أظهرت مذكرة حكومية رفعتها دائرة الشئون القانونية إلى مجلس النواب سعي الحكومة من جديد إلى عرقلة مشروع قانون الكشف عن الذمة المالية «من أين لك هذا؟»، وذلك في الوقت الذي أحيل فيه المشروع إلى لجنة الشئون التشريعية والقانونية لإبداء وجهة نظرها في المشروع ورفع توصياتها إلى المجلس لاتخاذ قرار بشأنه. ودعت الحكومة إلى حذف عبارة «من أين لك هذا؟» الواردة في عنوان الاقتراح، وأرجعت ذلك إلى الحفاظ على حسن الصوغ، حتى لا يثير العنوان أمارات الاتهام بالنسبة للأشخاص المعنيين بأحكام القانون.
وسجلت المذكرة الحكومية جملة من الملاحظات جاءت على شكل «تحفظات» على مشروع القانون كان أبرزها ما عبرت عنه المذكرة بـ «حاجة السياسة الجنائية التي تبناها الاقتراح إلى إعادة نظر»، وأوضحت المذكرة أنه «من المقرر في الفقه الإسلامي استقلال كل من الزوجين بذمته المالية، بيد أن القانون تعامل معهما على أن ذمتهما المالية واحدة، واعتبر القانون ذلك أساسا عند تنظيمه للتجريم والعقاب ومن دون أن يضع ضابطا يفرق به بين ما آل لذمة زوج الملزم من أموال بسبب كسب الآخر غير المشروع من أعمال وظيفته، وبين أموال آلت لذمة زوج الملزم بغير هذا الطريق»، ولفت إلى أن «ذلك يثير شبهات قوية بشأن مدى تلاءم القانون مع نص المادة الثانية من الدستور، والتي تقضي بأن (كل هذه النصوص قد جاءت لتؤكد ضرورة أن تكون الشريعة الإسلامية - بمعنى الفقه الإسلامي - مصدرا رئيسياَ للتشريع، وهي التي توجه المشرع وجهة إسلامية أساسية من دون منعه من استحداث أحكام من مصادر أخرى في أمور لم يضع الفقه الإسلامي حكمها لها)».
وأشارت المذكرة إلى أن «إغفال القانون لهذه الجوانب أوقعه في عدم تلاءم واضح مع مبدأ شخصية المسئولية المقررة دستوريا طبقا لنص المادة (20) من الدستور، إذ فرض القانون على الملزم أن يفصح عن الذمة المالية لزوجه والأخير يعد من الغير، فلا تفترض مسئولية الملزم عما في ذمته من أموال، كما فرض القانون على الملزم عقوبة إن تخلف عن تقديم إقرار عن الذمة المالية في الميعاد المحدد، والذمة المالية المقصودة تشمل زوج الملزم، الأمر الذي يتصور معه عملا معاقبته حتى لو كان تخلفه عن الميعاد بسبب لا يرجع إليه، كما لو تعنت زوجه أو امتنع عن اطلاعه على عناصر ذمته المالية».
ورأت الحكومة أن «اتساع تعريف الذمة المالية بحسب ما جاء في القانون لتشمل حتى ملابس الملزم وزوجه وأولاده القصر، من شأنه أن يجعل تطبيق القانون - غالبا - ما يتسم بالتعسف وهو ما يتنافى والسياسة الجنائية الرشيدة».
وبينت المذكرة الحكومية أن «إلزام الشخص بأن يفصح عن مصادر عناصر ذمته المالية وبما فيها المنقول بمجرد تعيينه في الحكومة، وما يتضمن ذلك من عنت يجافى سياسة التشريع الجنائي، سيؤدي بالأشخاص إلى العزوف عن الانخراط في خدمة الجهاز الحكومي».
وقالت المذكرة: «إن جهاز فحص إقرارات الذمة المالية جعله القانون جهازا معاونا للنيابة العامة، على رغم كون رئاسته وعضويته لقضاة قد راكموا الكثير من الخبرة من عملهم القضائي في المحاكم العليا، ومن الناحية التنظيمية لمرفق القضاء لا يتناسب أن يترك عمل هؤلاء القضاة لإعادة فحص ودرس من أعضاء النيابة العامة».
وبخصوص عقوبة من يتخلف عن تقديم إقرار الذمة المالية في المواعيد المقررة أو أثبت في الإقرار عمدا بيانات غير صحيحة أو مضللة، أشارت المذكرة إلى عدم تناسب عقوبة الجناية مع مجرد التأخير في تقديم الإقرار، وتقوم العقوبة على السجن مدة لا تقل عن 3 سنوات أو بغرامة لا تقل عن 3 آلاف دينار ولا تزيد على 10 آلاف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين، وبحسب المذكرة، فإن ذلك يثير شبهات قوية بشأن دستورية النص، وفيما يتعلق بالتخلف عن تقديم الإقرار، فإن عدم اشتراط العمد يثير شبهات بشأن دستورية ذلك، بالنظر إلى أنه يتصور أن يكون تأخر الملزم راجعا لفعل غيره كزوجه مثلا.
وفيما تنص المادة (11) من القانون على أنه «يجوز للمحكمة أن تأمر بإدخال أي شخص في الدعوى الجنائية ترى أنه قد استفاد فائدة جدية من كسب غير مشروع، أو اشترك أو تواطأ مع الملزم على إخفاء مال متحصل من كسب غير مشروع ليكون الحكم بالرد في مواجهته نافذا في أمواله بقدر ما استفاد»، ورأت مذكرة الحكومة أن «القانون لم يقرر لهذا الشريك سوى عقوبة الرد، وجعل مقدار ما يجب رده، لا مقدار ما أخفاه الشريك، بل مقدار ما استفاد به، ولم يضع الاقتراح ضابطا يقاس به وجه الفائدة، ما يثير شبهة دستورية ومدى تلاءم ذلك مع حرمة الملكية الخاصة».
وتأتي هذه الخطوات الحكومية ليتكرر سيناريو المجلس السابق، إذ رأت الحكومة عدم الحاجة لهذا المشروع على اعتبار أن قانون العقوبات يكفي ويؤدي الغرض وهو أعم وأفضل من قانون الكشف عن الذمة المالية، أصرت عدة أطراف نيابية على ضرورة تمرير هذا القانون للتضييق على أوجه الفساد المستشري.
وقد استطاع نواب كتلتي المنبر الوطني الإسلامي والديمقراطيين وبعض النواب المستقلين في المجلس السابق إقرار مشروع القانون وتمريره إلى مجلس الشورى، فيما امتنع نواب كتلة الأصالة الإسلامية عن التصويت بالموافقة أو الرفض على مشروع القانون، في وقت غاب فيه أعضاء كتلتي الإسلاميين والمستقلين.
وفي مجلس الشورى الماضي تعرض مشروع القانون لعرقلة واسعة من الحكومة، التي أخرته إلى حين انتهاء الفصل التشريعي ليسقط مع انتهائه.
وبموجب هذا القانون، يطالب عدة أشخاص بالكشف عن ذمتهم المالية، وحددهم القانون في رؤساء وأعضاء مجلسي الشورى والنواب والمجالس البلدية، والوزراء ومن في حكمهم، والوكلاء والوكلاء المساعدون ومن في حكمهم، رؤساء وأعضاء مجالس إدارة الهيئات والمؤسسات العامة والشركات التي تمتلك فيها الدولة ما يزيد على 50 في المئة من رأس مالها.
ويقصد بالذمة المالية في القانون «مجموع ما يملكه الملزم وزوجه وأولاده القصر من أموال عقارية ومنقولة في الداخل والخارج، وتشمل الذمة المالية ما يكون للملزم أو زوجه وأولاده القصر من حقوق في ذمة الغير وما عليهم من ديون، ويطالب منهم الكشف عن الذمة المالية خلال ستين يوما من تاريخ خضوعهم لأحكام هذا القانون».
العدد 1891 - الجمعة 09 نوفمبر 2007م الموافق 28 شوال 1428هـ