العدد 2012 - الأحد 09 مارس 2008م الموافق 01 ربيع الاول 1429هـ

ظاهرة التضخم في الخليج ليست مفاجئة وحلها بيد الحكومات

صدر عن البيت العالمي – البحرين (غلوبل هاوس) التقرير الاقتصادي لشهر مارس/ آذار 2008 بعنوان: «التضخم في دول الخليج العربية... الظاهرة ليست مفاجئة وحلها بيد الحكومات» ويخلص التقرير بعد توصيفه ظاهرة التضخم التي وصلت إلى نسب ليست مسبوقة في بلدان الخليج العربية وشكلت مأزقا لصانعي السياسة في المنطقة الخليجية، على رغم المعالجات السريعة التي هيء للمسئولين الاقتصاديين أنها الحل الأمثل أو أنها ستحد من أثر الظاهرة التي في تغول مستمر ... خلص التقرير إلى أن الحل مازال بيد الحكومات على أن يكون بطريقة علمية مدروسة آخذة بنظر الاعتبار الدوافع أيا تكن طبيعتها وسواء أكانت محلية أم خارجية. ويرى البيت العالمي في التقرير: أن ظاهرة التضخم ليست مؤقته بل ستطول لفترات زمنية طويلة وعلى مواطني دول الخليج العربية التعايش معها ما استطاعوا إلى ذلك. وأن هنالك دوافع محلية وأخرى خارجية تسببت في هذه الظاهرة. كما أن الظاهرة لم تكن مفاجئة بل كان يعلم المسئولون بقدومها. أما الدوافع المحلية، فهي أربعة ويأتي في رأسها أولا، كلفة الإيجار (السكن)؛ لقد زادت الكلفة في بعض هذه الدول لتصل إلى 30 في المئة. وثانيا، التدفقات النقدية الكبيرة نتيجة ارتفاع أسعار النفط. وثالثا، الإنفاق الحكومي المتزايد. ورابعا وأخيرا، رفع المرتبات بطريقة غير مدروسة.

أما الدوافع الخارجية فتتمثل أولا، في ربط عملات بلدان الخليج العربية بالدولار الأميركي المتراجع. وثانيا وكنتيجة، اضطرار المصارف المركزية في هذه البلدان إلى خفض أسعار فوائدها مواكبا مع قرارات المصرف المركزي الأميركي. ويرى البيت العالمي – البحرين أن أفضل الطرق للحد من التضخم في ظل أسعار الصرف الحالية هي أولا، الانفتاح والمرونة في أسواق السلع والعمل على توسيع طاقتها الاستيعابية. ثانيا، بيع السندات الحكومية لامتصاص السيولة. ثالثا، تشديد القيود على زيادة إيجارات المساكن. رابعا، فرض قيود على الأسعار عموما. ومن المهم أيضا التحول إلى سلة عملات كما فعلت بعض الدول الخليجية (كدولة الكويت التي تستحق التنويه بها في هذا الجانب ولاسيما تدقيقها الصارم في الآونة الأخيرة على أسعار المواد الغذائية).

لكن أهم الحلول وهو بيد الحكومات الخليجية، يقول التقرير؛ إيجاد حل لقضية ارتباط عملاتها بالدولار الأميركي عبر أحد خيارين. الأول، من خلال إعادة تقييم عملاتها أمام الدولار الأميركي. الثاني، إتمام مشروع الوحدة النقدية الخليجية (والذي طرح أكثر من مرة لكن لم يتم التوافق عليه) وهو ما نعتبره العلاج الأنجع والبلسم الشافي لمثل هذا الداء. إنه يتعين على حكومات السعودية والبحرين وقطر الإمارات، أن تقرر ما إذا كانت ستستمر في خططها لإنشاء وحدة مالية بحلول العام 2010 أم أنها تريد التأجيل؟. متبعة في ذلك نهج سلطنة عمان الذي اتخذته في نهاية العام 2006 وتمثل في الانسحاب من المشروع برمته.

معدل التضخم

قُدر متوسط معدل التضخم في دول الخليج مجتمعة العام الماضي بـ9 في المئة، إذ سجلت البحرين النسبة الأقل بنحو 3 في المئة ومتوقع أن يزداد العام الجاري إلى 3,8 في المئة، والكويت أعلاها بواقع 14في المئة والذي سيراوح مكانه على الغالبية هذا العام، في حين بلغ في السعودية 6,5في المئة وهو أعلى مستوى منذ 16 عاما، مع إمكانية صعوده طفيفا إلى 6,8 في المئة في 2008.

ووصل متوسط التضخم في سلطنة عَُمان إلى 6,5 في المئة وهو مرشح للزيادة إلى 7 في المئة، وفي قطر نحو 13,73 في المئة وقد يرتفع إلى 15 في المئة العام الجاري، أما الإمارات فقد بلغ متوسط التضخم في 2007 نحو 9,8 في المئة وسيصل إلى 10 في المئة هذا العام.

في السياق نفسه، كشف التقرير السنوي لاتحاد غرف دول مجلس التعاون للعام 2007 أن اقتصادات دول المنطقة تواجه 3 تحديات رئيسية تؤثر في النمو الاقتصادي وهي على التوالي: ارتفاع الأسعار، والبطالة، وعدم التنويع الاقتصادي.

إن الإدارة السديدة لاحتياطات الصرف الأجنبي تعدُ أيضا موضوعا ذا صلة؛ فالدول المصدرة للبترول في المنطقة مازالت على نهجها القديم في شراء الصكوك المالية في الولايات المتحدة وفي شراء صناديق الحماية بالدولار خارج الولايات المتحدة.

الحالة ستطول بضمنها ارتفاع سعر الغذاء

وذكر التقرير أنه يعتقد بعكس ما يقال ويُتداول في بعض الدوائر المسئولة، أن «ظاهرة» التضخم في دول المنطقة غير مؤقتة ما يعني أن التدابير التي تتخذها دول الخليج لمحاربتها كزيادة دعم السلع، ورفع الرواتب، ووضع قيود على معدلات رفع الإيجارات، هي تدابير غير مجدية؛ بل ربما ستزيد من الطلب الاستهلاكي والخدمات ما سيؤدي بالنتيجة إلى رفع معدلات التضخم بطريقة غير مباشرة.

وسيصاحب ذلك كله ارتفاع في أسعار الأغذية بنسب متفاوتة؛ فإذا درسنا سعر القمح سنجده زاد في نهاية العام الماضي2007 إلى نحو 480 دولارا للطن بعد أن كان 200 دولار في مايو/ أيار 2006، ونحو 400 دولار في سبتمبر/ أيلول 2007، وهذه الزيادة هي الأعلى منذ بُدء تسجيل أسعار هذا المحصول.

أما الذرة فقد ارتفع سعره هو الآخر بمعدل 50 في المئة عن مستواه في العام 2005، كما ارتفعت أسعار الأرز بنسبة كبيرة. ويتوقع المعهد الدولي لأبحاث الغذاء أن ترتفع أسعار الحبوب ما بين 10 في المئة إلى 20 في المئة حتى العام 2015. وذهبت منظمة الأغذية والزراعة التابعة إلى الأمم المتحدة إلى أن الزيادة في الأسعار ستكون أعلى من ذلك بكثير من دون أن تحدد نسبا أو أرقاما.

والخلاصة، هي أن الزيادة الحالية في أسعار المواد الغذائية ليست مؤقتة لا تلبث أن تزول، بل على الخليجيين خصوصا التعايش معها لفترة طويلة قد تصل إلى 10 سنوات في أقل تقدير.

وتلقى اللائمة هنا على الدول الصناعية التي عمدت منذ زمن طويل إلى تقديم الحوافز والإعانات إلى مزارعيها لدفعهم نحو زيادة الإنتاج بأقل عمالة ممكنة، وبيعه للدول النامية بأسعار زهيدة، ما أدى إلى منافسة غير عادلة لدرجة أن الزراعة في الدول النامية أصبحت غير مجدية.

كما تم تغيير نمط الزراعة في كثير ٍمن البلدان ولا سيما الأميركيتين، إذ حلت الذرة مكان الحبوب الأخرى، بهدف إنتاج الوقود البديل، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع هذا المنتج من الذرة بمعدل 30 مليون طن في الولايات المتحدة في العام 2007، أي ما يساوي تقريبا مجموع النقص الحاصل في المخزون العالمي من الحبوب خلال العام نفسه.

يضاف إلى ذلك انخفاض المحصول في بعض الدول الرئيسية المنتجة مثل أستراليا بسبب الجفاف الذي ضرب البلاد للعام الثاني على التوالي، وما صاحب ذلك من انخفاض في المخزون.

إلى ذلك أيضا، توقع تقرير صادر عن وزارة التجارة والصناعة السعودية، نشر حديثا، ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية في المملكة بنسبة 30 في المئة في العام 2008، عازيا السبب في ذلك إلى انخفاض الإنتاج العالمي مع ارتفاع الطلب وهبوط الدولار، ويمكن تعميم هذه النسبة (السعودية) على بقية دول الخليج لكون البضائع تصل إليها من المصادر نفسها وبالكلفة ذاتها تقريبا... من المعروف أن المنتجات الغذائية تشكل أكبر المكونات ثقلا في مؤشر كلفة المعيشة في المجتمعات البشرية.

النمو الاقتصادي

في العام الجاري 2008 من المتوقع أن نشهد نموّا اقتصاديّا إقليميّا بنسبة لا تقل عن 5,2% وفقا لما جاء في التقرير الاقتصادي السنوي للأمم المتحدة وكان عنوانه: الحالة والتوقعات الاقتصادية في العالم للعام 2008. يشير التقرير المذكور إلى أن المنطقة (الخليجية وبعض العربية) تفيد من عائدات انتعاش أسعار النفط، وما تلا ذلك من طلب متزايد عليه. ومن المتوقع حدوث نمو أكبر في الدول المصدرة للبترول، وفي الوقت ذاته عادت تلك الأسعار المرتفعة بالفائدة على الدول ذات الأنماط الاقتصادية الأكثر تنوعا.

زيادة الرواتب

رفعت الإمارات رواتب موظفيها في القطاع العام بنسبة 70 في المئة، وسلطنة عُمان بنسبة 43في المئة، والبحرين بنسبة تراوحت بين 10في المئة و15 في المئة، في حين زادت الكويت مواطنيها سواء العاملين في القطاع العام أو الخاص وحتى المتقاعدين حوالي 120 دينارا كويتيّا شهريّا. إن هذه الزيادات أيضا على عكس المتوقع، أسهمت في رفع نسبة التضخم بطريقة غير مباشرة على رغم أنها تقوم بدور قد يفوق مفعول (الأسبرين) بالنسبة إلى المواطن المستهلك.

الوحدة الاقتصادية الخليجية

يظهر التضخم كتحد أمام تشكيل تكتل اقتصادي حقيقي لدول الخليج العربية التي (تستريح) على اقتصاد قوامه 700 مليار دولار، ليبقى تفعيل أداء السوق الخليجية المشتركة، والاتحاد الجمركي، والوحدة النقدية (الحلم الأسمى) يشكل مأزقا لصانعي السياسات في هذه الدول. كما يبقى مشروع الوحدة النقدية الحل الأمثل لإنهاء حالة (الفزع) وعدم الاستقرار في الاقتصادات بمختلف مكوناتها، والتي تتمثل معاييرها المتفق عليها بـ (ألا تتجاوز نسبة العجز في الموازنة 3في المئة، ونسبة الدين العام إلى إجمالي الناتج المحلي 60 في المئة، وعدم تجاوز نسبة التضخم 2 في المئة) وهي نسب من شبه المستحيل تحقيقها بشكل جماعي.

اقتصادات دول الخليج 2007

يتوقع المعهد الدولي للتمويل أن يبلغ حجم الناتج المحلي الإجمالي لدول الخليج الست العام الماضي، (لم تنشر أرقام رسمية بعد) نحو 799,7 مليار دولار، بنمو اسمي يفوق مستوى العام 2006 البالغ 717,9 مليارا، بما نسبته 11,4 في المئة. كما يتوقع أن يرتفع معدل النمو الاسمي هذا العام (2008) نحو 14 في المئة، ليبلغ معه حجم الناتج المحلي الإجمالي للدول الخليجية مجتمعة حوالي 912,1 مليار دولار وهو مرتبط بأسعار النفط.

لكن، وعلى رغم ارتفاع أسعار النفط، يتوقع للفائض المالي – فائض الموازنات العامة - أن ينخفض العام 2007، إلى نحو 19في المئة من حجم الناتج المحلي الإجمالي، مقابل 23 في المئة للعام 2006، لأن نسبة ارتفاع النفقات العامة البالغة 13في المئة فاقت نسبة ارتفاع الإيرادات البالغة 4 في المئة.

إن متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الاسمي بلغ نحو 21,3 ألف دولار في العام 2007، ويتوقع له أن يرتفع إلى 23,4 ألفا في العام 2008. أما فائض الحساب الجاري فيتوقع أن يبلغ 214,9 مليار دولار في العام 2007، ويرتفع إلى نحو 252,9 مليارا في العام 2008.

تأثيرات تباطؤ الاقتصاد الأميركي

تشير التوقعات على المدى المتوسط إلى أن يخيم على المنطقة تأثير سلبي من الهزات الاقتصادية التي أصابت وتصيب الولايات المتحدة، ما قد يحد من الطلب على الشراء ومن ثم يدفع بأسعار النفط وكذلك أسعار باقي الصادرات غير النفطية في المنطقة إلى التراجع. إن من أكثر هذه الهزات تأثيرا ما عانته وتعانيه السوق المالية الأميركية مما ُسمي بـ (أزمة الرهن العقاري) والتي بدأت منذ 6 أشهر تقريبا وكبدت المصارف والشركات مليارات الدولارات إضافة إلى ما تبعها من هبوط في أسعار الأسهم وبالتالي سحبها للمؤسسات المالية الخليجية خلفها.

العدد 2012 - الأحد 09 مارس 2008م الموافق 01 ربيع الاول 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً