دعا أعضاء في مجلس النواب شركة «ممتلكات البحرين القابضة» (ممتلكات) إلى كشف المسئولين الحكوميين الكبار المتورطين في قضية عملية الفساد الضخمة التي ضربت شركة ألمنيوم البحرين (ألبا) وأدت إلى سرقة نحو مليار دولار على مدى 15 عاما، وذلك من خلال اتفاق بين مسئول في الحكومة وشركة «ألكوا» الأميركية بزيادة سعر الألومينا الذي تشتريه ألبا ومن ثم تحويل تلك الزيادات الى حسابات خاصة.
وتقع «ألبا» حاليا تحت مظلة شركة «ممتلكات البحرين القابضة» (ممتلكات) التي تم تأسيسها للإشراف على الشركات المملوكة للحكومة، بينما كانت في الماضي تقع تحت إشراف وزارة النفط التي تم إلغاؤها قبل 3 سنوات واستبدالها بتشكيل وزاري آخر.
وازدادت الأسئلة بشأن الجرأة البحرينية التي وصلت الى تسجيل القضية في محكمة في بيتسبرغ في بنسلفانيا (الولايات المتحدة الأميركية) ضد أكبر شركة ألمنيوم في العالم (ألكوا) المتهمة بعدة تهم من بينها «الرشوة» وزيادة سعر الألومينا واستخدام وسيط دولي، وشركات سرية ربما في سنغافورة وسويسرا، وجزيرة غيرنسي.
وقد أنكرت «ألكوا» التهم وقال مسئولوها إنهم لا يعلمون شيئا عن الاتهامات البحرينية، ولكن ذلك لم يوقف توجه الأنظار في كل أنحاء العالم الى هذه القضية الكبيرة، والأولى من نوعها التي تخرج من البحرين ضد شركة عالمية، وتكمن الأضرار المستقبلية في تشويه سمعة «ألكوا» التي سعت كثيرا الى دخول اسواق الشرق الأوسط وخصوصا بعد إعلان عدة دول خليجية عزمها انشاء مصاهر ألمنيوم، جميعها ستحتاج الى مادة الألومينا التي تقول «ألبا» ان الشركة الاميركية زادت سعرها الى مستويات وهمية واستخدمت تلك الزيادة رشا. عضو كتلة «الوفاق» عضو اللجنة المالية والاقتصادية في مجلس النواب النائب محمد جميل الجمري قال لـ «مال وأعمال»: «ندرك أن المبلغ الكبير مثل الذي تم اختلاسه من ألبا لا يمكن أن يكون أن مسئولا من الدرجة الثالثة أو حتى الدرجة الثانية أن يتلاعب به», مشيرا إلى أن «المسئول عن ذلك قد يكون أحد المسئولين الكبار الذين يحتلون الدرجة الأولى». في إشارة واضحة إلى أحد أعضاء مجلس الإدارات التي تعاقبت على تسيير دفة الشركة في الفترة التي حدثت فيها الاختلاسات.
وبين أن القضية سيتم طرحها في اجتماع للجنة المالية التابعة إلى البرلمان والمقرر أن يعقد يوم غد (الاثنين) للتشاور، كما سيتم بحث القضية مع مسئولين في شركة «ألبا» للوقوف على آخر التطورات قبل اتخاذ أية إجراءات. لكنه ذكر «سنطلب من الجهات المعنية إطلاعنا على مجريات الأمور، ونأمل أن تكون هناك شفافية واضحة وألا تتم التغطية على أي مسئول مهما كبر منصبه، وأن تشمل المحاسبة كل من له صلة بقضية الفساد كخطوة متقدمة للحفاظ على المال العام».
وأضاف «نتمنى أن توجه التهمة إلى أشخاص محددين، وأن يتم العمل على إرجاع ما تم الاستيلاء عليه بطرق غير قانونية». من جهتها، دعت العضو في كتلة المستقبل، عضو اللجنة المالية والاقتصادية في مجلس النواب لطيفة القعود الجهات المعنية إلى الكشف عن المتهمين في القضية, وقالت: «من المهم أن يتم الإفصاح عن الضالعين في عملية الفساد بشركة ألبا».
وأضافت في حديث إلى «مال وأعمال» بشأن الدعوى التي رفعتها «ألبا» ضد الشركة الأميركية العملاقة «ألكوا» تتهمها بالرشا والاحتيال: «نحن مع محاربة أية بؤرة من بؤر الفساد، ومحاسبة كل مسئول يتلاعب بالمال العام, لأن مقدرات الوطن خط أحمر».
وردَّت على سؤال بشأن موقف مجلس النواب من القضية, فذكرت القعود أن ذلك يحتاج إلى بعض الوقت لجمع المعلومات الكافية والتعرف عن كثب على القضية، ومن ثم التنسيق بين الكتل البرلمانية واتخاذ الخطوات المناسبة والكفيلة ردع الفساد، مؤكدة أن شركة «ألبا» بحاجة إلى محاربة الفساد لتنتقل إلى الربحية، مشيرة إلى أن التلاعب يؤدي إلى خسائر مالية كبيرة.
أما عضو كتلة الأصالة عيسى أبوالفتح، فقد أفاد «نحن مع محاسبة المسئولين الذين تسببوا في تبديد المال العام وثروة الوطن»، مؤكدا أهمية الشفافية التي تعد أحد مرتكزات المشروع الإصلاحي الذي يقوده جلالة الملك. وأضاف «لا يمكن لأي مسئول متورط أن يتهرب من القضية... هناك أجهزة رسمية في كل الدول تكشف تدفق الأموال والتحويلات والحسابات».
ومن ضمن التهم الموجهة إلى شركة «ألكوا» تقديم رشا إلى مسئول حكومي كبير, في إشارة إلى أحد الرؤساء الذي كان يسير أعمال الشركة, بالإضافة إلى الاحتيال, بهدف إرساء الصفقات بأسعار أعلى من أسعار السوق، بحسب ما ذكرته الصحف الأميركية.
وقالت «ألبا» في دعواها ضد «ألكوا» إن الشركة الأميركية كانت تزيد أسعار الألومينا بنحو 65 مليون دولار سنويّا عن السعر الحقيقي ولمدة 15 عاما من 1993 إلى 2007، ما يعني أن «ألبا» خسرت مليار دولار خلال هذه السنوات وهو المبلغ الذي تطالب به.
وأوضحت الدعوى المرفوعة من «ألبا» أن شركة «ألكوا», ومنذ العام 1990, خصصت عقود التزويد لمجموعة من الشركات التي أسسها فكتور داهدله، وهو رجل أعمال كندي من أصل أردني وشريك لـ «ألكوا»، كطريقة سرية لدفع رشا وعملات غير قانونية كجزء من إطار لغش «ألبا». كما قالت «ألبا» أن أحد مسئولي «ألكوا» الكبار، وهو «وليام رايس» متورط في القضية.
وقال محللون إن لجوء «ألبا» إلى المحكمة الأميركية في بنسلفانيا بشأن التهم الموجهة إلى شركة «ألكوا», وهي أكبر منتج ومصنع للألمنيوم في الولايات المتحدة، يمثل نقطة تحول في سياسة شركة «ألبا» خصوصا والبحرين عموما لتكون أكثر شفافية بهدف القضاء على الفساد، وخصوصا أن مجلس التنمية الاقتصادية الذي يرأسه ولي العهد صاحب السمو الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة وعد بتنظيف الاقتصاد من شبهات الفساد، والمجلس يشرف على الشركات الكبرى منذ منتصف العام 2005.
وشركة «ألكوا» الأميركية هي أكبر منتج في العالم للألومينا وثالث أكبر منتج للألمنيوم، وكانت تزود شركة ألمنيوم البحرين (ألبا) بمادة الألومينا, وهي المادة الرئيسية المستخدمة في صناعة الألمنيوم، منذ تأسيس الشركة في العام 1971. وأبلغ محلل اقتصادي «مال وأعمال» أن الخطوة التي قامت بها «ألبا» «شجاعة وتمثل بحق تغيرا جذريّا في السياسة التي كانت تتبعها الشركة في السابق بشأن مفهوم التعامل مع الشركات الكبرى ومن ضمنها الكوا الأميركية».
وأضاف «إن هذه الخطوة ستعزز من صدقية الشركة وخصوصا بعد المشاكل التي مرت بها و من ضمنها تهم موجهة إلى بعض المسئولين بالتلاعب والاحتيال, وأنها جاءت في وقت تحتاج الشركات في المنطقة, ومن ضمنها ألبا, إلى مزيد من الشفافية للقضاء على الفساد المستشري».
و»ألبا» مملوكة بنسبة 77 في المئة للحكومة البحرينية و20 في المئة للمملكة العربية السعودية و3 في المئة للمجموعة الألمانية «بريتونز انفستمنتس». وتنتج «ألبا» نحو 840 ألف طن في السنة. وتعمل على زيادة الطاقة الإنتاجية إلى أكثر من مليون طن سنويّا, ولكن هذا يعتمد على توافر كميات الغاز اللازمة وتوافر المادة الخام (الألومنيا). ووفقا لتقرير صحيفة «وول ستريت غورنال»، أن نحو ملياري دولار من المدفوعات من ألبا مقابل مادة الألومنيا كانت تذهب إلى شركات صغيرة, وفقا لسجلات المصارف والفواتير... وبعض هذه الأموال كانت تعود في شكل مدفوعات رشا إلى مسئولين حكوميين في البحرين».
وتظهر سجلات المصارف وفواتير المشتريات أن جزءا من هذه المبالغ كانت تحول من هذه الشركات الوهمية إلى حسابات المسئولين البحرينيين المشرفين على توقيع العقود مع الشركة الأميركية، في حين يذهب الجزء الآخر إلى واحد أو أكثر من المسئولين الكبار في الحكومة البحرينية. وكانت شركة «ألكوا» قدمت في العام 2003 عرضا إلى حكومة البحرين لتملك حصة نسبتها 26 في المئة من «ألبا» بقيمة 600 مليون دولار. وتضمن عرض «ألكوا» في المقابل تمليك حكومة البحرين حصة في أصول تكرير أكسيد الالمنيوم من معامل التكرير التابعة لها مقدارها طن سنويّا, على أن تبدأ بالوفاء بالتزاماتها تجاه حصتها في «ألبا» والبالغة 26 في المئة.
كما تقدم التزاما آخر لحكومة البحرين تقوم بموجبه بتوقيع اتفاقية طويلة الأجل لتزويد «ألبا» بكميات إضافية من الألومنيا تتجاوز ملكية «ألكوا» والبالغة مليون طن سنويا.
وهدفت البحرين إلى ضمان استيراد مادة الألومنيا من شركة «ألكوا» لمدة طويلة غير أن الصفقة فشلت في 2004.
العدد 2004 - السبت 01 مارس 2008م الموافق 22 صفر 1429هـ