لم تعد المجالس الرمضانية كما كانت عليه في سنين سابقة مقتصرة على الشأن الاجتماعي، لكون الكثيرين يجدون في هذه المجالس نقطة التسامر ولقاء الأحبة لمرة واحدة طوال العام ربما، فقضايا الشأن العام (سياسية أو اقتصادية) أخذت تفرض حضورها القوي وربما من دون منازع على غالبية المجالس الرمضانية في المملكة.
والزائر لأي مجلس سيدرك هذه الحقيقة تماما كما وجدتها «الوسط» التي كانت حاضرة في مجلس آل عصفور في منطقة العدلية، فقد استحوذت تطورات شركة طيران الخليج على أجواء الحوار في المجلس الرمضاني لعائلة آل عصفور، حضور متنوع... وجوه رسمية رفيعة المستوى وأخرى اقتصادية وسياسية وفعاليات اجتماعية مختلفة ساهمت في طرح هذا الملف على طاولة النقاش.
وقد أضفى حضور نائب رئيس الوزراء سمو الشيخ علي بن خليفة آل خليفة حماسا على رواد المجلس في إشباع ملف طيران الخليج شرحا وتحليلا، وأثار رواد المجلس التطورات الأخيرة في شركة طيران الخليج بعد أن أصبحت ملكيتها خاصة للبحرين اثر انسحاب جميع دول الخليج عنها، وآخرها سلطنة عمان التي انسحبت عنها في مايو/ أيار الماضي.
وأدار دفة الحوار الساخن والشيق صاحب المجلس الشيخ عبدالحسين خلف العصفور مخاطبا نائب رئيس الوزراء (وزير المواصلات سابقا) سمو الشيخ علي بن خليفة آل خليفة قائلا: «إن الخطوات المبذولة لتصحيح مسار الشركة هي محل تقدير من جميع الأطراف، وهذا الاهتمام العام بمصير شركة طيران الخليج راجع إلى أمرين أساسيين، فالأمر الأول يعود إلى عراقة هذه الشركة، وما كانت تمثله من دلالة في وحدة المنظومة الخليجية ونجاح خطط ربط اقتصادات دول المجلس ضمن مشروعات استراتيجية موحدة».
وذكر العصفور أن الشركة في تلك الفترة استطاعت أن تشغل موقعا متميزا على خريطة الملاحة الجوية في المنطقة والعالم، وأصبح يشار إليها بالبنان، ولكن بدأت الشركة منحى آخر لاحقا وهو تراجع الأرباح وبدء مرحلة الخسائر، واليوم كما نقرأ تخسر الشركة، وفق ما يقوله بعض النواب والمختصين، مليون دولار أميركي، وهذا رقم كبير جدا ومؤشر على خلل أكبر ينبغي الالتفات إلى سرعة إصلاحه».
واوضح العصفور أن الأمر الآخر الذي يجعل من شركة طيران الخليج محل اهتمام لدى المواطنين وخصوصا المتابعين منهم هو تحول ملكيتها كاملة إلى مملكة البحرين، وهذه الخطوة المهمة تتطلب جدية معالجة الوضع المالي والإداري المتردي في الشركة(...) فهناك مجموعة من القضايا تفرض نفسها وينبغي الالتفات إليها من الجميع سواء المسئولين أو النواب أو المختصين، لأن الشركة أصبحت بحرينية كاملة، وهذا يخضعها بالضرورة إلى المراقبة».
وفي موقف لافت، وجه العصفور دعوة صريحة للحكومة إلى محاسبة من تعدى على الأموال العام في شركة طيران الخليج، وقال العصفور مخاطبا سمو الشيخ علي: «من الضرورة بمكان أن يخضع الجميع للمحاسبة، وأي شخص من موظفي الشركة سواء كان كبيرا أو صغيرا امتدت يده على الأموال العامة يجب أن يحاسب ويأخذ جزاءه العادل من العقاب».
ونبه العصفور إلى ضرورة تفعيل نظام المراقبة والمحاسبة بشكل جاد «حتى يمكن أن نتغلب على مسألة الفساد المالي والإداري الذي ينخر في الشركة، وهذا الأمر ليس مقتصرا على شركة طيران الخليج إنما أية شركة يضخ فيها أموال الناس، ويجب أن نثق أن تسلط عليها الأيدي الأمينة المشهود لها بحرصها وإخلاصها وكفاءتها في أوساط المجتمع المختلفة، تأكيدا على قاعدة وضع الرجل المناسب في المكان المناسب».
من جانبه عقّب نائب رئيس الوزراء سمو الشيخ علي بن خليفة آل خليفة على ما أثاره العصفور، مشيدا بجرأة الطرح في المجالس الرمضانية في تناول القضايا العامة بجو من الحرية والانفتاح. وقال: «هذه المجالس الرمضانية فضلا عن أنها عادة بحرينية حميمية متوارثة من الآباء والأجداد، وجميعنا لدينا ذكريات جميلة في هذه المجالس فإنها أيضا تعكس الجو الديمقراطي الذي نعيشه في عهد المشروع الإصلاحي لجلالة الملك».
وعلى صعيد ملف شركة طيران الخليج أكد سموه «اهتمام الحكومة وحرصها على مستقبل شركة طيران الخليج للعودة بها إلى الربحية وشغل موقع ريادي في المنافسة الشديدة في المنطقة والعالم في مجال الملاحة الجوية، كما شدد على حرص الحكومة على تطوير وتحسين أوضاع البحرينيين العاملين في الشركة».
وأشار إلى أن حرص الحكومة على مساندة الناقلة الوطنية يمكن أن يتجلى بشكل واضح عبر الأموال الطائلة التي ضختها الحكومة في الشركة، واضاف «الحكومة تريد من خلال هذا الدعم أن تقف شركة طيران الخليج على قدميها وتتخطى هذه المرحلة التي تمر بها حاليا بنجاح»، لكنه لفت في الوقت ذاته أيضا إلى أن «موارد الحكومة تبقى محدودة، ولا يمكن أن يستمر الدعم الموجه للشركة إلى الأبد، لأن الحكومة لديها أيضا قائمة من الالتزامات من المشروعات الأخرى سواء المتعلقة بتطوير البنية التحتية أو تحسين الوضع المعيشي للمواطنين».
ودخل على خط النقاش علي الشيخ عبدالحسين العصفور، وأكد أن هناك خيارات كثيرة مطروحة لحل أزمة شركة طيران الخليج، وأهم هذه الحلول هو موضوع التخصيص، وعقب سمو الشيخ علي على ذلك قائلا: «إن التوجه إلى عملية الخصخصة يحتاج إلى وقت، وقبل ذلك إلى رفع كفاءة الشركة وإدخالها في مجال الربحية، لأن القطاع الخاص يقبل على الشركات الناجحة التي تدر أرباحا، وبالتالي فإن خصخصة الشركة خيار غير مطروح حاليا على الأقل».
وشدد على ضرورة أن يستفيد صغار الموظفين في الشركة من الزيادات، بدلا من أن تتركز هذه الزيادات وبنسب تصل أحيانا إلى 40 في المئة على فئة كبار الموظفين فقط، لأن الشريحة العريضة من الموظفين هي المعنية بالدرجة الأولى بتنفيذ الخطط والسياسات التي تتبعها الشركة في برنامج إعادة هيكلة الشركة.
وعلى رغم أن «مستقبل طيران الخليج» أخذ حصة الأسد من نقاشات المجلس الرمضاني لآل عصفور، فإن التطورات الإقليمية والدولية لم تكن غائبة كذلك، فقد فتح حضور السفير الجزائري لدى المملكة أحمد بوزيان في المجلس شهية رواده المتنوعين لمناقشة مشروع المصالحة في الجزائر الذي يقوده الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة منذ سنوات، ومدى قدرته على استقطاب الأطراف المختلفة لترك السلاح والدخول في العملية السياسية، كما تطرق الحضور إلى تقييم الوضع السياسي بعد الشد والجذب الذي شهدته الانتخابات التشريعية في الجزائر قبل أشهر قليلة.
وبشأن العمليات الإرهابية التي نفذت في الجزائر أخيرا قال السفير: «تنظيم القاعدة الذي تبنى بعض هذه العمليات موجود في كل مكان وليس في الجزائر فقط، ولكن الحكومة قادرة على بسط الوضع الأمني بشكل كامل، وهذه الاختراقات المحدودة تحدث في أي بلد آخر».
ومن جهة أخرى أقر السفير الجزائري أن العلاقات الاقتصادية بين البحرين والجزائر لم تصل بعد إلى المستوى المتقدم من العلاقة السياسية بين البلدين، وأشار إلى وجود بوادر لإقامة مشروعات اقتصادية مشتركة بين البلدين على غرار ما يجري في الجزائر ودبي حاليا، لكنه أكد أن «هذا التوجه موجود ولكنه لم يتبلور بعد في صيغة مشروعات محددة».
العدد 1837 - الأحد 16 سبتمبر 2007م الموافق 04 رمضان 1428هـ