العدد 1794 - السبت 04 أغسطس 2007م الموافق 20 رجب 1428هـ

ماذا يمثل أمن منطقة الخليج بالنسبة إلى روسيا

ترجع أهمية منطقة الخليج بالنسبة إلى الروس إلى عصور القياصرة، وتصاعدت تلك الأهمية في القرن التاسع عشر الميلادي عند بزوغ فجر نظرية «العظمة» التي كان مغزاها أنه من يسيطر على (مركز) أوراسيا يضمن الهيمنة على سائر بقاع العالم. إلا أن تلك النظرية لم تؤتِ أكلها إذ إن الزحف الروسي نحو وسط آسيا لم يحرز نجاحات ببلوغ المياه الدافئة في هذا الجزء من العالم.

وبعد الحرب العالمية الثانية تغيّرت معادلة الصراع الدولي، إذ بدأت الولايات المتحدة سياسة الاحتواء، التي تصدت ضمن أمور أخرى لمحاولات التمدد السوفياتي باتجاه المياه الدافئة، إذ مثلت منطقة الخليج الجناح الجنوبي للحزام الشمالي الذي أقامه الغرب في وجه السوفيات.

ناقش كثير من المفكرين العرب العلاقة بين روسيا ودول الخليج من بين هؤلاء الباحث البحريني عبدالجليل زيد المرهون الذي أورد في إحدى مقالاته أن ذروة محاولات موسكو للوصول إلى المياه الدافئة، كانت في العام 1979 حينما غزت أفغانستان، كما جاء في هذا الإطار دعم السوفيات للمحاولات الانفصالية التي كانت قائمة في بلوشستان. وأشار مقال المرهون إلى أن إحدى المخاوف لدى المخططين الأميركيين، بعد سقوط الشاه في إيران، تمثلت في إمكان حدوث التقاء إيراني سوفياتي يحقق لروسيا حلمها بالوصول إلى المياه الدافئة. بيد أن هذا الافتراض استند إلى الخلط بين ما هو سياسي وما هو أيديولوجي، فالثورة التي أسقطت الشاه كانت ستفقد مبرر وجودها إن هي دخلت في تحالف مع موسكو على خلفية عدائها لواشنطن. كذلك ما يمكن قوله في الوقت نفسه هو أن حسابات طهران الأيديولوجية قد حالت بينها وبين استنفاد تناقضات البيئة الدولية. وبمعيار السياسة فإن هذا لا يحسب لطهران بل عليها. وهذه مقولة سجالية لم تحسم بعد. واستطرد «أضحى الروس، بين معطيات وسط آسيا وأفغانستان و»العراق الجديد»، بحاجة للمراهنة على دول مجلس التعاون الخليجي، بالإضافة إلى استمرار رهانهم الاستراتيجي على إيران». وعلى رغم ذلك ليس موقع إيران الدولة من هذه المقولة كموقع إيران الثورة منها، ومقاربات العام 1979 ليست هي نفسها مقاربات اليوم».

وفي ذروة تحولها الوطني بدت مخاوف إيران متجهة نحو الولايات المتحدة من دون أن تستثني الروس. بيد أن التحدّي الأساسي، أو لنقل الخطر المباشر، قد أتى من بغداد وليس من واشنطن أو موسكو.

وهنا كانت حرب السنوات الثماني. هذه الحرب التي استنفذت فيها بغداد العداء الأميركي - الإيراني والروسي - الإيراني على حد سواء. وبهذا المعنى لم تكن بيئة علاقات طهران الدولية بعيدة عن خلفيات الحرب ومجرياتها بل ونتائجها أيضا.

وبعد سنوات ثلاث من انقشاع غبار الحرب العراقية الإيرانية كان الاتحاد السوفياتي قد سقط كدولة، وعادت روسيا قريبا من حدودها التقليدية. وبالتزامن مع هذا التداعي التاريخي، كانت عاصفة الصحراء قد قضت على قوة العراق وذراعه الاستراتيجية. وأخذ الكثير من حلفاء موسكو يتجهون غربا، وكانت الهند في طليعة هؤلاء. وهنا ازدادت موسكو بعدا عن الخليج.

ولقد رمى المتغير الروسي ما بعد السوفياتي الذي تتابع فصولا بتداعيات واضحة على معادلة الأمن الآسيوي، واستتباعا بيئة الأمن في الخليج العربي.فقد خسر الروس الكثير من رهاناتهم في الجبهة الجنوبية في آسيا الوسطى والقوقاز، التي كانت بوابة عبورهم إلى قلب القارة وجنوبها.

وبعد الحرب الأميركية على أفغانستان خسر الروس الرهان الأفغاني بمعنى القدرة على جعل أفغانستان ساحة نفوذ سياسي واقتصادي، وذلك بعد أن خسروها بالمعنى الاستراتيجي قبل عقدين من الزمن.وبعد سقوط حكومة الرئيس العراقي صدام حسين في العام 2003، بدا الروس وقد فقدوا ما تبقى من رهاناتهم في العراق.

مهاجمة إيران تهديد لمصالح موسكو

قبل الحديث عن هذا الموضوع يمكن القول إنه فيما يرتبط بالعلاقات الروسية الإيرانية، فإن الأرجح هو حصول مزيد من الاستمرارية القوية فيها، خصوصا أن الاتجاه المحافظ الحاكم اليوم في طهران لديه مقاربة أكثر تجليا لخيار إيران العسكري، إذ يمثل تعزيز وتطوير القوة العسكرية الإيرانية جزءا أصيلا من أيديولوجيته، وحيث يمثل الجانب العسكري البعد الأكثر مركزية في علاقة طهران بموسكو.

ويمكن أن نلحظ أنه على رغم عدم اعتراض الروس على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1737 الخاص بفرض عقوبات على إيران على خلفية برنامجها النووي، وعلى رغم دعمهم لاحقا لمبدأ فرض عقوبات إضافية، ما زال الروس متمسكين برفض اللجوء للقوة العسكرية في النزاع الدولي، أو لنقل الغربي، الدائر حاليا مع إيران.

ولكن حتى مع استبعاد هذا الخيار، سيمثل توسع القرارات الدولية ضد إيران تحديا كبيرا للعلاقات الروسية الإيرانية، ولمستقبل صادرات السلاح الروسي إلى إيران فضلا عن تجارة التقانة النووية والسلع المرتبطة بها، القائمة حاليا.

وفي الحسابات الأكثر مرجعية، يرى الروس أنه في حال قدر لعمل عسكري أميركي تغيير النظام الراهن في طهران، وفرض حكومة موالية فيها، فسيعني ذلك بسط السيطرة الأميركية على موارد الطاقة الإيرانية، واستخدام إيران ممرا سهلا وقصيرا لنقل نفط آسيا الوسطى والقوقاز باتجاه أوروبا، وتاليا تجاوز الأراضي والممرات الروسية، ما سيعني في التحليل المباشر تهديدا لمكانة روسيا الجيوبوليتيكية ولمستقبل نفوذها الدولي. هذا فضلا عن دلالات ومضامين خسارة الوجود الروسي في إيران نفسها.

ثلاثة محاور للشراكة الخليجية - الروسية

على مستوى العلاقات الروسية مع دول الخليج، ثمة ثلاثة مجالات رئيسية قد تتحرك فيها هذه العلاقات، وهي قطاع الصناعة النفطية، ومشروعات الطاقة النووية المقترحة حديثا، وبرامج التسلح العسكري.

فعلى صعيد الصناعة النفطية، هناك الآن تعاون روسي مع بعض دول المنطقة، إذ تستثمر شركات روسية في هذه الصناعة منذ بضع سنوات.

وعلى رغم ذلك، ثمة تحديان يفرضان نفسيهما على هذا الصعيد، يتمثل الأول في محدودية مستوى تكنولوجيا صناعة النفط الروسية، قياسا بنظيراتها لدى شركات النفط العالمية، ويتمثل الثاني في المقاربة التي اعتمدتها الشركات الروسية لنشاطها في المنطقة، حيث لجأت هذه الشركات لتمويل استثماراتها من المصارف المحلية، بدلا من اعتمادها على رأس المال الروسي. على صعيد مشروعات الطاقة النووية المقترحة حديثا في المنطقة، ظهر حديث مبكر عن احتمال لجوء دول مجلس التعاون الخليجي إلى روسيا لتكون الجهة المعتمدة لتشييد بنى هذه الطاقة. وذلك على غرار ما هو حاصل حاليا في إيران والهند، وما قد يحصل حديثا في تركيا وربما في مصر.

وبالطبع، فإن أحدا لا يحق له الوقوف ضد رغبة الدول الخليجية في اعتماد خيار الطاقة النووية، كما ليس من حق أحد الاعتراض على الجهة التي تختارها لتشييد هذه الطاقة، فهذا من صميم حقها السيادي.

على رغم ذلك، هناك أربع قضايا تفرض نفسها في هذا المجال:

أولا: أن مبدأ لجوء دول تزخر بثروة كبيرة من النفط والغاز إلى الطاقة النووية هي فكرة سجالية بامتياز، ويبدو الأمر أكثر سجالية في ضوء واقع الندرة السكانية لهذه الدول ومحدودية الصناعات الثقيلة فيها.

ثانيا: على رغم أن احتمالات التسرب الإشعاعي بفعل عوامل خارجية قد أضحت شبه معدومة في التصاميم الحديثة للمفاعلات النووية، يبقى هذا الخطر قائما بفعل الخطأ البشري بصفة خاصة.

ثالثا: إذا قررت دول الخليج فعلا اعتماد روسيا جهة لتشييد بنى الطاقة النووية فيها، فستكون قد لجأت إلى أكبر منافسيها الدوليين في أهم مفاصل قوتها الاقتصادية وهي الطاقة الهيدروكربونية. وعلى المدى البعيد سيتأثر قرارها النفطي بظل الحضور الروسي في المنطقة، الذي سيبدو جوهريا في حال كانت روسيا هي من يرعى الطاقة النووية فيها.

رابعا: في الحساب الكلي لقضية التحالفات، يمكن لروسيا، على الصعيد الافتراضي التحليلي، أن تكون رصيدا لدول الخليج فقط في حال شُيدت العلاقة معها وفق نسق متوازن من الاحتياجات المتبادلة.

وقد لا يبدو الأمر كذلك في حال كانت الانطلاقة الفعلية لهذه العلاقات متجسدة في اعتماد الشركات الروسية راعيا للطاقة النووية المقترحة في المنطقة.

هل تفتح روسيا مخازن صواريخها لدول الخليج؟

أخيرا، وبالانتقال إلى قضية التعاون العسكري بين روسيا ودول مجلس التعاون الخليجي، فإن البعد الأهم الذي يمكن التوقف عنده هو إمكان تزويد موسكو لهذه الدول بقدرات صاروخية ذات مغزى. إن دول المجلس تعاني من اختلال هيكلي كبير على مستوى نظام التسلح فيها. وتحديدا، تكاد قدراتها الصاروخية لا تساوي شيئا قياسا بما لديها في مجالات التسلح الأخرى. ويعود السبب الأساسي في ذلك إلى أن الدول الغربية، خصوصا الولايات المتحدة، تمتنع تقليديا عن تزويد هذه الدول بقدرات صاروخية ضاربة خوفا من استخدامها ضد «إسرائيل».

ونجح الإيرانيون في الإفادة من كل من روسيا والصين وكوريا الشمالية في تطوير قدراتهم الصاروخية الباليستية، ودول مجلس التعاون معنية بدورها من الإفادة من الروس على هذا الصعيد.

وفي المراحل الأولى فإن هذه الدول معنية باستيراد صواريخ روسية ذات مديات وقدرات ذات شأن. وهي معنية في مراحل لاحقة بتوطين تكنولوجيا الصواريخ، والاستعانة بالخبرات الروسية لتأسيس صناعة صاروخية محلية.

دول الخليج معنية ببناء مفاهيم جديدة لقضية التوازن الاستراتيجي في الخليج، بناء لا يرتكز إلى المفاهيم نفسها التي سقطت مع حرب الخليج الثانية، وباتت إعادة إنتاجها مستحيلا بعد الحرب الأميركية على العراق.

وثمة تحد يفرض نفسه على هذا الصعيد، وهو أن العلاقات الروسية الخليجية لا تزال يافعة وغير واضحة المعالم على مستوى السقف الذي يمكن أن تصل إليه، في ضوء الارتباطات الراهنة لدول المنطقة، خصوصا تلك القائمة مع أميركا.

بيد أن هذا الأمر على رغم أهميته وواقعيته في الحسابات الجارية على الأرض لا يحول من دون سعي دول المنطقة باتجاه استنفاد علاقاتها بروسيا من أجل تطوير قدرات صاروخية ذات مغزى.

وحتى الآن، فإن أبعد صاروخ لدى دول المنطقة هو الصاروخ (CSS-2) الصيني الذي يبلغ مداه 2400 كيلومتر، وتمتلكه المملكة السعودية منذ العام 1988. وربما كان اقتناء هذا الصاروخ هو أحد الدروس التي خرجت بها دول المنطقة من الحرب العراقية الإيرانية.

وفي ظل معطيات البيئة الأمنية الراهنة في الخليج ومحيطه العربي والشرق أوسطي، فإن دول مجلس التعاون الخليجي معنية بالدخول في إعادة رسم وتحديد واضح لطبيعة الأخطار والتحديات الاستراتيجية الطابع، وسلمها التراتبي، واستتباعا إعادة رسم هيكل التسلح واتجاهات الإنفاق الدفاعي.

وفي السياق الأكثر مرجعية، فإن دول المجلس معنية ببناء مفاهيمي جديد لقضية التوازن الاستراتيجي في الخليج، بناء لا يرتكز إلى المفاهيم نفسها التي سقطت مع حرب الخليج الثانية، وبات إعادة إنتاجها مستحيلا بعد الحرب الأميركية على العراق، وغدت غير ذات جدوى في ضوء الدروس التي أفرزتها حرب لبنان الثانية في صيف العام 2006. إن كلا الجانبين الروسي والخليجي معنيان بالبحث عن المداخل الأكثر إلحاحا لبناء علاقات ذات مغزى، قادرة على استيعاب النمط المتباين من الخصوصيات والتطلعات.

إن إحدى خلفيات مساعي الاقتراب الروسي الراهن من دول المجلس، زيارة الرئيس فلاديمير بوتين الأخيرة للمنطقة. فروسيا استيقظت على يد زعامة جديدة لتقرر الجمع بين الأصالة والروح الوطنية الروسية، وبين ضرورات التطور والإصلاح سياسيا واقتصاديا واجتماعيا؛ لتتبوأ البلاد مكانتها الحقة وتعيد بالتالي إلى المجتمع الدولي توازنا حميدا كان قد غاب عندما انفردت الولايات المتحدة بالعالم لا تكاد تفرق بين صديق وغير صديق في معاملة خشنة تلجأ تارة إلى استخدام القوة بغير مقتضى، وتارة إلى اللجوء إلى وسائل الضغط السياسي أو الاقتصادي أو حتى الاجتماعي، غير عابئة بما قد تثيره من فوضى واضطراب وواثقة من أن الساحة أصبحت لها وحدها. وبما أن منطقة الخليج تزخر بأضخم كمية من موارد الطاقة فقد أضحت مسرحا لوضع أمني محفوف بالمخاطر ويكتنفه الغموض، ولذلك فإن محاولة الرئيس الروس مد جسور التواصل بين بلادهم ودول مجلس التعاون الآن تُعَد خطوة إيجابية وفي الاتجاه الصحيح.

العدد 1794 - السبت 04 أغسطس 2007م الموافق 20 رجب 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً