أحيت جمعيتا العمل الوطني الديمقراطي (وعد) والمنبر التقدمي في حفل مشترك مساء أمس الأول (الأربعاء) في مقر جمعية المنبر بمدينة عيسى الذكرى الـ 32 للشهيدين سعيد العويناتي ومحمد غلوم وذكرى نفي قادة هيئة الاتحاد الوطني.
وفي بداية الحفل التأبيني وقف الحاضرون دقيقة حدادا على روح الشهيدين.
بعدها ألقى الأمين العام لجمعية «المنبر التقدمي» حسن مدن كلمة «وعد» و»التقدمي»، حيّا فيها ذكرى الشهيدين سعيد العويناتي ومحمد غلوم بوجيري، وقال: «نعبّر عن إجلالنا وفخرنا بشجاعتهما التي جعلتهما يهبان حياتهما قربانا لقضية شعبهما وحركته الوطنية، ونحيي أيضا تضحيات وجهود قادة هيئة الاتحاد الوطني وكل مناضلي شعبنا وحركته السياسية من مختلف الأجيال».
وأضاف «نؤكد عزمنا على الاستمرار في الطريق الطويل والصعب الذي شقه شعبنا بإرادته»، مبينا «ليست خافية الدلالة والعبرة في الاستشهاد المتزامن لهذين المناضلين على أيدي جلاوزة أمن الدولة، فلم تفرق سياط الجلادين بين مناضلي جبهة التحرير والجبهة الشعبية، ووحدت الزنازن والمعتقلات والمنافي بين رفاقنا في سنوات الجمر الطويلة».
وأضاف أن «إحياءنا المشترك لهذه المناسبة الوطنية في هذا العام والأعوام السابقة دليل ليس فقط على وحدة التاريخ النضالي لتنظيمينا، وإنما أيضا على طموحنا المشترك في وحدة الحاضر والمستقبل بما يعزز من مكانة التيار الديمقراطي ودوره في الحياة السياسية في البلاد في الظروف المتغيرة».
واعتبر مدن ربط ذكرى استشهاد غلوم والعويناتي بذكرى نفي أعضاء الهيئة أمرا في غاية الأهمية، إذ أفاد «أمرٌ مهمٌ أننا قرنّا إحياءنا ذكرى الشهيدين سعيد ومحمد بمناسبة وطنية أخرى هي ذكرى نفي قادة هيئة الاتحاد الوطني في الخمسينيات على أيدي سلطات الحماية البريطانية إلى جزيرة سنت هيلانه، وفي هذا الربط بين المناسبتين ما يؤكد المجرى التراكمي لتاريخ التضحيات الجليلة التي قدمها أبناء شعبنا في سبيل الحرية والديمقراطية والتقدم».
وأوضح «كما أننا من خلال ذلك نود تأكيد أن التنظيمات الوطنية في البحرين، بما فيها الجبهة الشعبية في البحرين وجبهة التحرير الوطني البحرانية، اللتان تجدان امتدادا لتراثهما الكفاحي في «وعد» و»التقدمي»، مثلت استمرارية النضال الوطني الديمقراطي الذي أطلقته حركة هيئة الاتحاد الوطني، ومن هذا التاريخ المفعم بالتضحيات والإرادة نستمد العزم في مواصلة كفاحنا حتى تتحقق لشعبنا أهدافه في بناء الديمقراطية الحقّة بما تتضمنه من حقوق دستورية غير منقوصة، ومن حريات عامة مضمونة بقوة القانون، ومن عدالة في توزيع الثروة والنهوض بأوضاع الجماهير الكادحة وتأمين العيش الحر الكريم لها، بحماية المال العام ووقف الفساد المالي والإداري القائم على نهب الملكية العامة ومصادرة حقوق الأجيال المقبلة من ثروة البلاد ومقدراتها».
واستغل مدن هذه المناسبة ليعرج على العلاقة بين «التقدمي» و»وعد»، مشيرا إلى أن «العلاقة خطت في الآونة الأخيرة خطوات طيبة، ومع أن الأمور لاتزال في بدايتها، لكن الإرادة متوافرة لدى أعضائنا في المضي قدما بأوجه التنسيق وتطويرها، وقد اتفقنا في آخر لقاء لقيادتي تنظيمينا على خطوات عملية للتنسيق في بعض المجالات، كما اتفقنا على توسيع دائرة الحوار والتنسيق لتشمل إخوتنا في التجمع القومي الديمقراطي، بصفتهم أحد التنظيمات الوطنية العلمانية التي تجمعنا وإياهم مشتركات كثيرة».
ومن ثم تطرق إلى التنسيق بين الجمعيات السياسية المعارضة بالقول: «إن حرصنا وسعينا لتحقيق أعلى درجة ممكنة من التنسيق بين أطراف التيار الديمقراطي لا يتناقض مع تمسكنا بالتنسيق بين جميع الجمعيات السياسية المعارضة من أجل أهدافنا المشتركة في الإصلاح السياسي والدستوري وفي تناول الملفات التي تشكل معوقات بوجه البناء الديمقراطي كالتجنيس والفساد المالي والإداري والإخلال بفكرة المواطنة المتكافئة في الحقوق والواجبات».
بعدها ألقى عضو الهيئة المركزية لـ «وعد» فؤاد سيادي كلمة في ذكرى المرحومين، قال فيها: «إننا نحيي الذكرى في كل عام، وكل عام نلاحظ شيئا جديدا، فعندما نتحدث عن الشهيد محمد لم يكن معزولا عن الشهيد العويناتي وكلاهما عاشا فترة نضال واحدة، وعندما نتحدث عنهما فإننا نتحدث عن شخصين وطنيين».
وأضاف سيادي أن «غلوم يمثل تيارا وطنيّا حرّا، فقد كان يحلم بالتغيير، لذلك حمل هذه الراية منذ بداية نضاله الطلابي، وأعتقد أن النظام عندما يقدم على اغتيال العويناتي فإن ذلك يعني من هو ذاك الشخص وما هو تقديره في وسطه وفي وطنه».
وتابع «لم يكن غلوم يبرز على السطح دائما لذلك لم يتبوأ أي منصب رسمي، فلم يكن عضو هيئة مركزية ولكن كان ضمن الهيئة التي تصيغ الأمور، وهو العنصر الفاعل في جسم الحركة الطلابية، فقد كان من العناصر البارزة التي ترسم الخط العام للعمل، وكان ممن يدعون إلى تذييل كل الصعوبات التي يواجهها العمل الطلابي، وكذلك كان الشهيد العويناتي».
واسترسل سيادي في تجميع الذكرى ليقول: «كان من صفات غلوم الأساسية أنه ليس من العناصر المثرثرة، بل كان إنسانا عمليّا يأخذ الجوانب الفكرية والثقافية، وكان يحل العديد من المشكلات والصعوبات».
تلت ذلك كلمة لرئيس الجمعية البحرينية للشفافية عبدالنبي العكري، ألقاها بالإنابة عنه رئيس الهيئة المركزية بـ «وعد» إبراهيم كمال الدين، إذ اختزل العكري كلمته في هذه المناسبة وجمعها بتاريخ الهيئة النضالي مع المستشار البريطاني بلغريف، قائلا: «إن أهم حدث وقضية تعاطى معها المستشار البريطاني بلغريف، هي قضية الاتحاد الوطني والأحداث التي ترافقت مع العدوان الثلاثي ضد مصر، والتي استغلها الإنجليز وبلغريف بالذات للإجهاز على هيئة الاتحاد الوطني، ونفي أو سجن قادتها، وبذلك أحبط بلغريف فرصة نادرة لتوافق شعب البحرين والحكم على إدخال إصلاحات في البلاد وتأكيد شرعية الحكم والسير بالبلاد نحو الاستقلال، وهو ما نجحت فيه الشقيقة الكويت في ظل أميرها الراحل الشيخ عبدالله السالم الصباح».
وأضاف «ما يهمنا هو موقف بلغريف من المعارضة السياسية، ومن هيئة الاتحاد الوطني بشكل خاص، وسلوكه تجاهها على امتداد ثلاث السنوات من 1954 إلى 1956، والتي انتهت بالمحكمة الشهيرة التي نظمها بلغريف في البديع وأصدرت الأحكام النافذة المبرمة على قادة الهيئة بالنفي للثلاثة، وهم عبدالعزيز الشملان وعبدالرحمن الباكر وعبدعلي العليوات، وسجن اثنين هما إبراهيم فخرو وإبراهيم موسى».
وذكر «لا يتورع بلغريف أن يصف قادة الهيئة بأنهم مجموعة من الفاشلين غير الكفوئين الطامعين إلى الزعامة، ووصف عبدالعزيز الشملان بأنه ابن عبد رقيق سبق أن نفي أبوه إلى الهند في العشرينيات في حركة تمرد، ووصف عبدالرحمن الباكر بأنه تاجر فاشل، ترك بلده قطر ليبحث عن زعامة في البحرين، وقال عن عبدعلي العليوات إنه من أصل قطيفي، أما علي كمال الدين فهو من أصل عراقي».
وتابع العكري في كلمته: «إن أهم عوامل انبثاق الهيئة عامل التصدي من رجالات البحرين الوطنيين الواعين للأحداث الطائفية المؤسفة خلال 1953، لكن بلغريف من خلال يومياته غير المنشورة يتبنى مخاوف الحاكم من خطورة التقاء السُّنة والشيعة، وقد اتبع بلغريف السياسة البريطانية فرق تسد، في التعامل مع أية قضية أو خلاف بانفراد مع قيادات الطائفتين... لقد سعت الهيئة إلى عقلنة الحكم وتأمين المشاركة الشعبية من خلال مجلس تشريعي منتخب وإصلاحات تشريعية وقضائية والسماح بإنشاء نقابات عمالية، وانتخاب المجلس البلدي ومجلس الصحة، ففي رسالة من قبل الهيئة التنفيذية لهيئة الاتحاد الوطني إلى الحاكم في 9 فبراير/ شباط للعام 1955 تذكره فيها بمسئولياته تجاه البلاد، وتذكره بالمطالب التي قدمها له في رسالة سابقة بتاريخ 28 أكتوبر/ تشرين الأول للعام 1954، وهي: إنشاء مجلس تشريعي ينتخب الشعب أعضاءه، تقنين الأحكام الجنائية والمدنية، السماح بإنشاء نقابات عمالية، إنشاء محكمة استئناف عليا».
وقال: «شهد فجر 5 نوفمبر/ تشرين الثاني للعام 1956 حملة القضاء على الهيئة، إذ اعتقلت قياداتها وكوادرها بقيادة بلغريف ذاته.
ولعب بلغريف دور المدعي العام في المحكمة الصورية لقيادة الهيئة في محكمة ميدانية في البديع يومي 21 و22 نوفمبر 1956 بحسب بلغريف (22 - 23 ديسمبر 1956) بحسب الباكر، وصدرت الأحكام الجائرة بالنفي والسجن ضد قادة الهيئة، وصدّق بلغريف قرار المحكمة باعتباره مستشار الحاكم ومفوض عنه.
وبلغريف هو الذي نسق مع الحكومة البريطانية من خلال المقيم السياسي والمعتمد السياسي لنفي قادة الهيئة الثلاثة: عبدالعزيز الشملان، عبدالرحمن الباكر، وعبدعلي العليوات، إلى جزيرة سانت هيلانه النائية في شمال المحيط الأطلسي، لقضاء محكوميتهم بالسجن مدة 14 عاما، وهي الجزيرة التي نفي إليها نابليون وسجن فيها حتى موته مسموما.
وانتهى العكري بالقول: «كشفت المحاكمة اللاحقة من قبل محكمة بريطانية للقادة الثلاثة عن وجود ترتيبات للنفي سابقا للاضطرابات، وقد حكمت المحكمة البريطانية في شهر يوليو/ تموز للعام 1961 بعد 4 سنوات ونصف السنة ببطلان محكمة بلغريف الصورية وبطلان النفي وضلوع بريطانيا في ذلك، وأمرت بإطلاق سراحهم كما حكمت المحكمة الصورية بالسجن 10 سنوات للقائدين إبراهيم فخرو وإبراهيم موسى. قضوها في جزيرة جده، كما أجبرت علي كمال الدين على الذهاب إلى المنفى في العراق حيث استقر في النجف الأشرف حتى عودته بعد الاستقلال في 1971. عهد بلغريف في مذكراته العلنية إلى عدم ذكر أي اسم من أسماء قيادة الهيئة إمعانا في احتقارهم والاستخفاف بهم»
العدد 2282 - الخميس 04 ديسمبر 2008م الموافق 05 ذي الحجة 1429هـ