«دبلة الخطوبة» رمز قديم داوم عليه المحبون منذ عصور؛ كي يكون علامة فارقة تؤكد انشغال قلب صاحبه، وعدم تقبله إقامة علاقة عاطفية مع شخص جديد كما هي رمز أكده الإسلام عندما كرمه الرسول (ص)، وذكرها في أحد أحاديثه الشريفة وذلك عندما أمر أحد الشباب الساعي إلى الزواج قائلا: «التمس ولو خاتما من حديد». حقا إنها مرحلة يظهر فيها للجميع ختام العلاقة العاطفية مع غيره من الجنس الآخر.
ولذلك كله، باتت «دبلة الخطوبة» حلما يبرق بخيال كل شاب وفتاة ويلمع في إصبع من أدرك هذا الحلم؛ ليكون بداية الأفراح والأعراس ثم الزواج السعيد وينظر إليه البعض على أنه رمز للوفاء، فالمرأة المتوفى زوجها مادامت تحرص على خاتمه فهي وفية ترفض غيره وتخليها عنه يعني بلا ريبة استعدادها للارتباط بغيره.
يرجع الناقد طه وادي إلى تاريخ خاتم الزواج للعصور الرومانسية، إذ إن للدائرة عندهم رمزا وقيمة عالية فالتاج دائرة وهالات الملائكة والآلهة دوائر وكذلك دائرة الزواج وهي دائرة من فروع الأشجار تضفر ليكون ليست لها بداية أو نهاية في رمز لحياة الزوجين معا، فلا بداية ولا نهاية ولا مخرج من دائرة الزواج وكانت توضع بمعصم العروس وليس إصبعها حتى تطور الأمر ليتحول العود الأخضر إلى معدن قوي حتى لا يفل بسهولة.
وقال: «نظرا إلى صعوبة وجود المعدن بمعصم العروس تغيرت الحال، ليضع الكاهن الحلقة الحديد في إصبع العروس أما عن إصبع البنصر بذاتها فهذه حكاية أخرى، إذ إن من مراسم الاحتفال أن يحاول الكاهن وضع الخاتم بالإصبع الأكبر الإبهام، فهي قصيرة نسبيا ويسهل خروج الخاتم منها، أو السبابة فهي للإشارة وتوجيه الاتهام فلا يصلح معها رمز الحب والوسطى فهي الإصبع الأطول ولكنها الأضعف وأخيرا الخنصر فمحلها في اليد سلبي لقصره لذلك يلجأ الكاهن إلى وضع الخاتم بالأصبع البنصر نظرا إلى ملائمتها».
وأضاف أن «الاعتقاد بأن في هذه الإصبع وترا وشريانا متصلا مباشرة بالقلب وهو ما قرب خاتم الزواج من القلب أكثر، فوضعه في اليد اليسرى ليصير أقرب وأقرب وليتحكم الخاتم بقلب صاحبه مباشرة وبلا مقدمات».
رمز الحب
وعن تطور أشكال خاتم الزواج، يقول عاطف محب (صائغ): «اعتدنا منذ زمن على الشكل التقليدي لـ (دبلة الخطوبة) أو خاتم الزواج، إذ لا تزيد على إطار ذهبي رفيع تقليدي الشكل، ولكن الآن وبعد عناية الاهتمام بخاتم الزواج لرمز للحب بين الطرفين، أصبح من الممكن أن يتكون الخاتم من حرفي اسمي العروسين مع تَكرارهما وسط قلبين، وهناك الخواتم المرصعة بأحجار الألماس أو الأحجار المفضلة للطرفين وهناك من يفضل نموذج الدبلة وشكلها نفسه، ولكن أحدهما من ذهب للعروس وآخر من الفضة للمعرس».
ويواصل صائغ الحلي: «وأخيرا تخلى صناع الموضة ومتبعوها عن الشكل التقليدي لخاتم الزواج الدائري، ليبتكروا الخواتيم المربعة والمرصعة بالأحجار المختلفة على جوانب الخاتم الأربعة، بل أحيانا يمتد طول الخاتم ليصل طوله إلى بوصة كاملة وهو الخاتم العريض الذي يفضله الكثيرون شكلا مميزا للخواتيم وبالتأكيد لن يتوقف الاهتمام بموضات الخواتم طالما اهتم المحبون برموز قصة حبهم».
تباين بين الجنسين
أما أستاذة الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية نسرين البغدادي فترى أن الاهتمام بخاتم الزواج يرجع إلى أهميته في مجتمعاتنا العربية رمزا للارتباط الشرعي لقصص الحب بين الشباب ولذلك يولي الشباب وخصوصا الفتيات اهتماما بالغا بشكل «دبلة الخطوبة» ويحلمن باليوم الذي ستتوج إصبعهن بإطار من ذهب وقلوبهن بإطار من حب.
وتؤكد أن هناك تفاوتا بالنسبة إلى الاهتمام بين البنات والشباب بـ «دبلة الزواج»؛ لأنه في الوقت الذي يرى فيه كثير من الشباب أهمية ارتدائها أثناء فترة الخطوبة، على حين لا يكترثوا لوجودها بإصبعهم بعد الزواج، إلا أن المرأة تظل على عهدها في الاحتفاظ بها ربما إلى آخر أيام العمر بل يصل الأمر إلى أن المجتمع يدين المرأة المتزوجة التي لا تضع خاتم الزواج بيدها، إذ يعدها مفرِّطة في ركن من أركان الزواج وربما هو ركنه الأول والأهم عند الكثيرين فهو رمز للإخلاص والولاء لصاحب القيد الذهبي.
وأوضحت «يعد المجتمعُ الشرقي المرأةَ المتخلية عن دبلة زواجها طوعا لظروف انتهاء هذا الزواج بأي شكل سواء للطلاق أو الوفاة فالقلب فارغ ولا يشغله أحد؛ كيلا تشغل إصبع الزواج بيدها اليسرى بإطار ذهبي وأن المرأة العربية حريصة على إبراز موقفها الاجتماعي بوضوح لعدم الخلط وخصوصا في أمورها العاطفية والخاصة بالارتباط، إذ إن الدبلة هي الإشارة الأكيدة غيرالقابلة للشك في نوعية ارتباط المرأة العاطفي سواء أكانت فتاة أم سيدة.
العدد 1806 - الخميس 16 أغسطس 2007م الموافق 02 شعبان 1428هـ