لا يخفى على أحدنا أن الإنترنت أوجد لنفسه مجالا في كل مكان في هذا الزمان، فلم يترك موضوعا أو مشروعا، حديثا أو جدلا، قضية أو فكرة، علما أو بحثا، إلا وكان له فيه قول، فمن فنون الطبخ للفنون القتالية، ومن السينما إلى الكتاب، ومن علوم الرياضيات والفلك إلى علوم الدين والشريعة، وغيرها من العلوم، تنقل بين أطراف العالم، وتحدث عن ما كبر وجل قدره، وذكر ما قل مقداره وتحاشاه الناس، فإذا ما أردت جوابا لسؤال، فما عليك سوى قصد مقصد الشرق والغرب، القاصي والداني، موقع (غوغل- google.com)، ليرشدك بطريقة أو بأخرى إلى مكان على الشبكة قد يعطيك جوابا شافيا، أو أنه قد يكتفي بإثارة المزيد والمزيد من التساؤلات لديك.
من محاسن الشبكة العنكبوتية، أنها كما أفردت مكانا للترفيه وصغائر الأمور، وجد عليها من الناس من حاول أن ينقل خير علمه ومعرفته إلى ربوعها، فيفيد الناس وينقل تجربته وخبرته إليهم، فوردت نصوص وموضوعات كثيرة عن أمور الحياة والمجتمع، وقضايا ومشكلات الناس، طرحت الحلول من خلالها، منها ما كان خاضع للنقاش ومنها ما أفاد بمعلومة من مراجع موثقة، ولعل من أهم هذه النماذج، نماذج المواقع الإلكترونية المهتمة بشئون الدين والعبادة، والتي يكثر التردد عليها في مثل هذه الفترة من السنة، فيبحث الكثير من الصائمين عن فتاوى وأحكام لصومهم، ويسعون لزيادة علمهم وفهمهم لأمور الدين في هذا الشهر الفضيل.
تقول - مريم 20 عاما - (أقضي بعض الوقت في النهار قبل الإفطار على الإنترنت، خصوصا إذا ما فرغت من أشغالي، أو كان الوقت مبكرا على بدء إعداد الإفطار، بالمصادفة وأثناء تجولي على الشبكة صادفت الكثير من المواقع الدينية المميزة، وبت أتردد عليها يوميا، فيها من الإفادة الكثير... الكثير).
مريم واحدة من بين الكثير من الناس الذين باتوا يجدون في الإنترنت تسلية ومنفعة لصيامهم، فبعد انتشار الإنترنت بنطاق واسع جدا بين الناس، خصوصا الشبان منهم، انشأ عدد كبير من مواقع الفتاوى تعتمد مختلف المراجع الدينية، وتوفر عبرها عددا كبيرا من الأمور وأحكام الصيام التي قد تخفى على الصائم، لعل من بين أهمها، تتناول قضايا فتاوى عن المفطرات في العصر الحديث، والتي لا نصوص فيها لحداثتها بين الناس، فالكثير من الفتاوى والموضوعات تتناول ما يختص بالطب والأدوية والإجراءات الطبية المفطرة، أو التي قد تؤثر في الصائم والصيام.
عبدالكريم محمد -32 عاما - يرجع الفضل لمجموعة من مواقع الإنترنت المختصة بالفتاوى والقضايا الدينية في تنبيهه إلى أنه بسبب دواء الربو (بخاخ الربو)، قد يكون مفطرا في نهار رمضان في رأي بعض المفتين، فيما يفتي آخرون في عدم إبطالها للصيام، ما جعله يسعى للتحقق من الأمر، فيقول: (قرأت في أحد المواقع التي تفرد قسم للسؤال رجال الدين، تساؤل من قبل أحد الأشخاص عن حكم بخاخ الربو، خصوصا أن الغرض منه هو إدخال جرعة من الأوكسجين للرئة بالإضافة لمواد طبية، فأجاب المجيب أن في الأمر خلاف، وأنه قد يكون مفطرا، ما دفعني للسؤال بدوري لدى عدة مصادر، ووصلت أخيرا إلى أنه قد يكون مفطرا لأن هذه المواد لكي توضع في علبة الدواء لابد أن تذاب في الماء، وتقنيا جزء من هذا الماء يدخل الجوف، وهذا يفطر الصائم).
في مقابل العدد الكبير من الناس المؤيدين لمشروع وجود مواقع الكترونية ترشد الناس عموما والصائمين خصوصا لأمور دينهم، هناك من يخشى من أن تتحول المسألة ساحة كبيرة للجدل والخلاف، وخصوصا أننا في الإنترنت لا نعرف المصدر الحقيقي للفتوى، ما قد يجعل منها محط شك ونقد لدى البعض.
مصطفى ميرزا -36 عاما - يرى أن المضلل من هذه المواقع أكثر من الدقيق الصادق، وخصوصا أن الكثير من هذه الفتوى تعرض من خلال المنتديات، ما يجعلها محط اجتهاد من قبل أعضاء المنتدى، يقول مصطفى (في المنتديات خصوصا في نهار رمضان تكثر المشاركات التي تتطرح قضايا من هذا القبيل، وترى من «هب ودب»، يستعرض أراءه في هذه القضايا، وكأنه من أهم المراجع الدينية، ومؤلفاته لا تبقى في رفوف المكاتب الدينية لأكثر من بضع ساعات)، ويسأل مصطفى، (ألا يخاف هؤلاء الناس من أن يوقعوا غيرهم من المؤمنين في ذنب بسبب خطأ اجتهادي غير مبرر من قبلهم).
لعل إدخال تكنولوجيا الاتصالات بأنواعها في حقل الدين أمر مهم جدا، خصوصا أنها وسيلة العصر في اكتساب المعلومات، غير أن الكثير من الانتقادات طالت الوسيلة، لكونها تعتمد طرقا قد تمس بعض الأمور المقدسة لدى الناس حتى لو شكليا، فقبل فترى طرح أحد المبرمجين المصريين جهازا صغيرا يشبه القاموس الإلكتروني، سماه الصلاة الإلكترونية، وعلى رغم أن الجهاز مفيد جدا خصوصا لمن أسلموا حديثا، أو لغير الناطقين باللغة العربية، فإن تسمية الاختراع جلبت له نقدا كبيرا من قبل الكثير من رجال الدين في مصر وغيرها.
العدد 1856 - الجمعة 05 أكتوبر 2007م الموافق 23 رمضان 1428هـ