وإن أنكرن جميعهن، فلم يكن المعرض الذي أقامته صالة الرواق للفنون التشكيلية بعنوان «الحق في المكان» إلا مجموعة من الانفعالات المكنونة في نفوس ثلاثة أزواج من الأعين، أو ثلاث عدسات تصوير، عكسوا ما لم تقوى الألسن على نطقه في صور لفك القيود المكبلة للأيدي الناعمة، والجري في أروقة القرية الصغيرة بالبالونات صارخين «مع كل الاحترام، هذه حياتي».
فعلا هي حياتهم، لذلك هم يقدمون للمشاهد أعمالا فنية تتعطش لنور في قلب زنزانة ظلماء، فترى أعمال الفنانة السعودية منال الضويان ليست سوى تلك المرأة التي تعتمر العباءة السوداء، وتجاهد بخطى بطيئة وثابتة لتجد لها موطئ قدم بين «العقل» والأثواب البيضاء، لتصيغ تطلعاتها نحو المستقبل بحرفة تصور واقعها وآمالها بين أربعة أضلاع.
الضويان تقول «الأعمال ليست متأثرة بقيود المجتمع، وكل شخص يملك تفسيرها بما يشاء وكيفما ينظر لها، لكنها بنظري أعمال فنية تعبر عن الذات، وأنا أمر في تجربة خلال الوقت الجاري، أقوم بالتعبير عنها بالتصوير، ولكل شخص الحرية في اختيار الطريقة التي يعبر بها عن ذاته».
وتعلق «هذا فن التعبير عن الذات، إذا وجد فيه رسالة، وكان له ردة فعل، فهذا دليل على النجاح، لأن العمل حرك المشاعر في نفس المشاهد».
ولا يبدو أن المرأة تريد أن تراوح ذاتها، فأينما كانت المرأة من مجالات الفنون، جاءت أعمالها تعكس واقعها، ما يوحي بانكفائها ضمن دائرة محددة. منال علقت على ذلك بـ «المرأة تأتي في أعمالي لأنني امرأة، وأعرف ما يهمني، وهناك شيء في أصوره حاليا وأعمد لإبرازه، إذ الفنان هو أداة لتدوين الواقع، فبعد 100 عام حينما تتغير أحوال الدنيا، ستتمكن من خلال الفن من معرفة الظرف الذي أخرج فيه العمل حينه، لأن للفنان نظرة لما حوله».
الفنانة والمصورة البحرينية وحيدة مال الله ركزت موضوع عدستها في يوم فتاة قروية، لتعكس البساطة والبراءة التي تتلاشى معها خطوط الاتكيت، باحثة عن حياتها التي تنعم معها بكل السعادة، وذلك حينما تجد فسحة للجري أو للعبث في الأسواق، مع حمل شنطة أطفال، من دون هم لما سيقوله المنتقدون، فهي حياتها، أينما كانت.
وحيدة علقت قائلة «طرحت من خلال الصور رؤية/ رغبة، بنت تمارس نشاطاتها تحت مسمى القروية». الفتاة في أعمال وحيدة كانت تتشح بالسواد، مخفية وجهها، لتنعم بالحرية التي كانت ستحرم منها مع بقاء وجهها مكشوفا، وقد يكون ذلك رمزا على محدودية هذه الحرية والانطلاقة، وبقاؤها ضمن سلطة المجتمع المحافظ.
تعلق وحيدة مضيفة «البنت التي في الصورة هي وحيدة، أحاول طرح الفكرة بشيء من الدعابة، أما إخفاء الوجه فأجد أن قوة العمل تبرز حينما أخفي الوجه، إلى جانب المهارات الفنية من التباين بين الأبيض والأسود».
وقدمت وحيدة خلال المعرض فيديو بعنوان (مع كل الاحترام) علقت عنه بأنه «تصوير لمجموعة من 12 رجل وامرأة تطوعوا للمشاركة في تسريح شعرهم في لحظات (طبيعية) للعرض، مع إزاحة عبء عني لا يفهمه (الآخر) وهو ظهور جانب من الخلف لشعر (وحيدة) وهذا بعد محاولات صعبة لنزع ما لا يقبله جسدي. ليأتي هذا العمل كحركة لتحرير خصلات شعري من قيد التقاليد في المجتمع الذي أعيش فيه. هذا المشروع نفذ في قرية شطنا، خلال ورشة عمل الفنانين العالمية في الأردن».
في غياب الفنانة الإماراتية إبتسام عبدالعزيز، نستطيع القول أن معرض «الحق في المكان» حاكى أحقية المرأة الفكرية والمكانية واستحقاقاتها في هذا العالم المحسوب مسبقا، وسلط الضوء على الدور الفعال الذي تلعبه المرأة الخليجية في الحركة الفنية والتشكيلية، لتنهض وينهض بها المجتمع.
العدد 2022 - الأربعاء 19 مارس 2008م الموافق 11 ربيع الاول 1429هـ