العدد 1877 - الجمعة 26 أكتوبر 2007م الموافق 14 شوال 1428هـ

اضحكوا... فأميركا مترددة في توجيه ضربتها العسكرية!

من المعروف أن أميركا تختلق الذرائع وتصطنع الحجج للتدخل في شئون الدول الأخرى، وإذا تطلبت مصالحها الذاتية أن تثير الفتن وتشن الحروب فهي لا تتردد قيد أنملة، لكونها القطب الأوحد الذي يمتلك القوة العسكرية الضاربة، والأساطيل الحربية التي تجوب البحار وتعبر المحيطات في العالم، ولها تجارب كثيرة فاشلة في خوض المغامرات وشن الحروب، ابتداء من قصفها النووي على اليابان وغرقها في المستنقع الفيتنامي، وانتهاء بشنها الحرب على أفغانستان والعراق وتوريط نفسها بالوقوع في مستنقع آخر. ولكنها على رغم فشلها الذريع وخسائرها الجسيمة، فهي لا تتعلم الدروس ولا تتعظ بالعبر والمواعظ من تجاربها المتكررة والفاشلة.

وأميركا، وعلى رغم أنها تعلم علم اليقين بأن خبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية، دمروا جميع أسلحة الدمارالشامل وكل ما يتعلق بإنتاجها من معدات وأجهزة في العراق، ولكن لكونها قد خططت لغزو العراق مسبقا، اتخذت من تلك الأسلحة الخطرة ذريعة وحجة لها لتبرر غزوها للعراق، على رغم رفض غالبية الدول وشعوبها في العالم لشن مثل تلك الحرب، نظرا إلى ما تخلفه الحروب من كوارث وخراب ودمار، فضلا عن المآسي الإنسانية والبيئية والصحية، والتسبب في سقوط الآلاف من الضحايا الأبرياء - الذين لا ناقة لهم ولا جمل - قتلى وجرحى، بالإضافة إلى ما جلبته أميركا معها إلى العراق من عصابات المافيا وعصابات الجريمة المنظمة، وكذلك عصابات الإرهاب التكفيري البربري، التي ما فتئت تتحالف وتندمج مع فلول النظام البائد، وراحت تزرع الموت والخراب والدمار في أرجاء العراق، وتزعزع أمنه واستقراره وسلامة مواطنيه بسياراتها المفخخة، وأحزمتها الناسفة، وأسلحتها المدمرة والمتفجرة في كل مكان.

وتواصل أميركا تهديداتها ووعيدها بتوجيه ضربة عسكرية مدمرة إلى سورية، مدعية أنها تدعم المنظمات الإرهابية وتأوي الإرهابيين في بلادها، في إشارة صريحة وواضحة إلى بعض القادة والزعماء الفلسطينيين. وضربة أخرى إلى إيران، التي هي أحد محاور الشر في العالم ،وهي بدورها تدعم الإرهاب - كما تزعم وتدعي أميركا - وتركز على محاربة برنامجها النووي، الذي تهدف من ورائه إلى إنتاج القنبلة النووية، وهي تسعى إلى تهديد وجود الكيان الصهيوني، وتشكل خطرا كبيرا على دول المنطقة ودول العالم الأخرى، وهي تتوعد وتهدد إيران بتوجيه ضربة عسكرية لها، لتدمير كل مفاعلاتها ومنشآتها النووية، إن هي لم تتوقف عن مواصلة السير والمضي في تخصيب اليورانيوم، وتفكيك جميع المنشآت والأجهزة المتعلقة بهذا المشروع الحيوي، وتسلميها كل المعدات والأجهزة بما فيها أجهزة الطرد المركزي - كما فعلت ليبيا على سبيل المثال - وهي تمارس الضغوط على كوريا الشمالية لترضخ لرغباتها وتلغي برنامجها النووي، وتسلمها كل ما تمتلك من أسلحة نووية وأجهزة ومعدات وتقنيات خاصة، مع العلم أن أميركا تعلم علم اليقين أن البرنامج النووي الإيراني هو في أساسه - كما تؤكد وتصر إيران - للأغراض السلمية فقط، كتوليد الطاقة الكهربائية ولإجراء البحوث العلمية والطبية والزراعية والصناعية.

ولا يخفى على أحد أن أميركا وضعت خطة الهجوم وحددت الوقت أكثر من مرة، ولكنها تتردد في شن الحرب وتوجيه الضربة، لأسباب لا تكاد تخفى على أحد، وهي:

- تورطها في أفغانستان والعراق وغرقها في الوحل، فلم تحقق ما كانت تخطط وترسم له، ولم يتحقق على أرض الواقع كل ما وعدت وتعهدت به، وفي كل يوم تزداد أزمتها وتكبر ورطتها، ولا تجد لها مناصا أو مخرجا للانسحاب من تلك المستنقعات العفنة، لتحفظ ماء وجهها وتفر بجلدها من سوء طالعها وحظها العاثر، ومن هول هزائمها النكراء في المنطقة.

- الوجود العسكري في منطقة الخليج، ووقوع قواعدها العسكرية في مرمى المدفعية والصواريخ الإيرانية يشكل خطرا جسيما عليها وعلى سلامة أساطيلها في تلك المنطقة، وهي تتوقع أن تكون منابع النفط في المنطقة عرضة لنيران مدفعية الفرقاطات والصواريخ الإيرانية إذا ما اشتد وطيس الحرب.

- احتمال إغلاق مضيق هرمز، وهذا سيمنع حركة السفن المحملة بالنفظ، مع احتمال ضربها وإغراقها في مياه الخليج الدافئة، وبالتالي ستتكبد أميركا خسائر جسيمة في المعدات والأرواح، وسيؤدي حتما إلى توقف عجلة غالبية المصانع العملاقة، ما سيؤدي إلى وقوع كوارث اقتصادية في أوروبا وأميركا والدول الأخرى.

- الخوف من تعرض المصالح الأميركية والأوروبية إلى الهجمات المباغتة، من قبل عناصر وجهات فدائية مؤيدة ومتحمسة، إذ إن شعوب العالم تكره أميركا وتعارض فرض هيمنتها وسيطرتها على العالم.

- قد تتدخل دول أخرى بما فيها روسيا والصين، مع احتمال إشتراك بعض دول أميركا اللاتينية في تلك الحرب، وبالتالي تتعرض جميع المصالح الأميركية في تلك المنطقة للخطر الداهم.

- قد تستجد أمور وتطفو على السطح سيناريوهات تكون في غير صالح أميركا وحلفائها، وينقلب السحر على الساحر، وساعتها ستدفع الدول والشعوب في العالم ثمن تهور وغطرسة الصقور الحمقى في «البنتاغون» وفي البيت الأبيض من دون مقابل، وسيجعل من أميركا أضحوكة ومسخرة العالم.

- قد تتمكن أميركا بما تملكه من قوة عسكرية ضخمة ومتطورة، وإمكانات تكنولوجية عالية، من تدمير وتخريب الكثير من المنشآت والعمران في إيران، وبتدخل سافر من قبل الكيان الصهيوني، الذي سيكون عرضة لنيران 600 صاروخ جاهز ومعد للانطلاق في أية لحظة، ولكن لن تكون الخسائر والأضرار مساوية لحجم الخسائر المادية والبشرية التي ستتكبدها أميركا وحلفاؤها، وكذلك ستتعرض الكثير من دول العالم الأخرى لخسائر جسيمة، وستكون باهظة الثمن وأكثر مما يتصور أو يتوقع المرء، وستكون بلا جدوى ولا فائدة أيضا، ومن دون أن تحقق أميركا أهدافها وغاياتها من وراء مخططاتها ومغامراتها العدوانية الطائشة.

- قد تلجأ أميركا - عندما تخسر كل أوراقها - إلى استخدام أسلحة الدمار الشامل، وكل ما لديها من أسلحة مدمرة وفتاكة للتعويض عن هزائمها، وربما تلجأ إلى استخدام السلاح النووي - الذي سبق لفرنسا وأن هددت به - وكذلك ربما يفعل الكيان الصهيوني، وبذلك ستكون أميركا كمن ينهي عن أمر ويأتي بمثله، وهذا التهور الأخرق سيخلف كوارث على البشرية والإنسانية، وهو احتمال مستبعد من الناحية الإنسانية، وسيترددون بالمجازفة به.

لماذا كل هذه الحماقات والغطرسة والغرور ومواصلة إثارة الفتن وشن الحروب من دون الأخذ في الاعتبار ما ستخلفه وتلحقه مثل تلك الحروب، وما ستتركه من تداعيات وخراب ودمار في البنى التحتية، وفي العمران والمدنية والمكاسب الإنسانية والتقدم العلمي والحضاري. وكما ذكرنا سابقا أن لأميركا عدة تجارب في خوض غمار الحروب الفاشلة، ولكنها مع ذلك تصر وتلح على شنها والمضي قدما في إشعالها وتأجيج نارها، ضاربة بعرض الحائط بكل الكوارث والمآسي الإنسانية الناتجة من ورائها، وهي كعادتها تركب رأسها وتشمخ بأنفها، وتواصل التمادي في ارتكاب المجازر والمذابح والجرائم بحق البشرية والإنسانية جمعاء، من دون أن تراعي ذمة أو ضميرا، ومن دون أن يرق لها قلب أو يختلج لها وجدان، أو حتى يرمش لها جفن أو تطرف لها عين.

وأخيرا الكيان الصهيوني يمتلك ترسانة أسلحة نووية تهدد أمن واستقرار وسلامة منطقة الشرق الأوسط برمتها، وهو كعادته يتظاهر بأنه حمامة سلام ومهدد والأخطار تحدق به من كل جانب، ويحرض ويهوّل من خطر البرنامج النووي الإيراني الداهم الذي يهدد العالم، وأميركا وحلفاؤها يروجون للادعاءات الصهيونية ويؤكدونها، على رغم المفاوضات القائمة وتقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وذلك للتغطية وغض الطرف عن كل ما يمتلكه الكيان الغاصب من أسلحة نووية وأسلحة دمار شامل، واستخفافا بعقلية الرأي العام العالمي الذي يعرف تماما تحيز وانحياز أميركا وحلفائها، فضلا عن الكيل بمكيالين، في حين كان من المفروض أن تكون منطقة الشرق الأوسط خالية من السلاح النووي منذ زمن طويل، ولكنهم يتجاهلون كل ذلك، ويواصلون الآن فرض العقوبات والحصار الاقتصادي على إيران، والتهديد بتوجيه ضربة عسكرية لها، ويتركون الحبل على الغارب للكيان الصهيوني ليتمادى في جرائمه ومواصلة انتهاكاته الخطيرة، فأين هي حقوق الإنسان والديمقراطية والعدالة والمساواة بين الدول والشعوب التي ينادون ويتشدقون بها؟

محمد خليل الحوري

العدد 1877 - الجمعة 26 أكتوبر 2007م الموافق 14 شوال 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً