذولة من قبل بعض الوزارات والمجتمع المحلي للحد من انتشار سموم تلك الآفة، إلا أن الجميع اتفق ووحّدته الكلمة على ضرورة التصدي لتلك السموم، التي صارت تهدد مجتمعنا الصغير، كما هي تهدد بقية المجتمعات العربية والدولية، إذ بات تعاطي وترويج المواد المخدرة مشكلة تعاني منها جميع الدول المتقدمة منها والمتخلفة.
«الوسط» وتزامنا مع اليوم العالمي لمكافحة المخدرات، وإيمانا منها بواجبها ودورها الإعلامي في هذا المجال دعت إلى منبرها كلا من نائب رئيس التثقيف الصحي بوزارة الصحة كاظم الحلواجي، والمحامية فاطمة الحواج، والنقيب بإدارة مكافحة المخدرات بوزارة الداخلية إبراهيم الرميحي، وأحد أفراد زمالة المدمن المجهول... وإليكم أهم ما دار في ندوة «الوسط» لمكافحة آفة المخدرات.
ما هي الأسباب التي ترونها ساعدت على انتشار المخدرات في المملكة؟
- إن مشكلة المخدرات مشكلة عالمية تعاني منها جميع دول العالم سواء المتقدمة منها أو المتخلفة، وهي منتشرة حتى في الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، ونحن كدولة جغرافيا تعتبر من دول مجلس التعاون الخليجي، ساعد موقعها الجغرافي على دخول المواد المخدرة إليها، واستخدمت كمنطقة «ترانزيت» لدخول تلك المواد، كما أثر قرب المملكة من الدول المنتجة للمواد المخدرة، إضافة إلى العمالة الآسيوية السائبة، هناك عدة أمور ولكن نحن نرى هذه الأمور هي البارزة وتساعد في انتشار المواد المخدرة في البحرين.
كم عدد قضايا المخدرات المضبوطة منذ مطلع العام 2007؟
- الإحصائية الموجودة لدينا من 1 يناير/ كانون الثاني وحتى 31 مايو/ آيار الماضي، كان مجموعها 329 قضية مخدرات، 104 قضايا داخل المملكة، و209 قضايا ضبطت على جسر الملك فهد، و16 قضية في مطار البحرين الدولي.
أما المواطنون الذين تورطوا في هذه القضايا فهم 198 متهما ذكرا و3 إناث، أما متهمو دول مجلس التعاون فعددهم 189 ذكرا وأنثى واحدة، أما العرب 9 ذكور و4 إناث، أما الأجانب 14 ذكرا و3 إناث.
أما بالنسبة إلى أعداد المتوفين خلال 6 أشهر، فهم 12 حالة وفاة وجميعهم ذكور، ومقارنة بالسنوات الماضية نرى أن عدد المتوفين معقول جدا.
ومادة الحشيش المخدرة هي المتصدرة في البحرين وأكثرها رواجا وشيوعا ورغبة لدى المتعاطين.
فقد تم ضبط نحو 320 كيلوا بالمحافظة الشمالية، كما أن الإدارة العامة للمباحث والأدلة الجنائية ضبطت 425 كيلوا، أي ما مجموعه 800 كيلو خلال 6 شهور، وهي نسبة عالية.
أما كميات الهيروين المضبوطة فهي 250 غراما، وهناك بعض المواد نسبتها قليلة ولحد الآن لم تخرج النتائج النهائية لها.
أما فيما يخص أعمار المتهمين، ففي السابق كانت أعمار المتهمين لا تقل عن 45 سنة، أما في الوقت الحالي، فالمتهمون الذين نقابلهم بشكل يومي هم من مواليد الثمانينات، أي في العشرينات من العمر، وتلك ظاهرة بدأت تظهر بشكل ملحوظ وصار الشباب هم المروجون للمواد المخدرة وليس المتعاطين فقط، أي بدأ مروجو المواد المخدرات باستخدام فئة واستغلوا الشباب ذوي العشرينات لصغر سنهم ولعدم معرفتهم من قبل رجال الأمن، إضافة إلى عدم وجود أي أسبقيات عليهم، وهي ظاهرة بدأت تنتشر بشكل كبير مقارنة بالأعوام الماضية.
هل لكم أن تستعرضوا آليات وخطط إدارة مكافحة المخدرات في ضبط المتعاطين والمروجين؟
- هذا المحور يجعلني أشيد بالاتفاق الذي وقعه وزير الداخلية مع مكتب الأمم المتحدة المعني بالجريمة ومكافحة المخدرات، وهذه دراسة على مستوى عالٍ، إذ تم حضور عدد من لجان مملكة البحرين، درسوا فيها وضع المواد المخدرة وطرق المكافحة، وجزء من الدراسة يتعلق بخفض الطلب وجزء الآخر يتعلق بخفض المعروض من المواد المخدرة، وتم إيفاد نحو 20 ضابطا من مكافحة المخدرات وغيرهم وضباط من الجمارك وخفر السواحل، وتم ابتعاثهم للملكة المتحدة لمدة شهر، تلقوا فيها الأساليب الحديثة في المكافحة والأجهزة الحديثة، وبعدها حضر المدربون والخبراء البريطانيون للمملكة وقاموا بتدريب الكوادر لمدة شهرين متواصلين، وتم إعداد دورات تعداد المتدربين على نقل ما تدربوه إلى الكوادر الموجودة في المملكة.
كما يوجد اهتمام بوزارة الداخلية في تطوير الكادر وتحديث الأجهزة الموجودة في مجال المكافحة، فهناك خطط وورش عمل ومحاضرات ومعارض، تقوم بها إدارة مكافحة المخدرات خصوصا وإدارة الإعلام الأمني عموما، على شكل دوري في الجامعات الخاصة وبعض المدارس والأندية والمحافظات.
وهناك دوريات تعمل على مدار الساعة موجودة في جميع أنحاء المملكة تقوم بالتقصي ومتابعة البلاغات ومراقبة أوكار المتهمين والمروجين.
ما هي الكيفية التي تتعامل بها وزارة الداخلية مع البلاغات المقدمة من المواطنين بخصوص مروجي المواد المخدرة؟
- نتلقى البلاغات إما على الخط الساخن؛ خط الطوارئ 999، أو الرقم المباشر لإدارة العامة للمباحث والأدلة الجنائية، وفي بعض الأحيان تردنا معلومات ناقصة نحتاج إلى أن نقابل الشخص الذي ينقل لنا هذه المعلومة، ونحن نتعامل مع هذه المعلومات بسرية تامة، حتى أننا في بعض الأوقات نخسر القضية حتى لا ينكشف الشخص المبلغ، والعمل في إدارة مكافحة المخدرات هو عمل إنساني بحت، ونحن نتعامل مع قضايا عدة بمعاملة إنسانية بحتة، وفي بعض الأحيان يتم التعامل مع الشخص بحسب ظروفه وبحسب عمله ودراسته ومستواه يتم التعامل معه بصفة خاصة، وذلك محاولة لإنقاذه، كما نقوم بدراسة بعض القضايا وإذا ما أحسسنا أن المتهم إذا حوّل للنيابة العامة وتم توقيفه سيزيد من تعاطيه المواد المخدرة وسيصبح عضوا فاشلا في المجتمع فنحاول أن نحل الأمور بطريقة سلمية أكثر، وهنا يجب الإشادة إلى دور أولياء الأمور المهم في إصلاح الابن.
ما هي الطريقة التي تتعامل بها وزارة الداخلية مع متهمي المخدرات في أخذ الاعترافات منهم؟
- قبل أخذ الاعترافات توجد هناك تحريات خاصة ومراقبات نقوم بها، وذلك قبل أن يتم القبض على أي شخص، أما الإجراءات التي نقوم بها فجميعها قانونية، إلا في بعض الحالات وهي حالات التلبس التي يجيز لنا القانون أن نقبض على المتهم من دون استصدار إذن من النيابة العامة، إلا أنه في غالبية الحالات يتم استصدار إذن من النيابة بالقبض على المتهم وتفتيشه.
أما التحقيق فتقوم به النيابة العامة وهي السلطة المخولة بإجرائه، بينما تقوم وزارة الداخلية بسؤال المتهم وتوجيه، وإعداد محاضر التحريات وإرفاقها للنيابة العامة التي تقوم بدور المحقق في القضية ومواجهة المتهم بالمضبوطات.
ما هي أوجه القصور أو المشكلات التي تواجه رجال مكافحة المخدرات عند أدائهم واجبهم؟
- هناك عائق كبير أمام رجال المكافحة في ضبط المروجين والمدمنين، فعندما نحصل على إذن بتفتيش شخصٍ ما، وخصوصا في المناطق القروية، نحصل على مضايقات من المواطنين وأهالي المدمنين الذين يتجمهرون حول رجال الأمن ويمنعونهم من الدخول، وهنا نضطر إلى طلب قوات حفظ النظام وقوات مكافحة الشغب لمساندة هذه الدوريات في عمل مهمتها وتنفيذ الأوامر الصادرة لها، وبالتالي هؤلاء الأهالي يساعدون أبناءهم على الاستمرار في التعاطي ويساعدونهم على التخلص من مبرزات الجريمة، وبذلك فإن الأهالي بيدهم يضيعون ابنهم ويجعلونه يستمر في التعاطي.
بعض القانونيين يرون وجود بعض القصور القانوني لدى رجال الضبط القضائي التابعين لوزارة الداخلية بخصوص عمليات الضبط والقبض على المتهمين، الأمر الذي ينتهي بالحكم ببراءتهم لبطلان تلك الإجراءات، ما هو تعليقكم؟
- قضايا المخدرات هي قضايا إجراءات بحتة، فأي إجراء خطأ في القضية يمكن أن يؤدي إلى ضياع القضية وخروج المتهم من القضية، كذلك السرعة في قضايا المخدرات مطلوب، فالبعض يقول إننا نتسرع في مداهمة منازل وأوكار المروجين، ولكن بعض الحالات والقضايا تحتم علينا استخدام هذا الإجراء حتى يتم ضبط المتهم متلبسا وهو يحوز هذه المواد المخدرة أو الأدلة التي تدينه.
وهنا، أؤكد أن إدارة مكافحة المخدرات ووزارة الداخلية لا تدعي الكمال في جميع أعمالها، وتلافيا لذلك القصور تم وضع ضباط قانونيين ملحقين بكليات قانونية وعسكرية، ألحقوا بجميع نوبات مكافحة المخدرات، كذلك يوجد ضابط قانوني مرجع يقوم بالتأكد من الإجراءات المتخذة.
ونشعر أن ما قمنا به بإدخال الضباط القانونيين في جميع النوبات ساعد على التقليل من الدفوع التي تقضي ببطلان الإجراءات القانونية.
عند متابعة قضايا المخدرات بالمحاكم، نجد بعض الشكاوى المقدمة من المتهمين عند القضاة بتعدي رجال قسم مكافحة المخدرات عليهم بالضرب لأخذ اعترافاتهم جبرا، الأمر الذي يعد انتهاكا لحقوق الإنسان، ما تعليقكم على ذلك؟
- أود أن أبين من على منبر «الوسط» أن وزارة الداخلية فخورة بأنه لا توجد لديها حالات لانتهاكات لحقوق الإنسان، وإن وجد انتهاك لحقوق الإنسان، فهناك جهة مختصة وجهة عدالة قضائية متمثلة في النيابة العامة والمحاكم يستطيع المتهم أن يلجأ إليها، كما يوجد أطباء شرعيون محايدون في الإدارة العامة للمباحث والأدلة الجنائية، أو في النيابة العامة، تستطيع تلك الجهات أن تثبت حالات الانتهاكات إن وجدت.
هناك أقاويل بأن بعض السجون لا تعتبر مكانا للإصلاح والتأهيل، بل هي على العكس من ذلك، وبأن المادة المخدرة تدخل إليها، وهناك حالات يتم ضبطها والأخرى تمر من دون دراية أجهزة الأمن؟
- بحسب الزيارات التي قمنا بها سواء إلى دول مجلس التعاون أو الدول الأجنبية، فإننا نجد هذه المشكلة أو الظاهرة موجودة في غالبية السجون، إذ إن المساجين تردهم أدوات بشكل يومي وتردهم مأكولات وهناك طرق متطورة وجديدة في إخفاء المواد المخدرة، وهذا ليس شيئا يسبب مشكلة أو ظاهرة، ولكن قمنا في الفترة الأخيرة بتشديد إجراءات المساجين والتأكد من أمتعتهم الشخصية قبل دخولهم أو تسلمهم أية أمانات، وفعلا تم ضبط عدد من القضايا، يقوم فيها أقرباء المتهم بجلب أمتعة وألبسة للمتهم تحتوي على المواد المخدرة سواء بحسن أو سوء نية، وتحول تلك القضايا إلى النيابة العامة التي تفصل فيها.
في جميع الأحكام القضائية الخاصة بالمخدرات، تتضمن الأحكام أمرا بمصادرة تلك المواد المضبوطة، فمن هي الجهة المعنية بالمصادرة؟ وكيف تتم تلك العملية؟ ولماذا لا يتم الإعلان عنها؟
- صدر قرار وزاري رقم 5 لسنة 2005 موّقع من وزير العدل يقضي بتشكيل لجنة تسمى بلجنة إتلاف المواد المخدرة وهي لجنة تحتوي على أعضاء من جميع الجهات المختصة، 3 أعضاء من وزارة العدل برتبة وكلاء نيابة، و3 أعضاء من وزارة الداخلية هما اثنان من إدارة الشئون القانونية وممثل من إدارة مكافحة المخدرات، تشرف تلك اللجنة على إتلاف المواد المخدرة.
وفي 25 أبريل/ نيسان للعام 2005 تم إتلاف كمية مخدرات تزن 1557 كيلوغراما، كما تم في 27 من يونيو/ حزيران للعام 2005 إتلاف كمية مخدرات تزن 1607 كيلوات، وتم حضور اللجنة وقامت بالوزن وتم تصوير عملية الإتلاف بواسطة شركة متخصصة في ذلك.
ولا نستطيع إتلاف أية مادة مخدرة إلا بصدور قرار قاضٍ وانتهاء جميع طرق الطعن في القضية، وهناك مخازن لتلك المواد وهناك تفتيش على تلك المخازن.
ما هي جهود وزارة الداخلية المبذولة في مشافاة متعاطي أو مروجي المخدرات الموجودين في سجونها؟ هل توجد برامج تثقيفية صحية أو توعوية؟
- وحدة المؤيد لعلاج المدمنين تقوم بحسب الإمكانات المتوافرة لها بأكثر من اللازم، ونظرا إلى محدودية عدد الأسرة الموجودة لديها تقوم بعيادات صباحية للحالات التي لا تستدعي تنويما في الوحدة، وأتوقع عدد الأسرة الموجودة بها 20 سريرا، وهناك تعاون شديد مع وحدة المؤيد، فهناك حالات مستعصية تتم الاستجابة لنا في علاجها، كما أننا نلجأ في كثير من الأحيان إلى التعاون مع دول مجلس التعاون فهناك اجتماعات دورية لمديري مكافحة المخدرات، يتم فيها تبادل المرضي أو المدمنين لعلاجهم في تلك الدول، فمثلا نقوم بعلاج المدمنين في وحدة الأمل بالرياض والدمام، كما نقوم بالتعاون مع دولة الكويت، ونبحث حاليا التعاون مع الإمارات في مجال العلاج، الذي يحتاج إلى وجود رغبة لدى المتعاطي.
توجد قضايا مخدرات كبيرة، تم الحكم فيها ببراءة المتهمين، فهل هذا ينم عن خللٍ ما في إجراءات وزارة الداخلية في عملية القبض على المتهم؟ أم هو قصور في تشكيل الدعاوى ضد المتهمين؟
- قلنا سابقا، هناك مستشارون وضباط قانونيون بوزارة الداخلية يقومون بمراجعة القضايا وإجراءاتها، قبل إرسالها إلى النيابة العامة، وقضايا المخدرات قضايا إجراءات بحتة.
مادة (الشبو) هي مادة مخدرة، ولكن وزارة الصحة لم تدرجها على قائمة المواد المخدرة الممنوع حيازتها، إلا أن وزارة الداخلية تقوم بالقبض على أي شخص يحوز تلك المادة، فأين مكمن القصور في هذه الحال، هل هو من قبل وزارة الصحة أم من وزارة الداخلية؟
- نعم، مادة (الشبو) مادة كيماوية خطرة وهي تؤدي إلى جعل الإنسان مختلا عقليا من قوتها، وأنا أقارنها بمادة الهيروين المخدرة بل هي أقوى منها، ويروج لها من قبل الأشخاص الآسيويين، وخصوصا الفلبينيين والتايلنديين، إذ يتم الترويج لهذه المادة على أنها تساعد على النحافة أو على الرجيم، ومن درجة خطورتها يستطيع أن يستمر متعاطوها بلا نوم لمدة أسبوع كامل، كما لا توجد لديه رغبة في الأكل.
ووزير الداخلية خاطب وزيرة الصحة أكثر خمس أو أربع مرات كتب فيها لإدراج هذه المادة، وبحسب علمي أن الموضوع مدرج على مجلس النواب لإقراره.
كونك محامية، تقومين بالدفاع عن بعض المتهمين المتورطين بقضايا المخدرات، ما هو رأيك في التشريعات القانونية الخاصة بذلك الملف؟
- بالنسبة إلى القوانين التي تخص المخدرات، فأعتقد بأنها قوانين ظالمة في العقوبة، إذ نجد أن أدنى العقوبة السجن 10 سنوات وأقصاها الإعدام، القانون لم يترك للقاضي سلطة تقديرية في مسألة تقدير العقوبة، بل منحه سلطة ضيقة جدا في التقدير، في حين أن المادة 72 من قانون العقوبات تعطيه السلطة التقديرية.
والقضاء المصري والفرنسي وصلا إلى أن تحديد نصوص تضييق السلطة التقديرية للقاضي هو أمر غير دستوري.
لماذا تعتبرين نصوص القانون ظالمة؟
- لوجود بعض الأشخاص المتهمين الذين يتم استغلالهم في تلك الأمور، فمثلا يستغل المتهم في توصيل قطعة صغيرة لشخصٍ ما مقابل حصوله على مبلغ، هذا المتهم ليس تاجرا وإنما وسيط، والتاجر مفهومه يختلف، التاجر هو من يقوم بترويج وبيع وحيازة كميات كبيرة من المخدرات التي يحوزها، بحيث يكون تاجرا فعلا، ولكن من يستغل في توصيل قطعة صغيرة من عند ذلك التاجر إلى أحد المتعاطين، ليس تاجرا ولكن قد تكون عقوبته عقوبة التاجر التي لا تقل عن السجن 10 سنوات وتصل للإعدام.
هل تعنين أن العقوبة المقررة مبالغ فيها؟
- نعم، اعتقد أن هناك مبالغة فعلا في تقدير العقوبة بالنسبة إلى بعض المتهمين، لذلك أنا ضد تحديد أو تضييق سلطة القاضي، بل يجب أن تكون له حرية كبيرة في مسألة تقدير العقوبة.
ومع ذلك فإننا نجد البرلمان عندما طرح موضوع المخدرات أصر على أن تكون أقل العقوبة السجن 10 سنوات، والسبب يرجع إلى عدم وجود أحد من أعضاء البرلمان عاش في جو القضاء، ويعرف واقع القضايا والقضاء، وأين مكامن القصور ولماذا الإعدام... إذا كانت هناك مشكلة يجب أن تعالج المشكلة اجتماعيا أولا. كما أن التجار أنواع، فهناك تاجر يبيع بالدنانير وهناك آخر يبيع بالملايين، إذا هناك فرق بينهما.
لذلك أعتقد أن السلطة التشريعية بحاجة إلى أن تعيد قوانين المخدرات لدراستها مرة أخرى، فتشديد العقوبة لا يعني عدم ارتكاب الجريمة. بل اتضح في إحدى الدراسات التي أقيمت على عقوبة الإعدام سابقا عندما كان الشخص يعدم أمام مرأى من الناس علنا، أن الإعدام في حد ذاته ليس رادعا يردع المتهمين كما أنه ليس حلا للجريمة.
فالدراسة تقول إن 167 متهما طبق بحقهم عقوبة الإعدام، منهم 164 شاهدوا عقوبة الإعدام سابقا ومن ثم نفذت عليهم... إذا في الحقيقية نحن بحاجة إلى حل المشكلة اجتماعيا، هذا من الناحية السلطة التشريعية ومبالغتها في تقدير العقوبة وعدم وعيها بهذه المسألة المهمة.
وماذا عن السلطة القضائية وتعاملها في تلك القضايا؟
- مع احترامي للسلطة القضائية فيجب ألا أجرحها، فإن النصوص القانونية تقيدها، فالقاضي لا يمكن أن ينزل بعقوبة 10 سنوات لخمس سنوات، لأنه يخالف القانون وبالتالي فإن محكمة التمييز أو النقض ستنقض الحكم، والنتيجة أن القاضي حتى لو أراد أن يعطي نوعا من الرحمة للشخص الذي وصّل هذه القطعة المخدرة باستغلال، لا يمكنه ذلك... يا «أخي من يبوق بيضة مو مثل من يبوق جمل».
ولكن هناك أحكام قضائية بوقف تنفيذ العقوبة لبعض المتهمين لمدة 3 سنوات؟
- نحن نلاحظ في مسألة التعاطي، أن القضاء اتجه إلى اتجاهين، الأول بوقف توقيف العقوبة إذا كان المتهم لأول مرة تشكل ضده دعوى، وهي سلطة تقديرية للقاضي بحسب النص القانوني، فإن رأى في وضع المتهم وأسرته وأخلاقه فيمكن أن يوقف العقوبة لمدة 3 سنوات، وغرامة 500 دينار، وإذا كان للمرة الثانية فالعقوبة قد تكون الحبس سنة أو 6 أشهر.
ويمكن القول إن القاضي صارت لديه تسعيرة أحكام، للمدمن أول مرة هذه العقوبة والثانية تلك، والثالثة تلك، وهذا بسبب النصوص القانونية التي تقيدهم.
وهل هذه الآلية القانونية لا تفي بالغرض أو لا تصلح للواقع المعيشي؟
- أعتقد في وجهة نظري أن هذا ليس حلا، بأن نأخذ المدمن وندخله السجون، على العكس فإن الدراسات تقول إن السجون مرتعى، وإن المجرم البسيط عندما يخالط المجرم الأشد يتعلم منه الإجرام، وبالتالي نحن لسنا بحاجة إلى سجون ندخل فيها المدمنين، وإنما بحاجة إلى مصحات شفاء ومعالجة.
استوقفني ما قاله الزميل من زمالة المدمن المجهول، عندما قال أنا لست مجرما، هذه كلمة حقيقية كل متعاطي المخدرات يشعرون بها، فهم ليسوا مجرمين... هم مجرمون بنصوص القانون، وبالتالي أنا أعتقد أن النصوص القانونية بحاجة إلى زيادة.
وما هي الطريقة العقابية الأفضل لإصلاح المدمنين والمروجين في وجهة نظرك؟
- الآن تطورت النظم العقابية، إلا أن أنظمتنا العقابية لاتزال متخلفة بعض الشيء، صحيح لدينا فكر متطور وعندنا جهاز عقلي متطور متمثل في وزير الداخلية، فهو شخصية متطورة جدا ولديه طموح في التعديل، ولكن أنظمة السجون لا الأشخاص تحتاج إلى تطوير.
وما لدينا من نظام السجون المغلقة التي معناها سلب حرية الشخص ووضعه في السجن، على رغم وجود أنظمة السجون المفتوحة وشبه المفتوحة، إلا أننا نفتقر إليها، فهي تلك التي تعلم الإنسان وتدربه على العمل، وتكيفه وتأهله مع المجتمع، أما في سجوننا فلا يوجد لدينا تكييف، أو تدريب السجين على التكيف مع المجتمع.
ما لدينا فقط سلب حرية السجين ووضعه في السجن، ومن ثم يخالط المجرمين المهرة، ويخرج متمرسا في الإجرام.
ولكن توجد مصحات وعيادات خاصة بالشفاء، وفرتها الدولة، كما توجد وزارة الداخلية التي تبذل جهودها في هذا المجال؟
- إذا توجهنا للسلطة التنفيذية، فسأخص جهتين، وزارتا الداخلية والصحة، ومع احترامي لوزارة الصحة فإنها غير مهتمة للمدمنين ولا للطب النفسي، فهذا مبنى الطب النفسي أساسا في شكله الخارجي يجلب مرضا نفسيا، دخلت مصحات نفسية في غالب دول العالم، فمثلا إسبانيا أنشأت مصحة للإدمان على مرتفع هضبة جميلة جدا كلها خضراء، وكذلك مصر أقامت وشيّدت مصحة من أروع ما يمكن.
هناك أمور كثيرة ترغّب في التشافي النفسي، أما هنا فأنت تدخل مستشفى أشبه بقلعة من السجن، وأعتقد بأن المبنى يحتاج إلى إعادة دراسة، أضف إلى ذلك أن الأسرة الموجودة في المستشفى لا تكفي لعلاج 10 في المئة من حالات التعاطي المعلن عنها فقط.
وهناك كثير من المدمنين الراغبين في تلقي العلاج إلا أن الإمكانات المتاحة لهم محدودة، وهذا نداء طالما قلنا به لكن آذان وزارة الصحة صماء في هذه المسألة.
إذا أردنا مكافحة المخدرات يجب أن تكون هناك وسائل أو أمور تساعد على المكافحة، ونحن لا نرى تلك الأمور الموجودة.
وفي اعتقادك ما هي الحلول؟
- أعتقد بأن السلطة التنفيذية بوزارة الداخلية بحاجة إلى التنظيم مع وزارتي الصحة والعمل، كي نأخذ المدمن ونعالجه صحيا ونكيفه اجتماعيا من خلال العمل، لأنه لا توجد الآن سجون متطورة من غير العمل، فالعمل أساس التكيف الاجتماعي، كما يجب أن يكون ذلك مقابل أجر، وتتم معاملة السجين معاملة الإنسان الطبيعي خارج السجن ولكن مع سلب حريته.
وذلك لا يتأتى إلا بتغيير الأنظمة السجون من السجون المغلقة إلى المفتوحة وشبه المفتوحة... فلقد صار علم العقاب علما واسعا وكبير، ونحن مازلنا نحبو بالنسبة إلى الخطوات التي وصلت إليها دول العالم.
كما يجب على وزيرة الصحة إدراج مادة «الشبو» التي كان من المفترض إدراجها من الدورة السابقة فهي مادة قاتلة وخطورتها أشد من الهيروين والحشيش.
والسؤال: لماذا لم تدرج وزيرة الصحة هذه المادة، علما أن وزير الداخلية بعث كذا خطاب يطلب فيه ذلك؟ ما الشكلة؟ أم لا يوجد اهتمام لهذه الفئة من الناس؟ كما يجب أن تتغير نظرة المجتمع إلى هؤلاء المدمنين.
ماذا عن الآثار الصحية الناجمة عن تعاطي المخدرات؟
- طريقة استخدام المخدرات تؤثر على بحسب طريقة الاستخدام، فإذا كانت طريقة التعاطي عن طريق الشم أو الإبر أو الشراب كل نوع من هذه لها مضارها الجسمية وتأثيراتها على الصحة العامة للجسم، مثلا الكحول مادة لها تأثيراتها على عموم الجسم وخصوصا الكبد إذ ينشأ عنها تليف الكبد الذي يعتبر مصنع التعامل مع المواد السامة في الجسم، وتلفها يعني امتلاء الجسم بالسموم، بالإضافة إلى تأثيراتها الأخرى، والأصناف الأخرى أيضا لها تأثيراتها، كما ان الجرعة الزائدة تؤدي إلى تأثر الدورة الدموية وهبوط حاد إذا لم يسعف بسرعة في الوقت نفسه يؤدي إلى دخول المدمن في مرحلة الصدمة ومن ثم الوفاة بعد دقائق بسبب توقف القلب، وأخذ المخدرات عن طريق الحقن يسبب مشكلات كثيرة، فاشتراك مجموعة من المدمنين في الحقنة الواحدة يؤدي إلى تلوثها وتكون بؤرة لنقل أمراض كثيرة مثل التهاب الكبد الفيروسي المزمن من نوع B أو C وشر الأمراض المنتقلة بهذه الطريقة هي نقص المناعة المكتسبة الايدز.
وما هي برامج التثقيف الصحي لمكافحة التدخين والمخدرات؟
- بالنسبة إلى قسم التثقيف الصحي هناك مشاركة بيننا وبين مختلف اللجان العاملة في جانب التوعية بمخاطر التدخين والمخدرات، وهناك تعاون مع مستشفى الطب النفسي أيضا كونه يعالج حالات الإدمان، وبرامج مكافحة التدخين والمخدرات مشتركة، عموما لدينا الكثير من الإصدارات عن التدخين والمخدرات ونقيم احتفالات سنوية على عدة مستويات على مستوى المحافظة أو المنطقة ينظمها المركز الصحي، بالتعاون مع المجالس البلدية وهناك احتفالات كبيرة، كما تقام حاليا الكثير من الحملات التوعوية في المجمعات التجارية لأنها مكان وجود عدد كبير من الناس، والتعاون أيضا متواصل مع وزارة التربية والتعليم لإدراج موضوعات مكافحة التدخين والمخدرات في المناهج الدراسية إذ وضع موضوع التدخين في منهج التربية الأسرية (101) كما تمت مراجعة المواد والموضوعات الأخرى المتعلقة بمكافحة التدخين والمخدرات وبحث إدراجها أيضا في المناهج الدراسية الأخرى.
زمالة المدمن المجهول (م.م)، عرّفنا بالزمالة وأهدافها ومتى بدأت؟
- (م.م): اسمي(م.أ) أنا أحد أعضاء زمالة المدمن المجهول في البحرين، وهي زمالة معروفة عالميا تأسست في العام 1953 ويجتمع أعضاؤها في نحو أكثر من 166 دولة حول العالم وتتحدث بـ 75 لغة، ولدينا على المستوى العالمي 40 ألف اجتماع تعافي في الأسبوع، تدعو الزمالة إلى الامتناع التام عن أنواع المخدرات كافة، وأعضاؤها ممن لديهم مشكلات مع تعاطي المخدرات والمسكرات، والزمالة معتمدة على نفسها تماما ولا تقبل أية معونات مادية خارجية.
أما على مستوى الشرق الأوسط، فقد بدأت الزمالة في البحرين منذ العام 1985 ثم انتقلت رسالتها إلى القاهرة في العام 1987 ثم إلى السعودية والكويت وعمان وصولا إلى قطر والإمارات العربية المتحدة، وحاليا ينظم في دول الخليج العربي وحدها 35 اجتماعا أسبوعيا بالإضافة إلى اجتماعات كثيرة في مختلف دول الشرق الأوسط مثل مصر، فلسطين، الهند، وإندونيسيا، وتضم الزمالة في عضويتها النساء والرجال ممن لديهم مشكلات مع الإدمان ويقوم برنامج الزمالة على الامتناع عن أنواع المخدرات كافة والمطلب الوحيد للعضوية هو الرغبة في الامتناع عن المخدرات بأنواعها، نوصل رسالة الزمالة مع أي فرد يعتقد أن لديه مشكلات مع الإدمان بغض النظر عن العوامل الأخرى كالعمر أو اللون أو الشكل أو الانتماء، ولدينا في زمالة المدمن المجهول مبادئ وتقاليد نتبعها وتكون محصلة تنفيذها مساعدة المدمن على الإصرار في العلاج عن الإدمان وتؤهله للاندماج مرة أخرى في المجتمع.
كيف تصلون إلى المدمنين؟
- (م.م) أهم مكانين نلتقي فيهما المدمنين ونتابعهم فيهما منذ سنوات وحدة المؤيد لعلاج الإدمان في مستشفى الطب النفسي وسجن جو، تعاوننا مع المدمنين في وحدة المؤيد منذ أكثر من 16 عاما، إذ يتعاون معنا مسئولو المستشفى، كما نلتقي المدمنين أيضا في سجن جو منذ نحو سبع سنوات، لدينا تصريح من مدير السجن السابق للحديث مع المدمنين وإيصال الرسالة لهم وإعطائهم الأمل بإمكان العلاج.
كيف ترون تقبل الناس لكم؟
- (م.م): هناك تجاوب من الناس والمدمنين، في البحرين كان عددنا قليلا وزاد عدد الأعضاء بعد الثمانينات إلى أن وصل عدد الأعضاء إلى 50 أو 60 عضوا كلهم مدمنون متعاطون.
ما هي الصعوبات التي تواجهكم في إقناع المدمنين على العلاج؟
- (م.م): ليست لدينا صعوبة في الوصول إلى المدمنين ولكن من المهم أن يكون لدى الفرد الرغبة في التعافي والعلاج من الإدمان.
كيف يصل إليكم المدمن من غير طريقي السجن أو المستشفى؟
- (م.م): بالإضافة إلى علم وزارات الصحة والداخلية برسالتنا وأنشطتنا، وكذلك المحافظات الخمس، لدينا خط ساخن يمكن لأي فرد الاتصال بالزمالة وحاليا لدينا مقترح سنعمل على تنفيذه قريبا يتعلق بنشر رقم الخط الساخن لتسهيل الوصول لنا.
كونك مدمنا متعافيا، كيف كانت رحلة العلاج؟
- (م.م): تعالجت في وحدة المؤيد لعلاج الإدمان، قبل أن أدمن كنت أعرف الصح من الخطأ، والحلال من الحرام وكانت هذه ثوابت واضحة عندي، ولكن كان المتغير هو سلوكي، كانت لدي مشكلة في السلوك، تغير سلوكي بعد الإدمان، وكان لدي نقص في المعلومات المتعلقة بالإدمان وإمكان التعافي من الإدمان من عدمها، كلما أسأل لا أجد الجواب، والمجتمع أيضا لديه نقص في المعلومات لنظرته غير الجيدة للمدمن.
عندما تعرفت على زمالة المدمن المجهول أعطوني الأمل بإمكان العلاج والتشافي من الإدمان.
بعد أن تماثلت للشفاء، هل تعاودك الرغبة في الرجوع للإدمان؟
- (م.م): لابد أن أوضح أن هناك فكرة ورغبة، الفكرة لا تستطيع منعها أو محوها ولكن يمكن منع الفكرة من أن تتحول إلى رغبة، ووقفها، ولكن بعد أن عرفت ما حدث لي والمدمن هو الفرد الوحيد الذي يعرف مشكلته بالضبط، والرجوع للمخدرات يعني تدمير الذات مرة أخرى وهو ما يستحيل أن أعود إليه.
ماذا عن فعالياتكم مع فروع الزمالة في العالم؟
- (م.م): تنظم الزمالة مؤتمرا سنويا، وقبل نحو شهرين كانت لدينا ورشة عمل استمرت ثلاثة أيام شارك فيها أعضاء الزمالة من السعودية والإمارات وقطر وتركيا وأميركا وألمانيا وعمان والأردن ومصر.
ما المشكلات التي تواجهكم؟
- (م.م): لا تواجهنا مشكلات هنا في البحرين.
العدد 1754 - الإثنين 25 يونيو 2007م الموافق 09 جمادى الآخرة 1428هـ