العدد 1997 - السبت 23 فبراير 2008م الموافق 15 صفر 1429هـ

يوتيوب... الكاميرا الفضيحة

نصف الحقوقيين الذين تدربوا على التصوير بالفيديو في البحرين موقوفون الآن...!

لم يعلم الذين شاركوا في الورشة التدريبية عن كيفية استخدام التصوير بالفيديو في الدفاع عن حقوق الإنسان التي عقدت في البحرين مطلع ديسمبر/ كانون الاول 2007، بمآلاتهم آخر الشهر. ولم يعلم نصفهم على الأقل، أن الكاميرات التي حصلوا عليها كإهداء من المؤسسة الأميركية التي أعدت برنامج تدريبهم ستكون لعنة عليهم. لم يتوقعوا، - وليسوا ملامين على ذلك - أن لا ينتهي ديسمبر حتى يتحولوا لـ «موقوفين» بتهم المشاركة في حوادث ديسمبر من العام نفسه. أيام فقط هي التي كانت تفصل بين درس التدريب ودروس غرفة التوقيف. من كان يستطيع منهم، أن يدرك ما قد تفعله «الكاميرا»!

«إذا كنت أقل من 13 عاما، من فضلك لا تزر موقع يوتيوب، الموقع يرحب بالشباب من سن 13 إلى 17 عاما إذا كان مسموح لهم من قبل أحد الوالدين أو الوصي».

مدونة يوتيوب

ولو تجاوزنا ذلك على أن يكون من باب الصدفة فقط لا التعمد، فقد مر ديسمبر 2007 بأوجاعه، مر بفقيد أسِفَ الجميع على عمره القصير، وبموقوفين لا زالت محاكماتهم أمام القضاء، وأخيرا، مر بجدل سياسي محتدم. وعلى رغم مضي هذا الشهر دون أن يخرج المجتمع البحريني بمؤسساته وأطيافه بتفسير أو حل واضح لما جرى، فلقد مر أيضا تاركا له أثرا في ذاكراة البحرينيين كافة، صحيح أن ذاكرة الناس قد تضعف وتضمحل، ولكن، ماذا يفعل من تورط في ذاكرة «الكاميرا» على مرأى من العالم كله.

سنحاول في هذا الملف أن نستعرض أداة من أدوات اللعب الجديدة في السياسة، هذه الأداة رغم حداثتها، استطاعت أن تخلق وتنتج منطقة جديدة في التفاعل السياسي بين أطراف الصراع في البحرين. يصورها المعارضون والفاعلون في جماعات الدفاع عن حقوق الإنسان بأداة «التوثيق» لما جرى من انتهاكات. ويصورها آخرون بـ أداة «التأكيد والتدليل عن عبثية المتورطين في الحوادث»، سيحدد اتجاه ظهرك في التصوير موقفك في التوثيق، تستطيع أن تدير ظهرك للمتظاهرين فيكون المشهد لرجال الأمن يلقون «مسيلات الدموع» ويضربون أحدهم، وتستطيع أيضا، أن تدير ظهرك لرجال الأمن فتكون زاوية التصوير صوب المتظاهرين يمسكون بـ «المولوتوف» ويحرقون حاويات القمامة.

في «يوتيوب» كلٌ يغني على ليلاه، فالموقع لا يفرق بين حكومة ومعارضة، أو بين زاوية تصوير وأخرى. وحدها «عدد مرات المشاهدة» من جعلت خيارات المتصفح عن كلمة «البحرين» في هذا الموقع محصورة في متابعة «كليبات» زوايا المعارضة الجادة والهزلية على حد سواء.

توثيق ديسمبر ... من أنجز المهمة؟

في السابق، اعتاد متصفحو المواقع والمنتديات المحظورة في البحرين على الصورة المرفقة مع الموضوعات والأخبار النصية، وكانت الصورة الناطقة على رغم قواعد لعبة توظيفها الصعبة أداة من أدوات صناعة المعنى المستتر تارة والمفروض فرضا في النص تارة أخرى. أما في حوادث ديسمبر، فكانت البطولة في المواقع لضيف جديد أكثر قوة وتأثيرا، وهي روابط الأفلام والكليبات على موقع «اليوتيوب».

في ديسمبر، كانت مجموعات العمل الإنترنتي في طرفي الصراع تسعى لصناعة حقائقها التي تؤمن بها، وطبقا لما ذهبت له نتائج البحث التي شاهدناها، فإن الغلبة هذه المرة، كانت للمعارضة عبر سيطرتها على مجموع نتائج البحث في الصفحة الأولى من الموقع قبالة كليب يتيم مستقطع من تلفزيون البحرين يعرض إصابة لأحد رجال الأمن وهو يتلقى العلاج في المستشفى.

لا يقل الصراع السياسي الذي خاضه الطرفان في الإنترنت عن ذلك الذي حدثت فصوله تحت قبة المجلس النيابي أو صفحات الصحف، وإذا كانت الدولة فيما مضى كانت تكتفي بإغلاق ما يزعجها من مواقع ومنتديات الكترونية (بحرين أونلاين/ مواقع الجمعيات السياسية/ مواقع الجمعيات والمراكز الحقوقية) فإنها اليوم تلعب في مسرح الصراع الإنترنتي وتشترك فيه بشكل مباشر، وهناك اطراف تشير إلى شبكة متخصصة مهمتها الرد على ما تنشره المعارضة من مقالات وأراء في جميع المواقع الإلكترونية الإخبارية منها والجماهيرية على حد سواء.

إحدى دلالات هذا الدخول الحكومي على اللعبة السياسية الإنترنتية هي حرب التصويت على شخصية العام في موقع إحدى الصحف الكويتية إذ إنشغل رواد الإنترنت في مسابقة تصويت إلكترونية لإختيار الشخصية البحرينية الأولى بين وجه حكومي وآخر من المعارضة، وعمدت الحكومة أيضا إلى إفتتاح مواقع ومنتديات سياسية لضرب مواقع المعارضة ومنتدياتها ثانيا، وأخيرا، الدخول في المواقع الإخبارية (العربية نت) (الجزيرة نت) وصولا لعرض أفلام «اليوتيوب» التي مثلت نقطة صراع ساخنة في حوادث ديسمبر الأخيرة.

جماعات حقوق الإنسان، خصوصا المحظورة منها استبقت الدولة في السيطرة والدعم والتدريب لكوادرها في توظيف هذه الأداة الإعلامية الجديدة لمصالحها، وهو ما جعلها أكثر قدرة وديناميكية على صناعة صورة محددة وواضحة المعالم لحوادث ديسمبر وفق ما تريد، وقبالة هذه الصورة كانت بعض الأطياف الإنترنتية في الطرف ال

الآخر من المعادلة تسعى لصناعة صورة مقابلة إلا أن الغلبة ومساعدة بعض المؤسسات الأميركية والغربية المدافعة عن حقوق الإنسان والتي أتاحت للمعارضة صفحات خاصة لمراقبة حقوق الإنسان في البحرين، مكنت المعارضة من الظفر بهذه الجولة على الأقل دون ان يكون للطرف الآخر أي حضور.

المعارضة وورقة «فدائيو صدام»

لقد حملت الأفلام المعروضة في الموقع الأميركي «يوتيوب» والذي يزوره أكثر من 100 مليون متصفح شهريا ملامح الصراع السياسي في ديسمبر بين الحكومة والمعارضة كاملا، وفيما كانت عناوين أفلام وكليبات المعارضة تركز على تعرض بعض رجال الأمن للنساء والأطفال بالضرب والإستخدام المفرط للعنف مع المتظاهرين والموقوفين وتكسير أثاث بيوتهم، كانت الأفلام المقابلة تتحدث عن همجية المتظاهرين وعنفهم مع رجال الأمن وحملهم للأدوات الحادة والعصي والملوتوفات وإلقاءها على رجال الأمن.

المتتبع للأفلام التي عرضت عن حوادث ديسمبر الماضي مع إدراكه ومطالعته لمجمل الحوداث في الشارع، يستطيع أن يلاحظ الدلالات التي كانت تستتر خلف زوايا التصوير التي تم التصوير منها، يستطيع أيضا، أن يدرك ملامح لعبة «العنونة» للكليبات التي غالبا ما تهدف لإجبار المشاهد للإنحياز تجاه زاوية محددة من التأويل والتفاعل مع ما يحتويه الكليب من المشاهد.

لقد كان واضحا، مستوى حرفية التصوير وتتابع الكليبات المصورة سواء في موقع «يوتيوب» أو في بعض المواقع الأخرى خصوصا الحقوقية منها، وإذا ما أردنا الإنتهاء لمحصلة واضحة، فإن أي متابع لموقع «اليوتيوب» سينتهي لتغليب تفسير المعارضة ورأيها فيما شهده ديسمبر من أحداث، وبالإضافة إلى ذلك، فإن المواقع الحقوقية والبيانات التي أصدرتها العديد من المنظمات الحقوقية خصوصا ifex فقد إحتوت نصوص تلك البيانات على روابط إلكترونية لموقع «اليوتيوب» وهو ما يؤكد ما ذهبنا إليه حول نجاح رهان بعض اطياف المعارضة في صناعة رؤية دولية مكتملة عن حوادث ديسمبر خارج أجهزة التلفزة أو الصحافة الرسمية أو الخاصة، وهو ما نجحت فيه بالفعل.

وفي هذا السياق تحديدا، كانت الورقة الاقوى والأخيرة للمعارضة من بين جميع الأفلام التي قامت بتصويرها وبثها على الشبكة الإلكترونية، هو ذلك «الكليب» الذي قام بعرض مقاطع تسجيلية لبعض المدنيين المسلحين على إعتبار أنهم من مجموعات مستوردة من العراق كانت تعمل فيما كان يعرف بـ «فدائيو صدام»، وهو ما تناقلته وتفاعلت معه وسائل الإعلام العالمية، وهو أيضا، ما أدى إلى أن تقوم وزارة الداخلية البحرينية بإصدار تصريح رسمي عبر وكالة أنباء البحرين ينفي أي وحود لفدائيي صدام في البحرين وليؤكد أن المدنيين كانوا عسكريين تطوعوا للخدمة في ضبط الإضطرابات.

بعض التسريبات الصحافية أشارت إلى أن رسائل إستفسار وطلب توضيح قد خرجت بالفعل من بعض السفارات الأجنبية في البحرين تطالب الحكومة بتوضيح حقيقة مثل هذا الإدعاء بوجود لفدائيي صدام في البحرين، وهو ما يؤكد مرة أخرى، التأثير الكبير الذي لعبته هذه الأفلام خلال تلك الأزمة.

في المحصلة، استطاعت بعض أطياف المعارضة أن تجعل من هذه الوسيلة الإعلامية وسيلة لبيان كفرها بما هو موجود من أدوات الحوار الداخلي من جهة، وجهازا لتسويق ما جرى في ديسمبر بوصفه انحرافا عن المسيرة الإصلاحية من جهة أخرى، وهو أيضا ما عجز الطرف الأخر عن رده وفق ما يؤمن به من تفسيرات مغايرة تعتبر ما جرى خروجا على القانون، وعلى انظمة الدولة، وعلى الوسائل المتاحة للتعبير.

حقوق الإنسان وسلطة «اليوتيوب»

لقد مثل هذا الموقع الذي تنامى في فترة وجيزة تأكيدا مباشرا لذلك التأسيس السياسي الذي اعتبر المؤسسات المدنية سلطة خامسة تضاف للسلطات الأربع، كما فرض على الساحة السياسية قواعد لعب جديدة يبدو أنه من الصعب الإمساك بها والسيطرة عليها.

وبحرينيا، كما كانت سياسيات منع المواقع السياسية والمنتديات الإلكترونية الجماعيرية سياسيات عديمة الجدوى فإن ما سيكون عليه التعامل الحكومي مع «اليوتيوب» وهو على الأغلب «المنع»، سيكون تأكيدا لضعف الدولة في التواجد والتأثير داخل هذا المسرح السياسي المفتوح والمعقد الذي لا تحركه قوى واضحة المعالم بل كائنات إنترنتية هلامية يصعب الكشف عنها فضلا عن القضاء عليها.

أما الجديد في «اليوتيوب» إن صح التعبير، فهو إطلاقه لحق المؤسسات المدنية في الرقابة على الحكومة وأجهزتها الأمنية، فبعد أن كانت الأجهزة المعنية هي من تسيطر على تحديد زوايا التصوير في الكاميرا وعرض الحقيقة التي تريدها من هذه الزوايا، إذ تمثل كاميرا رجل الأمن بعبعا للمتظاهرين، أصبح رجال الأمن في ديسمبر الماضي هم الطرف الذي يخشاها، ويحذر منها. ببساطة، لقد كسرت المعارضة احتكار الدولة للصورة دون ان تحتاج للخروج بقناة فضائية سواء داخل البحرين او خارجها، كانت ادوات المعارضة في ذلك، مجرد كاميرا وكمبيوتر متصل بشبكة الإنترت.

إن هذا التموضع الجديد لطرفي الصراع والذي أصبح ينقل احداث الصراع على الهواء مباشرة، هو نتيجة من نتائج هذا الإنتاج العولمي الكبير «الانترنت» الذي أتاح تغيير مواقع القوة والضعف، وفرض على الطرفين مقومات جديدة في إدارة الصراع السياسي على الأرض.

عندما اختير موقع «يوتيوب» من قبل مجلة «تايم» الأميركية ليكون أهم «اختراع» لعام 2006، عللت المجلة هذا الاختيار لـ «دوره في إعطاء الفرصة لزواره مجانا لإنتاج وعرض مواد فيلمية على الموقع الإلكتروني». وقالت مجلة تايم «إن اختيار الموقع الاكتروني يعكس أهمية الدور الذي يلعبه الانترنت في صياغة موازين القوى في الإعلام سواء عن طريق المدونات أو صور الفيديو أو منتديات الحوار عبر الانترنت».

يدرك الجميع تلك الأدوار التي لعبتها ولا تزال تلعبها المواقع الإلكترونية والمنتديات الحوارية في البحرين، ولا يحفى على أحد أيضا، أن تأثير «الصورة السينمائية» يتفوق على تأثير النص، فلا أصدق من الصورة، وهذه الميزة للصورة هي من إستطاعت تأثيث ردود الفعل وزوايا التغطية في الفضائيات والمواقع الإخبارية الدولية.

العدد 1997 - السبت 23 فبراير 2008م الموافق 15 صفر 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً